يحيا المدخنون.. المصدر الأول للدخل القومي

السبت، 20 أغسطس 2016 04:00 م
يحيا المدخنون.. المصدر الأول للدخل القومي
عبد الفتاح علي

كلما تكلم الرئيس السيسي عن الاقتصاد تشعر أنه مصاب بالاكتئاب، فالموازنة العامة للدولة، كلما قلبت في أرواقها، تجد نفسك في غابة من الاحباط، وسجين داخل أسوار الرغبة في الانتحار.
لا شئ فيها يدعو للتفاؤل، لا شئ فيها يجعلك مطمئن إلى أن "بكرة" أفضل، أو أن "فرجه قريب"، فمن اخترع هذه المسألة، سوف يحاسب على حالة الشقاء التي تصيب المواطنين، والتجهم الذي يصيب المسئولين في مصر.
لكني قررت أن أنظر إلى الموازنة العامة للدولة نظرة مختلفة، ليس لمعرفة العجز النقدي، ولا الاطلاع على الديون "المتلتلة" ، ولا على حجم المنح التي تجعل رؤوسنا تتوارى خجلا على صدورنا.
فبعد أن أنهيت صفحات الموازنة شعرت بوجوب اطلاق التحية لكل المدخنين العظماء في مصر، الذي يدفعون وحدهم تمويلا للموازنة العامة بما يتجاوز 34 مليار و600 مليون جنيه سنويا، ومع ذلك يموتون بكل الأمراض، الصدرية والقلبية والعقلية، وينظر إليهم على أنهم سبب الشرور وموطن الخراب.
وهم في الحقيقة لا يجدون علاجا، أو اهتماما أو على الأقل تقديرا من الدولة، بل على العكس يقابلوا بمشاهد في غاية القبح والرداءة مطبوعة كل يوم على علب السجائر التي لا تتكلف جنيهان في حين أن أقلهم استهلاكا يدفع ما يقارب عشرة جنيهات فوقها يوميا.
لدرجة ان ما يدفعه المدخنون من أجل دعم الموازنة العامة للدولة يفوق ما تحصله وزارة بيع الأراضي (الإسكان سابقا) والتي تمول الخزانة فقط بـ 13 مليار جنيه، ويفوق ما يقدمه البنك المركزي للموازنة (8 مليار جنيه).
ليس هذا فقط، بل أن السادة المدخنين هم في الحقيقة من يدفعون الأجور الأساسية لـ 7 ملايين موظف حكومي في مصر اجمالي ما يتقاضونه دون عمل حقيقي 34 مليار جنيه.
كانت هيئة البترول وقناة السويس والسياحة أكبر مصدر للخزانة العامة في مصر، لكن نظرا لإيمان المدخنين بوطنهم، ورغبتهم في دعم اقتصاد بلدهم، وتضامنا مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يذكرنا بها الرئيس في كل خطاباته الكثيرة والمتكررة، استمر المدخنين في تدخينهم، بل على العكس، ضاعفوا الانتاج، حتى أصبح المدخنين المصدر الأول لتمويل الموازنة العامة، وإيرادات الضرائب، ومن20 مليار جنيه قبل الثورة، يدفعون الان 34 مليار و600 مليون جنيه.
ولأنهم أكثر شرفا من المواطنين الشرفاء، وأكثر مسئولية من أكبر مسئول في البلد، أصبح اقبالهم على الانتاج المحلي يفوق الوصف، ويتجاوز الخيال، حيث بات استهلاكهم من المنتج المصري (الردئ) يمثل 95%، بينما المستورد لا يتجاوز 5% فقط، حيث تمثل الضرائب والرسوم المفروضة على السجائر والدخان 34 مليار ومائة مليون جنيه، بينما الجمارك المفروضة على المستورد تتجاوز بالكاد نصف مليار جنيه.
ووفقا لأرقام الموازمة العامة للدولة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فان عدد المدخنين في مصر تجاوزوا الـ 14مليون مقاتل وسط دخان الحياة، في حين تعيش الأغلبية الكاسحة من الشعب المقدر عدده بـ 92 مليون على "قفا" المدخنين.
هل خرج رئيس الحكومة في يوم، وأبدى شكره وعرفانه للمواطنين المدخنين، هل تلفظ بكلمة مديح للممول الأول لايرادات الدولة، هل ألمح في أي وقت من الأوقات بأي نية في منحهم امتيازا في المستشفيات، أو لهم أسبقية في طابور العاطلين، أو كانت لهم حصة مميزة في الإسكان الاجتماعي أو الأولى بالرعاية، بالطبع لا.
هل تعلم أن المدخنين يستهلكون ما يزيد على 11 مليون و500 ألف علبة سجائر في اليوم، يعني 4مليار و200 مليون علبة سجائر في السنة، يعني 84 مليار سيجارة سنويا.
في حين أن كل شركات قطاع الاعمال العام، وكل شركات الحكومة، أرباحها لا تزيد عى 8 مليارات جنيه في السنة فقط، وبدلا من الاهتمام بهذه الشركات وتطويرها وتحسين إدارتها تقوم كل الحكومات المتعاقبة بمنح مناصب الإدارة العليا فيها كمكافأة نهاية خدمة للفشلة والمخبرين والعجزة والكهول، إلا من رحم ربي.
تحية متجددة للمدخنين الذي يفوق تمويلهم للخزانة الدولة ما تقدمه مصلحة الجمارك المصرية، بكل موظفيها وإدارييها وفروعها، وفسادها وتهريبها، حيث لا تتجاوز إيراداتها 27 مليار جنيه فقط، وتفوق بمراحل ما تتحصل عليه الدولة من ضرائب على الأراضي في مصر بعشرات الأضعاف، حيث تحصل الدولة 232 مليون جنيه فقط ضرائب على الأراضي المبعثرة في أرجاء المعمورة، والتي تتجاوز قيمتها عشرات الترليونات من الجنيهات، وما يفوق بمراحل إجمالي ما تتقاضاه الدولة من ضرائب على المباني (3 مليارات و200 مليون جنيه).
وبعيدا عن مأساة المدخنين مع الحكومة، فإن قصة السجائر في مصر لطيفة للغاية، أوجزتها موسوعة ويكيبديا تحت عنوان تاريخ السجائر في مصر، اقتبس منها الأتي:
"دخل نبات التبغ مصر اول مرة سنة 1601 ومنعه الوالي العثماني وقتها وأصدر أوامر بمنـع شـرب الـدخان ووصل الامر لحد الاعدام،
و في سنة 1799 اثناء الحملة الفرنسية علي مصر بدأ سكان الفيوم زراعة التبغ بدلا من استيراده، وفى سنة 1810 احتكر محمد على باشا زراعة التبغ في مصر.
وفي سنة 1840 كان الفرنسيين أول من اخترعوا السجائر عندما قاموا بلف التبغ داخل ورق رقيق فانتشرت عادة شرب السجاير في أوربا و انتقلت منها لمصر.
وبعد ثوره 1919 انتجت شركة سجائر محمود فهمي سجائر تحمل اسم "بيت الامة 1919" وكان له إعلانا طريفا كان شعاره فيه "السجائر التي يحبها الرياضيون "
وانتجت شركة الاتحاد سجائر ام الدنيا للعمال، وسجائر عباس حليم ويكن باشا وهي للعظماء. وانتجت شركة البستانى ماركات عديدة أهمها كان "نبيل"، وانتجت شركة عبد الرحمن فهمي سجائر "الامراء"
اسس الأرمن 20 مصنعا للسجائر في مصر منها 16 مصنعا في القاهرة واثنان بالإسكندرية ومصنع واحد بمدينة المنصورة وآخر بمدينة الزقازيق.
ومن أهمها مصنع سركسيان للدخان والسجائر أسسه كريكور سركسيان في شارع شبرا بالقاهرة عام 1867 وأنتج ماركة " أبو فانوس"،"معدن" و"لوكس" و"إكرام" و"باشا".
ومعمل الدخان الشرقي والسجاير الشرقية المصرية في عام 1882 ، أسسه الأخوان كريكور وجرابيد " وأنتج اصناف "معدن" ، " فلور معدن"، " فلور معدن مني" ، سوبر معدن منشي" ، " ياكا" ، " ياكا منشي" ، "سمسون".
ومصنع سجاير كيريازى الذي تأسست في 1873، على يد الأخوة لوانيس، إستاسيوس، وإيبامينونداس كيريازي، وكان إنتاج المصنع يتم تصديره إلى الشرق الأوسط وأوروبا، حيث غطت الصادرات بلدان؛ سويسرا، هنجاريا، أستراليا، انجلترا، هولندا، ألمانيا، وبحلول عام 1901 كانت 103 مليون سيجارة حول العالم تحمل اسم«كيريازي فريريز».
وشركة التبغ الكبرى التي تأسست في نهاية القرن الـ 19، على يد الإخوة «ماتوسيان» الارمن، وكان يعمل بها 70 ألف عامل ووصل إنتاجها إلى إثيوبيا، بعد الثورة، تم تأميمها.
وفي معرض للسجائر عام 1961، قابل «ماتوسيان» الرئيس عبدالناصر، والذي كان مُدخن شرِه لسجائر«كينت»، وقال لـ«ماتوسيان»، أنه لو أنتج سجائر مثل تلك التي يشربها من «كينت»، فإنه سيكون من عملائه، وكان رد «ماتوسيان»: «طلباتك أوامر»، ليكون ذلك السبب ما جعل «ماتوسيان» ينتج ما يُعرف حاليًا بالسجائر الأرخص والأكثر انتشارًا في مصر، «سجائر كليوباتر».
الشركة الشرقية للدخان تأسست في 12 يولية 1920 بمرسوم من السلطان أحمد فؤاد، وكان رأس مالها في ذلك الوقت 25 ألف جنيه، كان الغرض منها، محاربة الإنتاج الأجنبي للسجائر، وبصعود ونجاح الشركة الشابة استسلمت لها شركات السجائر الأرمينية في مصر واندمجت فيها ومنها شركة “ماتوسيان” صاحبة سجائر “كليوباترا”، لتصبح منذ هذا الوقت الشركة الرائدة للسجائر في مصر".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق