رؤى فى المقاومة

الأحد، 24 يوليو 2016 03:08 م
رؤى فى المقاومة
كمال الهلباوي يكتب

شاركت فى مؤتمر بيروت الأخير بعنوان المؤتمر العربى العام لدعم المقاومة ورفض تصنيفها بالارهاب. وذلك يوم الجمعة 15 من يوليو 2016. وقد جاء هذا المؤتمر فى الذكرى العاشرة للإنتصار العظيم الذى حققته المقاومة الاسلامية ولبنان بقيادة حزب الله اللبنانى ضد العدو الحقيقى، وهو العدو الصهيونى ومن وراءه. هذه ذكرى عظيمة أعادت الأمل الذى كان مفتقدا فى الأمة. يعجبنى فى لبنان الحريات الواسعة التى لا تحرم أحدا من الدخول ولا تخيف أحدا من الاعتقال.


كان فى تلك الحرب شهداء، وهم بمشيئة الله تعالى عند ربهم يرزقون مع شهداء الأمة جميعا فى شتى البلاد وشتى المعارك التى خاضتها الأمة مع العدو الصهيونى فى فلسطين أو مصر أو سوريا أو الأردن أو لبنان أو غيرها من البلاد.


تحقق فى تلك الحروب آيات من آيات الله تعالى فى القرآن الكريم " إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ "،"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ".


أقول للمقاومة ضد العدو الصهيونى مهما كان لونها، جزاكم الله تعالى خيرا عن هذه الأمة العظيمة . التى إبتليت ببعض الحكام والمحكومين العرب المنهزمين والمتعاونين مع العدو ومع الاحتلال والهيمنة الأمريكية بعد حرب 1973 والنصر العظيم الذى تحقق فيها. أثبتت المقاومة أنه كان من الضرورى المواصلة.
كان من بين الحضور الذين تحدثوا فى الجلسة الافتتاحية إثنان من مرشحى الرئاسة السابقين فى مصر، هما الاستاذ الجليل حمدين صباحى والدكتور العزيز عبدالمنعم أبو الفتوح، مما يدل على مكانة مصر الكبيرة. أثبت هنا كلمة د. أبو الفتوح لشمولها ، ونتابع فى المقالات القادمة كلمة الاستاذ الجليل حمدين صباحى والمشاركين الآخرين، نظرا للمساحة المتاحة. قال الدكتور أبو الفتوح فى كلمته:


"بلا مقدمات ولا تدبيج، في ذكرى مرور عشرة أعوام على انتصار المقاومة اللبنانية على إسرائيل، نقول ما يلي:
أولاً: ليقل النظام الرسمي العربي ما شاء، فـ «حزب الله»، وذراعه العسكري، «المقاومة الإسلامية»، في لبنان، ليس منظمة إرهابية، بل هو حركة مقاومة شعبية دافعت عن بلادها واستردّت أرضها من دون أي تنازل للعدو، فلا أبرمت اتفاقية سلام معه، ولا اعترفت بحق الكيان الصهيوني في الوجود على أرض فلسطين، ولا أعلنت أن السلام مع الاحتلال خيارها الاستراتيجي، ولا انخرطت في مفاوضات مباشرة معه، ولا تركت هجوماً لاحقاً عليها أو على لبنان من دون رد عسكري فوري.


ثانياً: الفضل في هذا الانتصار، يعود بالدرجة الأولى لشهداء المقاومة، وجرحاها، وعائلاتهم، ممن تحمّلوا فراق الأحبة، وانبتار الأبدان، وانهدام البيوت. ثم يعود لكل سكان لبنان وجوار لبنان، لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وغيرهم، ممن فتحوا بيوتهم لإخوتهم من أهل الجنوب. لقد كان هذا النصر نتيجة لوحدة الأمة، بكل طوائفها، بقدر ما كان نتيجة لشجاعة المقاومين.


ثالثاً: تأتي هذه الذكرى والأمة غارقة في أتون حرب أهلية تشمل سوريا والعراق، وغيرهما من البلاد العربية. وقد أدّت هذه الحرب إلى أكبر موجة نزوح ولجوء في العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقد راح ضحيتها، في سوريا وحدها، أكثر من ثلاثمئة ألف قتيل، وهو الحدّ الأدنى لتقديرات المنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة، بالإضافة إلى مليونين من الناس بين جريح ومفقود، وأربعة ملايين لاجئ، وثمانية ملايين نازح. إن هذه الحرب تشكل في ذاتها خطراً وجودياً على الأمة، وقد كلفت من الدم أكثر مما كلفته هزيمة العام ١٩٦٧ بعشرين ضعفاً تقريباً.


رابعاً: لا تقع مسؤولية بدء هذه الحرب الأهلية السورية، ثم العراقية، على المقاومة اللبنانية بالطبع. ومع ذلك فإن كل طرف منخرط في هذه الحرب مسؤول عن أفعاله فيها أمام ضميره، وأمام الأمة، وأمام التاريخ.


خامساً: في الحروب الأهلية، وتبدّل التحالفات والخصومات، يبقى تمسكنا بالمبادئ الأخلاقية والوطنية الثابتة طوق النجاة ومصدر المصداقية الوحيد. وعليه، فلا يمكن بأي حال من الأحوال، ولا بأي عذر من الأعذار، قبول قصف المناطق المدنية بالطيران الحربي، وتجويع المدنيين وحصارهم، وتعذيب الأسرى والمعتقلين، وفرض الحاكم على المحكوم بالقوة، وقتل الناس على الهوية، واستخدام اللغة الطائفية والحشد المذهبي، والدعم العسكري الأجنبي كوقود في هذه الحرب أياً كانت الجهة التي تقترف هذه الأعمال. وإن ارتكاب طرف لجريمة ما، لا تبرر ارتكاب الطرف الآخر لجريمة مشابهة. وكما أن مقاومة الظالم القوي المدجج بالسلاح لا يمكن أن تكون إرهاباً، فإن قتل المدني الأعزل وتجويعه وحصاره، لا يمكن أن يكون دفاعاً عن النفس. وإن من الإنصاف أن يشتد المرء على حليفه اشتداده على خصمه في الحق. إننا، وللتاريخ، نسجل هنا أننا كنا وما زلنا مع المقاومة، وكنا وما زلنا ضد الاستبداد.


سادساً: إن دعم أي مقاومة عربية، وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية واللبنانية في وجه الخطر الإسرائيلي، أمس واليوم وغداً، واجب على الأمة كلها. وإن وحدة الأمة، وتماسك الجبهة الداخلية، هي في أهمية السلاح أو أهم منه. وإن كانت منهجية إسرائيل في الحروب السابقة مع لبنان هي قصف المدنيين في الجنوب بالطيران الحربي وتهجيرهم شمالاً وشرقاً، فإن استعداد الشمال والشرق لاحتضان الجنوب وأهله يصبح ركناً ضرورياً للدفاع عن لبنان. وعليه فإن كل فعل عسكري أو سياسي أو إعلامي، في لبنان أو خارجه يهدّد هذا التماسك الداخلي، ويسيل الدم بين الناس، ويجعل بين الأخ وأخيه من الثارات ما لا تسعه المغفرة، يضر بالمقاومة ضرراً بالغاً، سواء أتى به خصمها أو حليفها أو طُلِبَ منها أو فُرِضَ عليها.


سابعاً: إن كل ظلم يُرتكب في هذه الحرب الأهلية لن يحسمها، بل سيطيل أمدها. ولا بد لها أن تنتهي بالعدل. فلا الاستبداد حل، ولا التكفير حل، ولا التدخل الأجنبي من هذه القوة العظمى أو تلك حل، والحسم العسكري مستحيل، وإن أمكن فإنه لا يكون حسماً، بل، في أحسن الأحوال، هو تأجيل للأزمة، وتخزين للثارات في الصدور حتى تنفجر مرة أخرى بشكل أشد وأعنف.


ثامناً: إننا نؤمن، من واقع التجربة المصرية، والعهود المتعاقبة التي مرت على مصر، أن الاستبداد والاستعمار مَرَضان، ولا يمكن أن يكون أحدهما دواءً للآخر. بل هما مرضان متلازمان: إما لأن الاستبداد يفشل، بسبب كونه استبداداً، في التغلب على مكائد الاستعمار، فيُهزم حسُنَت نياته أو قبُحَت، أو لأن الاستبداد، مرة أخرى بسبب كونه استبداداً، يختار أن يصبح عميلاً للاستعمار، مسالماً له، ومحالفاً إياه ضد شعبه وأمته. ونؤمن كذلك، أن الشعوب العربية هي الظهير الأساسي والحليف الطبيعي للمقاومة، والعدو الطبيعي لكل من الاستعمار والاستبداد معاً. ونؤمن أن الثورة المصرية تحديداً، حين يُقدَّر لها النجاح، فإنها ولا شك، ستكون الظهير الأقوى لكل مقاومة عربية ضد الصهيونية والاستعمار، لا سيما للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وأنها ستتفادى الوقوع في فخ الاستبداد، فلن تأتي بنظام حكم استبدادي يكون ضرره على شعبه وحلفائه أكبر من ضرره على أعدائه.


تاسعاً: إننا نؤمن أيضاً، أن الثورة المصرية، ومن قبلها الثورة التونسية، ومن ورائهما كل التحركات الكبرى للرأي العام العربي كله، هي سعي لمد جسور بين شعوب هذه الأمة، وأن نجاحها، لا سيما في مصر، سينشئ آليات إقليمية جديدة، أو يفعل الآليات الإقليمية القائمة، بحيث تعكس هذه الميل الوحدوي للناس، وتكون هذه الأطر قادرة على حل أزمات المنطقة واحتوائها، فتحصنها ضد التدخل الدولي الأجنبي، وبطش الأنظمة، والنعرات القبلية أو الطائفية أياً كان مصدرها.


عاشراً: مهما صعبت المهمة، فإن علينا جميعاً أن نعمل على إعادة توحيد هذه الأمة، لأن في افتراقها فناءها، وإن هذه الحرب التي تستنزف جميع أطرافها قد تؤدي إلى احتلال أجنبي في نهاية المطاف، لن يُفرّق بين سني وشيعي، أو مسلم ومسيحي، أو إسلامي وعلماني. وإن هذه الأمة لا تجمع على شيء إجماعها على القضية الفلسطينية، ومقاومة إسرائيل، فلنبنِ على ذلك. وإن إسرائيل، إن لم نبادرها، فستبادرنا، وهي تستغلّ انشغال المنطقة بهذا الانتحار الجماعي، وتتمدد في كل اتجاه، حتى شملت دائرة نفوذها منابع النيل، والهند، واليونان، ومدّت جسورها مع حكومات ومعارضات عربية عدة.


إن العدل والإنصاف ورفض ازدواجية المعايير، لهي الخطى الأولى على طريق الوحدة. فلا يجوز أن نرفض جريمة حين يرتكبها الخصم، ونرضى بها حين يرتكبها الحليف، ولا يجوز أن يستهين أخ بدم أخيه، فسوف يأتي يوم قريب يحتاج المنتصر فيهما إلى المغلوب، ويحتاج هدّام البيوت إلى سقف يؤويه، والزمان يدور، فلا القوي يبقى قوياً ولا الضعيف يبقى ضعيفاً. فلا يُحَمِّلَنَّ أحدُنا أخاه أكثر مما يطيق، ولا يطلب منه أن يرضى بالفُجر والبغي القبيح، فلن يقام عدل بظلم ولن يعود حق بباطل". وللحديث صلة. وبالله التوفيق

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق