الذكريات الآليمة فى فض رابعة

السبت، 27 أغسطس 2016 08:16 م
الذكريات الآليمة فى فض رابعة
كمال الهلباوي يكتب

كانت ذكرى رابعة بعد مرور ثلاث سنوات على فض رابعة ، ذكرى أليمة جدا على الشعب وعلى مؤسسات الدولة، وخصوصا تلك التى إنغمست فى عملية فض الاعتصام ، وعلى الذين تسببوا فيها، وعلى التاريخ نفسه،وعلى الذين تسببوا فى حملات الكراهية والتكفير والتحريض على العنف ، وهى ذكرى أليمة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. 


وأرى أن هذه الحادثة أو القضية – وإن كانت قد إنتهت- إلا أن العدالة تقتضى النظر مرة أخرى نحو كل من أضير، وضرورة تعويض " كل الضحايا والمصابين الذين سقطوا فى الاشتباكات المسلحة، والذين لم يثبت تورطهم فى أعمال عنف أو الدعوة لها " كما جاء فى تقرير لجنة تقصى الحقائق حول أحداث فض اعتصام رابعة العدوية الصادر عن المجلس القومى لحقوق الانسان فى مارس 2014 ، وهو – فى ظنى – أفضل وأدق التقارير غير المنحازة.

لقد كان الاخوان ملء العين على طول تاريخهم منذ التأسيس سنة 1928، رغم بعض الجرائم البشعة التى إرتكبها بعض الافراد أو المؤسسات مثل الجهاز الخاص أو ما يعرف اليوم بالجهاز السرى داخل الاخوان، وخصوصا فى الاربعينيات من القرن العشرين أيام الامام حسن البنا، وحتى ايام الصراع مع الرئيس جمال عبدالناصر، حيث كان التعاطف الشعبى أو القبول الشعبى فى الغالب الأعم لهم قائما. 
 
ثم ظهر هذا التعاطف أو القبول بشكل واضح بعد ثورة 25 يناير وإكتمل بنجاحهم فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية . وهنا بدأت النظرة السلبية لأدائهم فى ضوء أقوالهم ، فرصد الشعب لهم مجموعة من الأخطاء البشعة أذكر منها :تقريب أهل الثقة، وإهمال أهل الخبرات والتجارب الكبيرة من غير الاسلاميين،ضعف أو عدم الوفاء بالوعود والعهود، الدخول فى صراع مع بعض أو مع ظمأهم مؤسسات الدولة، تعميق الانقسام والاستقطاب السياسى والدينى فى المجتمع،الاعلان الدستورى الفرعونى المعيب لتحصين القرارات الرئاسية،الاستجابة المتأخرة أوغير المكتمله لمطالب الشعب،الخطاب المشين الىبيريز الذى وصفه بالصديق العزيز،ضعف الرؤية والشفافية وضعف مصارحةالشعب،مؤتمر نصرة سوريا الذى دعاالى الجهاد فى بلدعربى مجاور بدلا من السعى فى الصلح وتهدئه الأمور،إهما الحوار الوطنى الحقيقى والتركيز على الحوار مع المحبين والمنتفعين. 
 
لم يبق من الاخوان اليوم عند معظم الشعب المصرى إلا السمعة السيئة، والصورة التى شوههاالاخوان بأدائهم السيئ، وتحالفهم مع قوى العنف والتكفير، وإن أسموه تحالف دعم الشرعية . وبذلك خسر الاخوان الشارع المصرى ، وخسروا مؤسسات الدعوة والأعمال الخيرية ، كما خسروا الحكم والسلطة ، وخسروا مؤسساتهم السياسية، ومنها حزب الحرية والعدالة ، وجرى حظرهم ومؤسساتهم ودمغهم بالارهاب، وهو مالم يحدث من قبل فى أى صراع سابق.

يتساءل كثير من الناس عن المسؤول عن دماء رابعة ، وأقول ليس هناك طرفا واحدا مسؤولا ولكنها مسؤولية جميع الاطراف. من المسؤولين أولئك الذين أصروا على استمرار الاعتصام رغم الدعوات المتكررة والمحاولات البائسة لفض الاعتصام سلميا، وكذلك أولئك الذين شحنوا الشباب بالكراهية والحقد على المجتمع والنظام القائم بعد ثورة 30 يونيو أيا كان أداؤه، ومن شجع الشباب على العنف والقتل مثل عاصم عبدالماجد الذى قال من على مسرح المنصة ( قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار)، ومن قال "سيسحقون" أو " سنسحقهم" ومن قال " اللى يرش مرسى بالمية هنرشه بالدم" ومثل ذلك كثير . وأرى أن المسؤولية كذلك تقع على عاتق من بدأ بإستخدام السلاح، وكاد يعرض الوطن لأزمة كبيرة ، وكذلك استخدام السلاح بهذه الكثافة التى رأيناها ومن منع المرور الآمن وفق الخطة المعدة لذلك ، ومن حرم المصابين من الحصول على الاسعافات اللازمة.
 
ويذكر تقرير لجنة تقصى الحقائق فى صفحة (35): إن قوات الأمن المنفذة لعملية الاقتحام وأن توافرت لها حالة الضرورة فى استخدام الاسلحة النارية وحافظت على التناسب النوعى بين الاسلحة المستخدمة ، إلا أنها أخفقت فى الحفاظ على التناسب فى كثافة الاطلاق على مصادر النيران من قبل العناصر المسلحة".
كما يذكر التقرير نفسه فى صفحة (29):" عدﻡإمهالالمعتصمين ﺍلسلميين فرصة كافية لمغادرﺓ الاعتصاﻡ: 
 
بدأﺕ عملية ﺍلفض فى تماﻡ الساعة السابعة صباحًا بعد ﺃﻥ وجهت قوﺍت الأمن ندًﺍء إلىﺍلمعتصمين بالإجلاء من مكاﻥ ﺍلاعتصاﻡ٬وﻭحددت لهم شاﺭﻉ ﺍلنصر كاممرﺁمن لهم٬ إلا أنه المتمهل المعتصمين ﺍلسلميين ﻭقتًا كافيًا للإجلاء بعيدًا عن مكاﻥ الأحداﺙ٬ حيث ﺍستمر ﺍلإنذﺍﺭ لمدﺓ 25 دقيقة٬ ﻭمما زادالأمر تعقيدًا ﺃن قوﺍﺕ الأمن كانت قد استعدت فعليًّا لفض الاعتصاﻡ، وكانت على موضع تماﺱ معال خطوﻁ الأمامية لتواجد المعتصمين، مما ﺃسفر عن ﻭقوﻉ ﺍشتباكات بين ﺍلمعتصمين ﻭالقواﺕ، حالتدون ﺇمكانية خروﺝ العدﯾد من المعتصمين الراغبين فى ﺍلمغادرة السلمية منﺍلوصول إلىﺫلك بطرﻳقة ﺁمنة".

وفى النهاية نقول الله أعلم بالمسؤولية تحديدا، وكذلك بنية كل أولئك الذين تسببوا فى استمرار الاعتصام أو فضه بهذه الطريقة البشعة رغم ضرورة الفض، ونية من قاموا بالفض. وهناك فرق كبير بين نيات الأفراد.

لقد حاولت جاهدا التوسط لفض الاعتصام سلميا ضمن مجموعة من الشخصيات الوطنية الكبيرة منهم الدكتور سمير عليش ،والاستاذ الجليل سعيد عمارة والمستشار محمود الخضيرى وآخرين، وعقدنا عدة لقاءات مجتمعين أومنفردين مع بعض قيادات الاخوان منهم المهندس محمد على بشر والدكتور خالد من قيادات الحزب فى القاهرة ، والدكتور شريف أبو المجد ، والدكتور هشام قنديل ، والدكتور اسلام وغيرهم ،وكانت اللقاءات والاقتراحات تتعثر أمام إصرار قيادات الاخوان المعتصمين فى رابعة أو خارجها، وعدم قبولهم للحلول السلمية للأسف الشديد. وكذلك حاول آخرون وفشلوا فى الوصول الى أى تسوية لتعنت الاخوان وارتفاع سقف طلباتهم الخيالية.

يشيع بعضهم أن قيادات الاخوان كانت تنتظر تعليمات من الخارج قبل الفض.وأنا لا أستطيع أن أقول – تاكيداً أو نفياً – أن قيادات الاخوان إنتظرت تعليمات خارجية لفض الاعتصام، ولا علم لى بذلك، ولكننى أستطيع أن أقول أن عقولهم كانت مغيبة، وكانوا يعتقدون فى الاحلام والأوهام بعودة مرسى على الكرسى حتى اعتقدوا أن الملائكة كانت تحيط بهم وأن مرسى صلى بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم.

كما أننى قلت سابقا أننى لا أستطيع تحميل أى شخص بالتحديد المسؤولية فالله تعالى هو الذى يعلم ذلك، أما قيادات الاخوان التى لم تستجب لدعوات الفض السلمى فمسؤولة وكذلك بعض مؤسسات الدولة التى اشتركت فى فض الاعتصام دون تحديد أفراد. فالمسؤولية المرتبطة بشخص ما لا يعلمها إلا الله تعالى.

يرتبط بذكرى رابعة والذكريات المؤلمة كلها مسألة المصالحة . مع الاخوان وأنا شخصيا لا أظن أن المصالحة مع الاخوان ممكنة لرفض الاخوان ذلك، وتفرقهم الى أكثر من مجموعة ، وبسبب الصراع بين مجموعتين منهم ، ونظرا لارتباطاتهم الخارجية وكراهية معظم الشعب لهم ، وإن كان الشعب غاضبا من بعض السياسات والاجراءات القائمة اليوم فى مصر إلا أنه لا يسمح للاخوان ولا لغيرهم الاستفادة من ذلك الغضب. ولكن النظرة الى الاخوان الذين لم يرتكبوا أى عنف ولم يشاركوا فىالاعتصامات يجب أن تكون نظرة المجتمع والدولة والنظام لغيرهم من شباب مصر من ذوى المرجعيات الأخرى.

لقد كنت حزيننا للمشهد كله أولا : لسوء اداء الاخوان فى السلطة وثانيا : لما اسموه تحالف دعم الشرعية ،وثالثا : لسوء قراءة الواقع الماثل أمام أعينهم، ورابعا: وهو الأخطر للسماح للتكفيريين والمتشددين والارهابيين بالمشاركة فى اعتصام رابعة والنهضة ،وبث الكراهية ومنهج التكفير والتشدد والتطرف، ومحاولة نشر ذلك بين الشعب المصرى المسلم الوسطىالذى يكره هذا المنحى . ولا أنسى صورة الشيخ محمد عبدالمقصود وهو يقف الى جانب الدكتور مرسى وهو يدعو على الشعب المصرى، ولا عاصم عبدالماجد فى رابعة وهو يقول "قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار" وكأنهم دخلوا فى علم الله تعالى، وعرفوا من يدخل الجنة ومن يدخل النار ، وكأنه – أعنى عاصم خصوصا - لم يقرأ أبدأ قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم "إذاالْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ فقلت يارَسُولَ اللَّهِ هذا الْقَاتِلُ فمابَالُ الْمَقْتُولِ قال إنه كان حَرِيصًاعلى قَتْلِ صَاحِبِهِ(إنه قدأَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ)". والله تعالى هو الأعلم بمن قاتل لنصرة الحق ومن قاتل لنصرة الباطل . وبالله التوفيق
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة