شرط واحد لنجاح حكم السيسي

الأحد، 14 فبراير 2016 04:49 م
شرط واحد لنجاح حكم السيسي
عبد الفتاح علي


ماذا لو أمسكت بدلو ماء وألقيت به في الصحراء؟ هل سيخرج من قلب الرمال ما يجعلك تظن أنها واحة خضراء.
ماذا لو فردت جناحيك في الهواء منتظرا عاصفة؟ فهل ستسابق اليمام والصقور على إعتلاء السحاب.
ليس في تعمير والصحراء عيبا، ولا في الرغبة في الطيران ما يشين، لكنها الطريقة التي تدار بها الأمور والتي بها العيب كل العيب، ثم نفاجئ ونندهش لماذا نسير في الاتجاه الخاطئ ألف مرة ولا نصل إلى الهدف.
نحن نحتاج مليون وحدة سكنية متنوعة في السنة، لكننا لا نبني سوى ربع مليون فقط، ولا يسكنها إلا 30% من الحاصلين عليها، فهل هذا يعني أننا نحل أزمة الإسكان، بالطبع لا، فنحن نمنح المسكنات لأناس أدمنوها فلم تعد تشفع، ولا في الحياة تنفع.
نحن ننشأ عشرات الكيلومترات من الطرق في مصر لتخفيف الزحام المروري، وننفق عليها المليارات، لكننا في الحقيقة لا نحتاج إلى طرق جديدة بشكل ملح، لأننا علميا من أقل الدول في نسبة السيارات لأطوال الطرق، فنحن رقم 127 على العالم في قائمة الدول الأعلى تكدسا، نحن نحتاج إعادة توزيع للسكان وليس زيادة في طرق لا يمشي عليها سوى الرياح المحملة بالرمال.
نحن لا نحتاج الآن تشديد في العقوبات على المخالفات المرورية، ولا في مخالفات البناء، ولا في التجاوزات الإدارية، أو الرشاوى في المكاتب الحكومية، نحن نحتاج بناء قلعة تحمي المجتمع من هذه الآفات التي تهنش لحم الناس وتجعلهم يأكلون لحمهم بالرخيص الذي يحسبونه غالي.
هذه القلعة ليست أحجار متراصة فوق بعضها، ولا جدران عالية تعيق الرؤية وتمنع الهواء، ولا هي أسلاك شائكة تحدد الحرام من الحلال، ولا هي موانع طبيعية تقي شر القادم المجهول، لكنها قلعة تقوم عل فكرة واحدة فقط، خلق المصلحة في الحلال، في النزاهة، في الشرف.
أن يدرك المواطن أن ركن سيارته في المكان المخصص لها يحقق له مصلحة، أن يؤمن الموظف بأن تأدية دوره بإيجابية يحقق له مصلحة، أن يعتقد المقاول أن التزامه بالبناء وفقا للشروط الموضوعة سيجلب عليه الخير والمكسب، أن يربط الانسان شرفه بالحصول على حقه فقط دون تجاوز حقوق الاخرين.
تحقيق هذه المصلحة متقدم على جلب الأذى والخسارة إذا ما تجاوز القانون.
وقد تكون المشكلة في القانون ذاته الذي يفتح الباب على مصراعيه للتزاوج بين المصلحة والفساد، فينتج أجنة مشوهة تملئ حياتنا، فقبل تعديل القانون وفقا لرؤتنا في الإصلاح، علينا أن نخلق كيان مواز بديل للكيانات التي نرغب في تعديلها وإصلاحها، فإذا نجح هذا الكيان الجديد سيكون لدينا زخم لتعديل القانون ودافعا لإصلاح النفوس التي ارتبطت بزاوج كاثوليكي مع الفساد.
في الأحوال المدنية على سبيل المثال، ليس هناك إعجاز يفعله الموظف أو يطالب به المواطن، إجراءات محددة لا تتجاوز الأربعة، هي التي يدور حولها عمل الموظف، بطاقة جديدة، بدل فاقد، بدل تالف، تعديل بيانات.
فمثلا البطاقة الجديدة، لمذا تستغرق خمسة عشر يوما لاستخراجها، هل الحكومة وقاعدة بيانات الداخلية لا تعلم أن هناك مواطن اسمه كذا ولد في المكان الفلاني واستخرج له والديه شهادة ميلاد وبات له رقما قوميا، قاعدة البيانات تعلم تماما أن هذا المواطن سيصبح عمره ستة عشر عاما في اليوم الفلاني، لماذا لا يذهب المواطن ويجد بطاقته في انتظار التقاط صورة له في الإدارة التي ولد في حدودها الإدارية، وفي مقابل هذا يدفع عشرون جنيها بدلا من خمسة عشر جنيه.
هذه فكرة واحدة لتحسين الأداء، وتحسين الدخل، تحققت فيه المصلحة مع الحلال، بين الموظف والمواطن، ولو أضفنا إليها فكرة المنافسة بين الوحدات الإدارية، سنحصد أداءا مبهرا، كأن يكون من حق المواطن الذي يعيش في محافظة الجيزة، أن يستخرج بطاقتة الشخصية من أي فرع للأحوال المدنية في المحافظة، ووفقا للسمعة في خدمة الجمهور، سيذهب الناس، ومن يجلب إليه جمهور أكثر يرضيهم ويخدمهم بضمير سيكون له حظ أفضل في الراتب.
إذا ما طبقنا الفكرة في تحقيق المصلحة في الحلال والنزاهة والشرف، يأتي دور العقاب القاسي في المربتة الثانية لمن يخالف القانون، ويحصل على رشوة، أو يسعى للحصول على حق غيره من المواطنين.
في بلدان العالم الأكثر تقدما، هناك نماذج حية لهذه المصلحة، مثل تذكرة المواصلات العامة، هناك كارت مدفوع مقدما يمرر على جهاز للمحاسبة، فإذا لم يكن معك هذا الكارت، فمن الممكن أن تستخدم كارت الفيزا أو الماستر، فإذا لم يكن معك هذا الكارت، فمن الممكن أن تتصل بتلفونك برقم محدد موجود في مكان ظاهر في المواصلات، وترسل إليه رسالة فيخصم منك ثمن التذكرة.
فكرة تحسين حياة الناس ليست صعبة، وفكرة ربط المصلحة بين الناس وبين الحلال والنزاهة والشرف ليست مستحيلة، هي ممكنة، لكنها تحتاج رغبة حقيقية في القيادة في أن تقوم بهذا العمل وتخلق تلك المصلحة.
ذهب أحد المدرسين إلى دورة تدريبية في جامعة كابمردج البريطانية، وفي المحاضرة الأولى (العامة) سأل المحاضر المدرسين المصريين كيف يتم الإصلاح الإداري في أي دولة، فرد المدرسين في نفس واحد، يأتي من القاعدة، فقال لهم هذا خطأ يرتقي لدرجة الخطيئة، لأنه مهما حاول الناس في القاعدة الإصلاح سيصابوا بالإحباط واليأس لأن مقاومة الإصلاح من القمة ستكون عنيفة، بينما لو جاء الإصلاح من القمة بشكل مدروس، وفي مكان وزمان مناسبين، ستقل المقاومة، وسيكون هناك نموذجا ناجعا لتنمية فعالة، ودفعة سياسية وإدارية لإصلاح حقيقي يهبط من أعلى لأسفل.
لذا فإن حركة الرئيس المستمرة لعمل إصلاح في المكان الخطأ وبالطريقة الخطأ، ستحرك بعض الشئ المياة في البحيرة الراكدة، لكنها لن تجلب فيضانا يهز الفساد، لأنه سيتعامل معه بمنطق التأقلم مع الواقع الجديد، لحين العثور على ثغرة ينفذ منها ما يبلع الإصلاح العشوائي الذي يفعله الرئيس.
أكثر ما يحزنني،أن الرجل يرغب بشدة في عمل تنمية واصلاح، لكنه يعمل بأدوات بائسة، يائسة، بالية، غرق في التعامل معها، وهو يأمل أن ينجز ما لا نعلمه، وبالتالي وسط مشاريع بعشرات المليارات ذهبت رونقها بسبب سجادة حمراء، حولت الإنجاز إلى جنين مشوه، فقد معه الوالدين فرحة الولادة المتعثرة المعسرة، وهو ما أطاح بالمفترض أن نناقشه بعد هذا الانجاز، وهو كيف سيتم توزيع هذه الوحدات، وكيف نحول حياة الناس فيها إلى بداية جديدة مختلفة، تضيف إليهم ولا تنقص.
لكن ما حدث قد حدث، يجب أن نتجاوزه، وهي إحدى مميزات الرجل، أنه سرعان ما يتجاوز العائق، ليستكمل ما يريد استكماله.
ما أخشاه أن ينضم هذا التجمع السكني الجديد الذي افتتح الرئيس في مدينة أكتوبر، لم يكن أحد يعرف أين هذا التجمع، وكيف يصل إليه، وكيف سيتم تعميره بالخدمات قبل البشر، فهو البعيد جدا عن الحياة في مدينة أكتوبر، إلى باقي التجمعات الموجودة في منطقة حدائق أكتوبر، التي يحكمها الأعراب، ولا تقترب منها الخدمات، ففي هذه المنطقة عشرات الآلف من الكتل الخرسانية التي انصرف عنها الناس رغم أنهم وضعوا فيها ثرواتهم، لأنه في وقت سابق كان الهدف هو بيع الأراضي، بلا أي تخطيط أو أي التزام لا من قبل الحكومة، ولا من قبل المسثمرين.
فاذا استكملنا على ما انجز، بادارة راقية، تعرف تفاصيل حياة الناس، فتحول وجودهم في هذا التجمع الجديد الى مصلحة، يتركون خلفهم عشوائيات بالية، الى رحابة التجمعات الجديدة، والإهانة في المواصلات، إلى رحابة في التنقل، ومن نتائج الزحام الكارثية على السلوك، إلى رقي المساحات الخضراء وما تغرسه من قيم في النفوس.
اذا فعلنا هذا في هذا التجمع الجديد، فلن يذهب الناس للحياة في عشوائية تنتج ردائة، ولا في السكن على أرض عشوائية، ولا في شراء وحدات سكنية في عمارات مخالفة، هذا ما أريد قوله، من خلق المصلحة مع الحلال والنزاهة والشرف.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق