البحث جار عن دولة لتنظيم الوحشية

السبت، 23 يوليو 2016 04:33 م
البحث جار عن دولة لتنظيم الوحشية
عبد الفتاح علي

من زرع بن لادن يحصد الأن ثمار داعش وبدلا من أن يحرر أفغانستان أوقع العالم تحت احتلال الارهاب

الصراع الأمريكي الروسي ينتقل إلى ليبيا التي ستتحول إلى قاعدة لحصار الناتو من الجنوب

لا يمكن أن تذهب مشاهد القتل والتدمير من عيون أي إنسان يؤمن بأن هذا العالم خلق لنحيا فيه، لا لندهس في الطرقات ونذبح في القطارات، ونقتل على كراسي المقاهي، أو نفجر على الأرض وفوق البحر وفي قلب السماء.
لا يمكن أن تمنعني بشاعة المشاهد، ولا فجاعة الاخبار، ولا إرهاب أصحاب القرار، عن تذكر أصل المشكلة، وأم الخيانات البشرية التي لولاها ما كنا الآن تحت وطأة الارهاب ومن والاه.
لا يمكن أن تكون هناك غاية تبرر أي وسيلة، إلا إذا كان هناك من يسعى لتحقيق هدفه حتى ولو على جثث أهل الأرض جميعا، حتى لو كانت هذه الغاية ألا يحصل الاتحاد السوفيتي على أفغانستان، تلك البلاد الجبلية الوعرة التي تبتلع أرضها، رفات جنود كل أمبراطوريات التاريخ.
الخلافات بين الموالين للولايات المتحدة لم تكن سهلة ولا هينة، فقدمت المملكة السعودية عن طريق رئيس مخابراتها كمال أدهم الحل الذهبي ليس فقط للقضاء على الخلافات بين الحلفاء، بل أيضا لكتابة نهاية الوجود السوفيتي في أفغانستان.
كان الحل هو أسامة بن لادن؟ الواجهة غير الرسمية التي عن طريقه يوزع العطايا والأموال، ويشترى الولاءات، فيغمس في التربة الأفغانية، وبالتالي رأي الفرقاء أن الولاء (المؤقت) له سيكون مرحلي قبل أن ينتهي الصراع ويقفز كل واحد منهم على السلطة.
لكن بن لادن لم يكن هدف لسلطة في أفغانسان، بل كان مجرد ورقة للقضاء على السوفييت، تحت شعار حكم الإسلام الذي تحول فيما بعد إلى بركان من الدماء يثور وقتما يراد له.
كان بن لادن واحدا من عشرات التطبيقات التي نفذها ما يسمى بنادي السفاري حول العالم، منطلقا نحو هدف واحد، هو القضاء على أي وجود سوفيتي في العالم، وجر القوى العظمى الثانية في حروب استنزاف في كل بقاع الأرض.
نادي السفاري كان فكرة أمريكية أسسها كمال أدهم وضمت فرنسا ومصر وإيران والمغرب، لكن التغييرات التي حدثت في طهران بقيام الثورة ثم تراجع الدور المصري الاقليمي بعد اغتيال السادات، سيطرت الولايات المتحدة على النادي بقيادة مشتركة مع السعودية، وانتهى الأمر بتحوله إلى مركز للتنسيق السعودي الأمريكي المخابراتي، بعد أن تم إخراج فرنسا والمغرب من عضويته.
كان من ضمن أهدافه بعد أن أصبح ثنائيا، أن يسيطر على الملفات التي بدأت في الخروج عن السيطرة، مثل تنظيم القاعدة، لكن هذا الأمر لم يكن بالأمر الهين، فقط كان أحد وسائل تقوية التنظيم أن يخلق لنفسه مصادر تمويل، ومراكز عمليات، ودعم تقني ولوجيستي.
لكن الأهم من كل هذا أن نادي السفاري لم يستطع السيطرة على الدعم الفكري والاجتماعي الذي بات متغلغلا ليس فقط في التركيبة المجتمعية السعودية، بل في مراكز ثقل في بلاط السلطة الملكية ذاتها، وأصبح حلقة الوصل بالتنظيم إحدى أوراق اللعبة الداخلية ومركزا للقوة، ومعادلا لورقة الجيش والحرس الوطني.
من يملك ورقة (حلقة الوصل مع التنظيم) بات يملك القوة المالية للمحافظين من كبار رجال المال داخل المملكة، والنتيجة، إذا أردت القضاء على تنظيم القاعدة، ستتحول المملكة إلى دويلات.
لهذا قرر نادي السفاري، زرع بذور القضاء على التنظيم على مهل، وبسياسة النفس الطويل، لكن التنظيم الذي خلق كالفيروس، بات يتعامل مع الأخطار بنفس المنطق، فلما أحس بالغدر، حدث تطور في تركيبته الجينية، فانشطر منه تنظيم الدولة، كجنين ظل في الحضانة العراقية السورية حتى اكتمل نموه، وكوحش جديد يافع، لم يستطع التنظيم الأم أن يقاومه، فرضي بالأمر الواقع واحتل المرتبة الثانية، بدعم من نفس الداعم للإجهاز عليه.
لكن الأخطر من الصراع على زعامة الوحشية، كانت المزايدة على الوحشية ذاتها، وأصبح سقف الأهوال مجرد عتبة للصعود نحو قمة الدونية الإنسانية.
في قلب مراكز صنع القرار الأمريكي، أصواتا تنادي بالدفع لتكوين دولة للتنظيم، تجذب الأنصار، وتصبح مختبرا حيا للتجارب البشرية، وتعامل معاملة قبرص التركية، لا يعترف بها أحد، لكنها قائمة رغما عن الجميع، وكانت سيناء في فترة بديلا لهذه الفكرة، لكن ما جرى في 30 يونيو في مصر، دفعت المعارضين لوجود داعش في سوريا والعراق لإعادة التفكير مرة أخرى في مواقفهم، والبحث عن أفكار جديدة.
لكن الضغوط الروسية والإيرانية حسمت الأمر، وأفشلت المخطط، وكشفت مسرحية قصف التحالف الدولي للتنظيم في الرقة والموصل، فاختلطت الأوراق وسقط صانع الكمين في ما جنته يداه، وبدلا من أن تستقطب دولة التنظيم أنصارها من أوروبا والعالم، أشعلت روسيا وايران، العراق وسوريا ودفعت الأنصار دفعا نحو العودة إلى أوروبا بشكل خاص، ودولهم في العالم على وجه العموم.
والصراع الذي يبدو أنه بين أمريكا وحلفائها وروسيا وحلفائها في الظاهر، يبدو أكثر وضوحا بين أنصار الرغبة في تقسيم العراق وسوريا عبر اقتطاع أجزاء من أراضيهما ليكون التنظيم دولته، وبين أن يشتعل العالم بنيران الإرهاب وتنجو سوريا والعراق من شبح التقسيم الواقعي.
أنصار فكرة دولة التنظيم، لم يفقدوا الأمل، ورسي المزاد على ليبيا، ليكون وسطها أرضا لدولة التنظيم، بين دولتي الغرب والشرق، الأولى تساندها الجزائر وايطاليا، والثانية تساندها مصر ودول الخليج، لكن روسيا قررت العبث في الخطة، ووسعت رغبتها في حصار الناتو من الشرق إلى الجنوب.
بات اللواء حفتر قائد التحالف العسكري في الدولة الشرقية أقرب من أي وقت مضى إلى موسكو، بفعل المستشارين الروس، والدعم اللوجستي والفني له، خاصة في مجال الطيران الذي كان يده "المغلولة" لعدم قدرته على صيانة الطائرات من قبل، وبات الآن ذراع أقوي يضرب به التنظيم في دولة الوسط المراد ان تكون مقرا لأنصار البغدادي، فاتخذها مليشيات الغرب ذريعة للمزايدة أمام الشرق، فقصفوا التنظيم انطلاقا من خشية توسع العدو حفتر، وليس رغبة في ليبيا موحدة
اليمين القادم في أمريكا وأوروبا، سيدعم بقوة دولة داعش، لينجو بنفسه، لكن على حساب من هذه المرة؟ و في أي منطقة في العالم سوف تتحول إلى مكب لنفايات السياسة الغربية والخليجية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق