شبكة أشرف سالمان

الأحد، 07 فبراير 2016 05:31 م
شبكة أشرف سالمان
عبد الفتاح علي


قد يبدو الحديث عن أشرف سالمان وزير الاستثمار مملا، ولا يثير رغبة في متابعته سوى من تعلق في رقبته، ومن يأتمر بأمره،أو يتأثر بقراراته، أو من تتغير أرقام مكافآته بحسب رضاه ومتابعته لأعماله.
لكن في حقيقة الأمر، أشرف سالمان واحد من الوزراء الذين تدور حولهم سهام الشك، وتلتف حولهم نار الريبة، ويتصدر بطولة أحداث درامية غير متوقعة على الاطلاق ،فهو رجل يملك مفاتيح كل دواليب وزرات مصر ليعلق على "شماعاتها" فشله.
هو في الأصل رجل أعمال، لكن من الباطن هو رجل علاقات عامة، وخبير في هذا المجال، ويستطيع أن يقترب من أي شخص في هذا البلد بطريقة غريبة وعجيبة، وهو ما يلصق به صفة "المحظوظ" الذي كاد أن يخرج من الوزارة السابقة بطريقة مهينة -كما أشيع- لكنه بقى في اللحظات الأخيرة، واقترب جدا من القصر الرئاسي، أكثر من ذي قبل.
سالمان يملك أصدقاء في كل مؤسسة مهمة في مصر ، بالقدر الذي لا يتخيله أحد، وعلاقته بهم لا تقف عند حد المجاملات والزيارات فقط، بل تتجاوز المسألة لمدى أبعد من ذلك.
مثل تعيين شقيق رئيس الأمن الوطني رئيسا لشركة قابضة تدير 18 شركة تابعة، ولأن رئيس الأمن الوطني صلاح حجازي قد ترك منصبه الخطير، فإن خروج شقيقه بات أمرا محتما، ليحل محله شخصا آخر يفيد الوزير في مكان آخر، مثله مثل أحمد سمير مدير مكتبه الذي هو ابن اللواء سمير فرج، أحد أكثر الشخصيات العسكرية السابقة نفوذا وقدرة على منح استشارته لقيادات حالية.
ولأنه سالمان رجل يجيد العلاقات العامة أكثر من إجادته إدارة الاستثمار في بلد مثل مصر، فهذا يعني أن شخصا مثل علي عبد العزيز، صاحب أكبر جلوس على كرسي الشركة القابضة للسياحة، لما له من علاقات علوية وسفلية لا أول لها ولا نهاية، فإن الحصول على استشارته بشكل دائم هو أمر يحتل الأولوية القصوى عند وزير الاستثمار.
ولأن الوزير رجل أعمال سابق (غير ناجح) فقد تجاوز عدم قدرته على إدارة شركته بنجاح، واستغل موهبته في العلاقات العامة في التقرب من رجل الأعمال صلاح دياب، الأمر الذي دفع الأخير إلى إنقاذ شركته السابق كايرو كاببيتال بشراء بعض الأسهم فيها والتي قيل أنها أسهم مجانية، وهو امر قد لا يستوعبه الكثيرين، لأن رجل مثل صلاح دياب لن يدفع مليما واحدا في شركة خاسرة، أو غير ناجحة، لكن السوق ما أن يعلم أن شخصا بثقل دياب إذا ما اشترى أسهما في شركة فهذا يعني أن السهم مضمون ورابح.
قد لا تكون المعلومة الخاصة بالشراء المجاني حقيقية أو مؤكدة، لكن المؤكد والحقيقي، أن دياب بالتعاون مع هشام رامز محافظ البنك المركزي السابق قد رشحا سالمان لتولي وزارة الاستثمار لدى رئيس الوزراء المثير للجدل إبراهيم محلب، الذي استمع لنصيحة الرجلين وجاء به وزيرا، قبل أن تكون نهايته على يد سالمان نفسه.
العلاقة بين سالمان ورامز ليست وليدة السنوات القليلة الماضية، بل هي ممتدة منذ أن كان الوزير الحالي موظفا في البنك المصري الخليجي الذي انتقل إليه من بنك مصر، وقت أن كان رامز رئيس لمجلس إدارة هذا البنك متوسط الحجم والأداء، والذي تبنى سالمان ودفعه ليحتل عضوية مجلس إدارة البنك، قبل أن يستقيل لينشئ شركته الخاصة كايرو كابيتال التي حصلت على أقل درجة تصنيف في إدارة المحافظ المالية.
هذا التصنيف المتواضع لم يقف في طريق سالمان، لأن العبرة في عالم البزنس ليس بالنجاح والربح، فتجار المخدرات يربحون، وتجار السلاح يحققون مكاسب بالمليارات، لكن العبرة بالعلاقات العامة، التي لا تعترف لأحد بالفضل على أحد، بقدر ما تعترف بالمصلحة وتبادل المنفعة.
المنفعة قد لا تبدو في عملية نهب وسرقة واستيلاء، لكنها قد تتجلى في منح كيان بعينه امتيازا لا يظهر للعيان، ولا يبدو أنه فساد بالعين المجردة، مثل أن تقف شركات قطاع الأعمال العام في طابور لتحول ودائعها المليارية إلى خزانة البنك المصري الخليجي المتوسط التصنيف، تاركة بنوكا حكومية وخاصة ومشتركة مرتفعة التصنيف.
صحيح أن الوزير باع كل أسهمه في شركة كايرو كابيتال، وصحيح أن الوزير تخارج من كل ما يربطه بمؤسسات مالية واقتصادية أخرى، لكن سبحان الله، هذه الشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية شهدت انتعاشا غير عاديا بمجرد أن تركها سالمان ليصبح وزيرا للاستثمار، على سبيل المثال أصبحت الشركة السابقة والتي يديرها شريكه السابق مسئولة عن إدارة محفظة صندوق دعم السياحة، وما أدراك ما صندوق دعم السياحة وملياراته.
جزء من تسويق أشرف سالمان لنفسه أنه رفض عرضا إخوانيا بتولي هيئة الرقابة المالية، وقتها كانت هناك أجهزة مهمة تدير الدولة ضد الإخوان، وطلبت من أشرف سالمان أن يرفض المنصب، وحتى يمسك سالمان العصا من المنتصف، طلب الحصول على رقم فلكي مقابل رئاسته لهيئة الاستثمار، حيث طلب من رجل الأعمال الإخواني حسن مالك في مقابلة جرت في مكتب الأخير الذي كان يدير المجموعة الاقتصادية في ظل حكم الإخوان، أن يحصل على 150 ألف جنيه شهريا، فكانت كالعقدة في المنشار.
انتهى الحديث بين مالك وسالمان ولم يعاود الاتصال به مرة أخرى، وجرى تسريب خبر رفض سالمان المنصب، فتحول إلى بطل شعبي في قلب الرجل الذي بات قويا جدا في هذا العهد، وهو الرجل نفسه الذي دبر إفشال كل الأسماء المطروحة بديلا لسالمان في وزارة الاستثمار، فوقع في يد شريف إسماعيل، واضطر للتعامل معه لأن موعد حلف اليمين بات بعد ساعات قليلة.
قصص فساد الشركات التي يشرف عليها سالمان لا تنتهي، وبعضها يحمل أعاجيب، وبعضها الآخر يدخل موسوعة جينز للأرقام القياسية للمعمرين، ليس فقط على مقاعدهم في هذه الشركات، بل المعمرين في السن، ومازالوا قابعين على الكراسي، لدرجة أن بعضهم مات إكلنيكيا، وما زال رئيسا للشركة.
وهي في الحقيقة قاعدة في الشركات الحكومية، حتى تلك التي لا تتبع وزير الاستثمار، فهناك شركة تتبع وزير الصحة مازال رئيس مجلس إدارتها الذي يقترب من التسعين قابعا على مقدراتها، وأن أخر عهد له بإدارة شركة سيديكو للأدوية قبل عشر سنوات، تاركا الشركة الحكومية المتخصصة في الأدوية في يد إبنه الأول العضو المنتدب، وإدارة التسويق في يد إبنه الثاني، ولم يحالفه الحظ ليكون له إبنا ثالثا ليكون مديرا للمبيعات.
المهم المسيرة لا زالت تسير بنفس الخطى، الخسائر المليونية، والأرباح الورقية، والمرتبات والمكافآت الفلكية، والمجاملات السياسية، مثل القابضة للنقل البحري والقابضة للتأمين والقابضة المعدنية والقابضة الكيماوية.
لن أخوض في مسائل شخصية، تتعلق بطلاق الوزير من زوجته الأوكرانية، لكني أتعجب من الغضب المكبوت داخل الوزارة من إدارتها الحقيقية في يد السيدة نهال ترك الفلسطينية التي تتولى سكرتارية الوزير، وهو الغضب الذي لا يلفت نظر الوزير، ولا يتوقف عنده، لدرجة أن بعض العاملين في الوزارة شبه نفسه بالخادم الذي يعمل في بيت الوزير، وأن السيدة نهال هي سيدة القصر.
قد أكون مخطئا في كل ما كتبته عن الوزير أشرف سالمان، أو عن العباقرة الذين يديرون شركاته ومؤسساته المالية والاقتصادية السابقة، أو عن كفاءة وشطارة سكرتيرة الوزير، لكني بالتأكيد لست مخطئا فيما يتعلق بموهبة سالمان في العلاقات العامة، التي فاقت التوقعات، فقد جلس مع الرئيس قبل يومين منفردا ليمنحه تقريره حول خططه للاستثمار التي ارتفع دون أن ندرى في ظل وجوده، وفي الوقت نفسه، يعلق المشانق لرئيس الوزراء وباقي زملاؤه في الحكومة لأنهم ليسوا بنفس كفاءته.
السر ليس في أشرف سالمان، لكن السر في من يحمي أشرف سالمان في أهم مؤسسات في مصر.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق