القاضي الجرئ المستشار طارق البشري.. لقب بـ«المفكر» لإسهاماته في الكتابة السياسية والتحليلية والتاريخية.. ثار على مبارك عام 2006.. شارك في ثورة 25 يناير.. واتهم بالمحاباه لجماعة الإخوان الإرهابية

الأحد، 10 يوليو 2016 02:18 م
القاضي الجرئ المستشار طارق البشري.. لقب بـ«المفكر» لإسهاماته في الكتابة السياسية والتحليلية والتاريخية.. ثار على مبارك عام 2006.. شارك في ثورة 25 يناير.. واتهم بالمحاباه لجماعة الإخوان الإرهابية
أحمد السيد

استحق المستشار طارق البشري لقب «عظيم» بسبب مواقفه الثابتة، وأراءه التي لا تقبل التدليس، فقد نجح في الحفاظ على عباءة القاضي القوي النزيه الجريء الذي لا يخشى في قول الحق لومة لائم، وجعلها جزءا من جسده وحياته وغير قابلة للخلع من أجل أي مصالح خاصة حتى بعد خروجه على المعاش.

الإنسان القاضي
طارق عبد الفتاح سليم البشري، هو قاضي مصري متقاعد شغل منصب النائب الأول السابق لرئيس مجلس الدولة المصري ورئيسا للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع عدة سنوات، ولد في نوفمبر عام 1933 بحي الحلمية في مدينة القاهرة لأسرة عريقة، فوالده هو المستشار عبدالفتاح البشري رئيس محكمة الاستئناف السابق، وجده سليم البشري كان شيخ السادة المالكية في مصر.

تخرج من كلية الحقوق عام 1953 وعين بعدها في مجلس الدولة، تحول من الفكر الماركسي إلى الفكر الإسلامي بعد نكسة 67 من خلال مقال كتبه بعنوان «رحلة التجديد في التشريع الإسلامي»، له عدد كبير من الفتاوى والاستشارات القانونية التي أصدرها أثناء رئاسته للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة والتي اعتبرها خبراء القانون مرجعا قانونيا هاما يضاف إلى التاريخ القانوني المصري.

المفكر
بعيدا عن عمله في القانون، استحق المستشار طارق البشري لقب المفكر بعد إسهاماته الكبيرة في عالم الكتابة السياسية والتحليلية والتاريخية، وله العديد من المؤلفات أبرزها، الحركة السياسية في مصر 1945 - 1952، والديمقراطية والناصرية، وسعد زغلول يفاوض الاستعمار: دراسة في المفاوضات المصرية - البريطانية 20 - 1924م، والمسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية، والديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952 - 1970، ودراسات في الديمقراطية المصرية، وبين الإسلام والعروبة، ومنهج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي، ومشكلتان وقراءة فيهما، وشخصيات تاريخية، وسلسلة كتب بعنوان رئيسي «في المسألة الإسلامية المعاصرة »، نحو تيار أساسي للأمة.

ثورة على مبارك عام 2006
تعرف الشعب المصري على المستشار طارق البشري بداية من عام 2006 الذي شهد إصداره كتاب صارخ أنذاك في وجه النظام المصري بقيادة محمد حسني مبارك، وكان هذا الكتاب بعنوان "مصر بين العصيان والتفكك" وهو عبارة عن عدة مقالات صدرت له واعتبر فيها أن العصيان المدني فعل إيجابي واعتراض مقبول من الشعب بشرط أن يلتزم هذا العصيان بعدم العنف وعدم التشبب في نشر الفوضى، وما أزاد الطين بلة، هو استمرار تعريفه لمفهوم العصيان من وجهة نظره حيث قال أنه يقوم على تصميم المحكومين أن "ينزعوا غطاء الشرعية تماما" عن "حاكم فقد شرعيته فعلا" منذ زمن، في معارضة واضحة وصريحه منه لمبارك قبل 5 سنوات كاملة من ثورة 25 يناير المجيدة.

25 يناير
شارك البشري في ثورة يناير بكل قوة، وكان من أشد أنصار محاكمة الرئيس الأسبق مبارك ليس فقط بسبب الاتهامات الجنائية التي وجهت له مثل فتح السجون للبلطجية وقتل المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير بل كان من ضمن الداعين لمحاكمة مبارك بسبب الجرائم السياسية التي ارتكبها على مدار 30 عام من حكم.

التعديلات الدستورية
وبعد سقوط الرئيس المخلوع مبارك وتولي المجلس العسكري شئون البلاد، تم اختيار المستشار طارق البشري رئيسا للجنة صياغة الدستور بما يتوافق مع مصر ما بعد الثورة، وتسبب رئاسة البشري لتلك اللجنة، والتعديلات التي أجراها في الدستور في موجة كبرى من الانقسامات داخل مصر ما بين مؤيد ومعارض لـ 12 بند دستوري عدلهم على دستور 73 والذي كان أبرزهم إقصار مدة الرئيس على 4 سنوات فقط وتجدد مرة واحدة بحيث تصبح أقصى مدة 8 سنوات.

البشري إخوانيا !!
وفي تلك الفترة، وجه سيل من الانتقادات للبشري متهمين إياه بالمحاباة لجماعة الإخوان الإرهابية من خلال تمكينها من إجراء انتخابات برلمانية يفوزون بأغلب مقاعدها ثم بعد ذلك يشكلون الدستور المصري الجديد وفقا لأهوائهم وباقي أهواء الإسلاميين الذين عادوا إلى السطح مرة أخرى، وهذا ما تم فعليا وتم اتهام المستشار طارق البشري بالتسبب في هذا الأمر.

ينفي الأخونة
وعلى الرغم من وضع الكثير من الناس للمستشار طارق البشري ضمن فريق الإخوان إلا أنه أثبت عكس ذلك منذ الوهلة الأولى من تولي الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي حكم مصر، حيث رفض كل المناصب الكبرى التي عرضت عليه من الجماعة حفاظا على تاريخه ومنعا لاتهامه بالتبعية للجماعة وتسهيله من خلال منصبه كرئيس لجنة صياغة الدستور وصول الجماعة إلى حكم مصر بعد أكثر من 80 عام من المحاولات المستميتة.

لم يك هذا الإثبات الوحيد من طارق البشري أنه ليس من الإخوان ولا يطمح في أي مناصب منها بل كان الإثبات الحقيقي والرسمي بتاريخ نوفمبر عام 2012 وهو التاريخ الذي شهد الإعلان الدستوري الشهير للرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي والذي قام من خلاله بعزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه واختيار المستشار الإخواني طلعت إبراهيم بدلا منه وتحصينه لكل قراراته من الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، لم يسكت البشري على هذا الإعلان الدستوري الغير دستوري، وانتقده بشدة واصفا إياه بأنه باطلًا ويكرس للاستبداد، مشيرًا إلى أنه ليس من صلاحيات رئيس الجمهورية إصدار إعلانات دستورية، وقد نشر بيان رسمي منه تعليقا على هذا الأمر على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" دافع فيه عن نفسه وعن تعديلاته الدستورية، وقال: "التعديلات الدستورية التي صدرت في مارس 2011 كانت تهدف لأن يُكتب دستور مصر في مناخ ديمقراطي وفي ظل مؤسسات منتخبة انتخابًا نزيهًا ومشكلة تشكيلًا قانونيًا شرعيًا، ولكن ما يحدث مؤخرًا من اتخاذ إجراءات استثنائية وغير شرعية دستوريًا تجعل المناخ لا يناسب لكتابة الدستور والذي جاهدنا سعيًا إلى توفيره".

ثورة 30 يونيو
اختفى المستشار طارق البشري بعد هذا البيان حتى جاءت ثورة 30 يونيو المجيدة والتي تم فيها عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي من منصبه في بيان للجيش المصري بتاريخ 3 يوليو عام 2013، ذلك البيان الذي شهدت مصر بعده اشتباكات دامية بسبب تصرفات جماعة الإخوان وأنصار المعزول محمد مرسي، وفي ضوء تلك الاشتباكات ظهر البشري من جديد من خلال مبادرة أصدرها الدكتور محمد سليم العوا ووقع عليها بنفسه لمحاولة احتواء الأزمة في مصر، وكانت أبرز بنود تلك المبادرة الموافقة على عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي واختيار رئيس حكومة توافقي لتولي شئون البلاد حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

استمر ظهور البشري حيث انتقد فض الدولة اعتصام الإخوان في رابعة والنهضة الأمر الذي جعله يدخل من جديد في دائرة الاتهام بالتبعية للإخوان إلا أنه اختفى من المشهد مرة أخرى قاطعا تواصله مع وسائل الإعلام مكتفيا بالتعليق على بعض الأحداث التي يراها هامة والتي كان آخرها من أيام حين أثنى على قرار القضاء الإداري بإلغاء تحويل ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية.
باختصار المستشار طارق البشري نموزج قانوني وسياسي يستحق التكريم من مصر الآن وقبل أن يواريه الثرى ووقتها سيعلم الجميع قيمة هذا الرجل القانونية والتاريخية، ولعل أبرز وصف ما يمكن أن يصف هذا المستشار الجليل ما قالته صحيفة الشروق الخاصة حين تقديمها لأحد كتبه والمعروف باسم "الدولة والكنيسة" حيث قالت" "أن ما يكتبه المستشار البشرى لابد أن يُقرأ بتأنٍ شديد، مع انتباه كبير، فلا ينفع مع كتبه الكسل أو استقطاع وقت القراءة، في نظرة إلى كتاب آخر."
وأضافت: "أنه واحد ممن اتفق عليه الجميع، حتى أن المختلفين معه يحترمون آراءه، لأنه ممن يعرفون قدر الكلام، وأهمية فعل الكتابة".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق