باريس قصة عشق لمثقفين عرب

الإثنين، 16 نوفمبر 2015 07:03 ص
باريس قصة عشق لمثقفين عرب
أحمد سعد

فيما أدانت مصر بأشد العبارات الهجمات الإرهابية الأخيرة التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس فان هذه الهجمات أثارت في الواقع غضب وحزن العديد من المثقفين المصريين والعرب الذين يدركون "الرمزية الثقافية لباريس" بل انه يمكن القول إن "باريس قصة عشق للعديد من المثقفين العرب".

ولا يمكن اغفال تأثر أجيال من المثقفين المصريين بكتابات وأفكار مفكرين وادباء فرنسيين مثل فولتير ، وروسو ، وسارتر ، والبير كامو ، واندريه جيد ، واندريه مالرو ، و سيمون دي بوفوار ، وفرانسوا ساجان ، وصولا لجاك لانج رئيس معهد العالم العربي في باريس الذي يشكل بؤرة هامة في التواصل الثقافي بين فرنسا والعالم العربي.

وكثيرا ما تحدث مثقفون عرب عن باريس بصورة اقرب للغزل باعتبارها "باريس كريستيان ديور ، وايف سان لوران ، ونهر السين ، وبرج ايفل ، والكوت دازور ، وموناليزا اللوفر ، والمولان روج ، ورقصة الكان كان ، ولوحات مونيه ومانيه ، وتولوز لوتريك ، وذكريات مسرح سارة برنار ، وروايات كوليت ، وبارفان كوكو شانيل".

إنها باريس " حدائق التويليري ، ومرحبا ايها الحزن لفرانسواز ساجان ، وعشق سارتر لسيمون دي بوفوار ، وسجن الباستيل وفيكتور هوجو ، وجان فالجان ، وجاذبية ايف مونتان ، ومقاهي مون مارتر والشانزلزيه ومطعم مكسيم والحي اللاتيني".

وفي باريس شييء ما يثير خيال الشعراء والكتاب والمبدعين المصريين والعرب مثل الشاعر والكاتب المصري فاروق جويدة الذي يقول "كان فيكتور هوجو صادقا حين قال إن باريس عاصمة الكون وبقية الدنيا ضواحيها وكان طه حسين مبهورا بها وهو يقول إنها مدينة الجن والملائكة" ثم إن عميد الأدب العربي عرف الحب مع سوزان الفرنسية التي كانت زوجته ورفيقة عمره وحياته.

ويعيد جويدة للأذهان حديث الكاتب الكبير توفيق الحكيم في مذكراته عن فتاة المسرح التي اعجب بها وكانت تبيع التذاكر ، كما أن أمير الشعراء احمد شوقي كان مبهورا بباريس ، وقد نقل هذا الحب الى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وكان متيما بباريس.

ويتجلى الاهتمام الفرنسي بالعلاقات الثقافية الخارجية عبر فضاء دول منظمة الفرانكفونية التي تضم 77 دولة ما بين عضو ومراقب وهو ما يصل لنحو ثلث مجموع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة.

واذ شهدت العلاقات بين مصر والمنظمة الدولية للفرانكفونية زخما جديدا على مختلف المستويات في السنوات الأخيرة فان للمراقب أن يستشهد هذا السياق بالنجاح المتزايد "لجامعة سنجور" التي تفخر مصر باستضافتها في مدينة الإسكندرية.

وفيما تشكل الثقافة اهتماما رئيسا للمنظمة الدولية للفرانكفونية يرى مثقفون عرب أن الثقافة الفرانكفونية يمكن أن تشكل رافدا ثقافيا انسانيا للثقافة العربية في سياق التفاعل الثقافي العالمي وحقائق المشهد الدولي التي لم تعد تسمح بالانغلاق الثقافي او "الأحادية".

ومع أن هناك من الكتاب والروائيين والشعراء المصريين من يكتب بالفرنسية فان جائزة جونكور وهي ارفع جائزة أدبية فرنسية لم تعرف ابدا على مدي مسيرتها الطويلة عنوان اي مبدع مصري مثل جورج حنين او البير قصيري ورمسيس يونان كأسماء كبيرة من المنظور الثقافي التاريخي فيما ذهبت من قبل لمبدعين أخرين من أصول عربية.

وتثير ظاهرة الغياب المصري عن جائزة جونكور قدرا من الدهشة وبعض التساؤلات خاصة وان للغة الفرنسية حضورها العريق في الجماعة الثقافية المصرية ناهيك عن أنشطة مصر في سياق المنظمة الفرانكفونية المعنية ضمن قضايا أخرى بتعزيز نفوذ اللغة الفرنسية في العالم.

وعلى سبيل المثال ، فان الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة أشار في مقابلات صحفية الى التأثير العميق للثقافة الفرنسية في تكوينه الثقافي بقدر ما يجسد "التواصل الإيجابي بين الثقافتين العربية والفرانكفونية".

ومن الطريف والدال أن الدكتور بطرس قال ذات مرة في مقابلة صحفية :"ما زلت اشعر أن كتابتي بالعربية فيها بعض التركيب والإيقاع الفرنسي ، كما أن كتابتي بالفرنسية فيها تأثير السجع العربي والجمل الطويلة" فيما يكتب بعض الروائيين العرب وخاصة في دول شمال أفريقيا رواياتهم بالفرنسية مثل الروائي الجزائري كمال داود الذي فاز هذا العام بجائزة" جونكور - الرواية الأولى" عن روايته "موسو..تحقيق مضاد" .

وتستلهم هذه الرواية للكاتب الجزائري كمال داود رواية "الغريب" للكاتب الفرنسي الكبير البير كامو فيما يقول داود انه يأنس الى اللغة الفرنسية ويشعر بسعادة وهو يستخدمها في كتاباته كما انه لا ينكر إعجابه وتأثره بأسلوب كامو.

ويوضح بطرس غالي " أن الحوار مع الآخر يتطلب امتلاك المفردات الثقافية وعلى رأسها اللغة" ، فيما ينقل عنه الدكتور عمرو عبد السميع الكاتب الصحفي بجريدة الأهرام قوله :" ربطتني حوارات عدة بألبير كامو ايام كنت طالبا في باريس واتذكر طويلا ما كان يقوله عن أهمية ربط جنوب البحر المتوسط بشماله".

وحسب الدكتور عمرو عبد السميع قال الدكتور بطرس غالي إن اكثر من تأثر به في هذا السياق من التواصل الثقافي كان المستشرق الفرنسي ماسينيون الذي اصدر عدة مجلات وصحف في مصر ، وكان عضوا في المجمع اللغوي المصري ، فيما أشار غالي الى ميله شخصيا "للمدرسة التأثيرية الفرنسية".

وأضاف الدكتور بطرس غالي الذي كان أول أمين عام لمنظمة الفرانكفونية :" في الفنون التشكيلية أجدني مشدودا الى جوجان وماتييس وفي الأدب احب البير كامو وفي الموسيقى دي بوسيه ورافاييل".

وتنتمي اربع دول عربية هي مصر ولبنان والمغرب وتونس لمنظمة الفرانكفونية ، فيما منحت جائزة جونكور في القصة عام 2013 للمغربي فؤاد لعروي في وقت احتدم فيه "الصراع العالمي بين اللغتين الانجليزية والفرنسية" وهو صراع امتد بتداعياته القوية الى عالم السياسة في فرنسا ويثير حاليا مشكلة للحكومة الاشتراكية.

وفؤاد لعروي الفائز بجائزة جونكور في العام الماضي العام يبلغ من العمر الآن نحو 58 عاما وهو رجل أعمال وأستاذ اقتصاد لكنه في الوقت ذاته مبدع يكتب رواياته وقصصه باللغة الفرنسية ، وتحظى أعماله باقبال كبير ونسبة عالية من المقروئية سواء في فرنسا او في المغرب وشمال أفريقيا.

وواقع الحال أن المغرب وبقية دول شمال أفريقيا عموما تقوم بدور مقدر على مستوى التفاعل الثقافي مع فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية .

والمركز الثقافي الفرنسي في القاهرة عرف بدوره الكبير والنشط في الحياة الثقافية المصرية ويترجم في الواقع مقولة " إن العلاقة الثنائية بين فرنسا ومصر تندرج ضمن تاريخ عريق رسخ صداقة عميقة بين الشعبين تقوم على احترام استقلالية كل من الطرفين وسيادته".

ومنذ شهر سبتمبر عام 2012 باتت جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية ضمن 13 جامعة من منطقة الشرق الأوسط لها حق المشاركة في اختيار افضل رواية فرنسية في سياق مبادرة فرانكفونية اطلق عليها "جائزة جونكور - اختيار الشرق" ومع ذلك فان اي اسم مصري لم يظفر بعد بأي جائزة من جوائز جونكور.
وكان الكاتب والشاعر المغربي الطاهر بن جلون قد فاز بجائزة جونكور عام 1987 عن روايته "ليلة القدر" ، كما ظفر بها الروائي اللبناني الأصل امين معلوف في عام 1993بروايته "صخرة طانيوس".

وكان الكاتب والشاعر الجزائري الراحل محمد ديب قد حصل على جائزة الأكاديمية الفرنسية الرسمية عام 1994 وهي ذات قيمة مادية يعتد بها حيث تصل الى نصف مليون فرنك خلافا لجائزة جونكور التي لاتكاد قيمتها المادية تزيد عن العشرة يورو!.

وجائزة جونكور الكبرى هي جائزة معنية بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية تمنحها أكاديمية جونكور سنويا لأفضل عمل نثري وعادة ما يكون رواية ، واذا كانت القيمة المادية للجائزة لا تكاد تذكر فان قيمتها المعنوية بالغة الأهمية حيث تكفل توزيعا عاليا للعمل الفائز فيما يضمن الناشر إدراج هذا العمل ضمن قوائم افضل مبيعات الكتب.

وثمة جوائز أخري على هامش الجائزة الكبرى - التي أسست بناء على وصية ادموند دي جونكور - وهي جائزة جونكور للرواية الأولي ، وجائزة جونكور للقصة القصيرة ، وجائزة جونكور للشعر ، وجائزة جونكور لأدب السيرة الذاتية.

ومؤسس الجائزة ادموند دي جونكور الذي ولد عام 1822 وقضي عام 1896 كان مؤلفا وناقدا وناشرا ، ووقف كل ممتلكاته على تأسيس اكاديمية جونكور تخليدا لذكرى شقيقه الكاتب جول هوت دي جونكور الذي قضي عام 1870 ، فيما قرر ادموند دي جونكور أن تباع كل ممتلكاته بعد وفاته وتخصص فوائد هذا المبلغ الضخم لأكاديمية جونكور وتمويل جائزة سنوية لأفضل عمل أدبي.

وفي عام 1902 أسست أكاديمية جونكور ومنحت جائزتها الأولى بعد ذلك بعام ، وكان أول من فاز بها جون انطوان ناو عن كتابه "قوات العدو" ، فيما نالها لفيف من مشاهير الأدب الفرنسي مثل مارسيل بروست وجان فايار وجورج دو هاميل والفونس دو شاتوبريان واندريه مالرو وسيمون دوبوفوار.

ويحظى الكاتب المغربي الطاهر بن جلون بمقعد في الأكاديمية منذ عام 2008 ، فيما فاز الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي بجائزة جونكور للشعر في عام 2009 ، ومع أن هذه الجائزة ينظر لها على أنها في مرتبة اقل من جائزة جونكور للرواية الا أن أسماء كبيرة في عالم الشعر اقترنت بها مثل اوجين جيوفيك وايف بونغوا ولوران جاسبار.

وتكشف النظرة المتأملة للحياة الثقافية الفرنسية عن اهتمام بالغ بقضايا اللغة مع استمرار ما يمكن وصفه بالصراع الكبير بين اللغتين الفرنسية والانجليزية للفوز بالهيمنة اللغوية على مستوى العالم ، بينما يشكل الأدب المكتوب بأي من اللغتين جزءا من هذا الصراع وحساباته المعقدة .

وكما تقول صحيفة الجارديان البريطانية فان الانتشار العالمي للغة الانجليزية مسألة موجعة للسياسة الفرنسية وللساسة في باريس ، فيما "فتحت جبهة جديدة في هذه الحرب اللغوية" بعد موافقة الحكومة الاشتراكية في فرنسا على بحث إمكانية استخدام الانجليزية كلغة للدراسة في الجامعات الفرنسية.

غير أن هذا القرار أثار انتقادات بالغة الحدة لحكومة الرئيس فرانسوا اولاند حتى أن بعض الأكاديميين المتعصبين للغة الفرنسية وخاصة في الأكاديمية الفرنسية اعتبروا ان الحكومة الاشتراكية تعمد لتخريب هذه اللغة.

وبلغ اعتزاز الفرنسيين بلغتهم حد فرض حظر على استخدام اي لغات أجنبية للتدريس في الجامعات الفرنسية باستثناء أقسام اللغات او محاضرات بعض الأساتذة الزائرين من الخارج الذين لا يتقنون اللغة الفرنسية.

ومن ثم فان قرار الحكومة الاشتراكية بالاتجاه نحو تخفيف القيود المفروضة على اللغة الانجليزية في الجامعات الفرنسية اثار موجات عاتية من الغضب ، وخاصة داخل الأكاديمية الفرنسية التي توصف بأنها "الحصن الحصين للغة البلاد" حتى لو كانت النية معقودة على الا تزيد نسبة التدريس بالانجليزية في جامعات فرنسا عن 1 في المائة من مجموع ساعات الدراسة.

لكن بعض أساتذة الجامعات وخاصة أصحاب التخصصات التقنية اعتبروا أنه من المفيد استخدام الانجليزية في جامعاتهم ومعاهدهم العليا منوهين بهيمنة هذه اللغة على كثير من الإصدارات والدوريات والكتب في التخصصات العلمية الدقيقة ومجالات التكنولوجيا فيما اكدوا على أن الانجليزية مفيدة لطلاب مرحلة الدراسات العليا في الجامعات الفرنسية على وجه الخصوص.

كما ذهب أصحاب هذا الرأي الى أن استخدام اللغة الانجليزية في الجامعات الفرنسية سيكون عنصر جذب للطلاب الأجانب وبما يحسن وضعية جامعات فرنسا على مضمار المنافسة مع الجامعات الأخرى في الغرب لجذب اكبر عدد ممكن من الطلاب الأجانب.

وعلى هذا المضمار تأتي الجامعات الفرنسية في المركز الخامس بعد جامعات الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا والمانيا.
والطريف أن فؤاد لعروي الفائز بجائزة جونكور عام 2013 عن روايته "المشكلة القريبة في بنطال داسكوسين" الصادرة عن دار نشر جوليار الفرنسية كانت دراسته الجامعية العليا في بريطانيا وليس في فرنسا التي يكتب بلغتها .

وفي عام 2012 فاز الفرنسي جيروم فيراري بجائزة جونكور عن روايته "موعظة عن سقوط روما" ، فيما اكد هذا الروائي الفرنسي المنحدر من جزيرة كورسيكا انه تأثر ابداعيا باقامته في الجزائر لمدة اربع سنوات ، كما تأثر باقامته في ابو ظبي بدولة الإمارات حيث يعمل في مجال التدريس غير أن اهم المؤثرات العربية والشرقية كانت تتمثل في الشعر الصوفي وإبداعات الحلاج وابن عربي.

ونوه جيروم فيراري بأهمية قراءاته لأدب نجيب محفوظ جنبا الى جنب مع كتابات أمين معلوف والطاهر بن جلون اللذين فازا بجائزة جونكر ، وهي جائزة ذهبت ايضا احدي فئاتها للروائي الأفغاني الأصل عتيق رحيمي.

وتبدو جائزة جونكور الفرنسية الأقل إثارة للاعتراضات والمطاعن بالمقارنة مع بقية الجوائز الثقافية والأدبية الشهيرة فى العالم كما انها تبدو احيانا الطريق نحو جائزة نوبل.

وكانت الأكاديمية الفرنسية قد اختارت الكاتب والروائى اللبنانى الأصل امين معلوف ليدخلها خلفا للمفكر وعالم الانثربولوجى كلود ليفى شتراوس الذى توفى فى شهر اكتوبر عام 2009 ، واختير معلوف ضمن "الأربعين الخالدين فى الثقافة الفرنسية" من أول جولة للتصويت.

واذا كان أمين معلوف يطلق من حين لآخر بروقا في سماء الثقافة الفرنسية شأنه في ذلك شأن الطاهر بن جلون فالأمل أن يبرز اسم مبدع مصري الأصل يضيف لبنات جديدة لصرح هذه الثقافة المفعمة تاريخيا بنفحات دفء القرابة الإنسانية والتواصل بين ضفتي البحر المتوسط وجدل التنوير ومقاومة الهجمات الظلامية وشرور الإرهاب.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق