مدير إدارة حوار الحضارات بالجامعة العربية لـ «صوت الأمة»: سلوك المسلمين هو معيار الحكم على الإسلام في المجتمعات الغربية.. ومن المبكر أن نحكم على رؤية «ترامب».. وننسق مع الأزهر لتصحيح المفاهيم المغلوطة

الثلاثاء، 31 يناير 2017 09:41 ص
مدير إدارة حوار الحضارات بالجامعة العربية لـ «صوت الأمة»: سلوك المسلمين هو معيار الحكم على الإسلام في المجتمعات الغربية.. ومن المبكر أن نحكم على رؤية «ترامب».. وننسق مع الأزهر لتصحيح المفاهيم المغلوطة
سامية بيبرس- مدير إدارة حوار الحضارات بالجامعة العربية
أجرى الحوار: بيشوي رمزي تصوير: مؤمن سمير

في الوقت الذي تهتم فيه جامعة الدول العربية، باحتواء الأزمات التي تضرب المنطقة، وتداعياتها والدفاع عن حقوق الدول الأعضاء بها في مختلف المحافل الدولية، فإن رسالتها ربما تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، في ظل سعيها إلى تحسين صورة العرب والمسلمين أمام العالم، وذلك مع تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية، من خلال إحدى الإدارات المختصة داخل الجامعة، وهي إدارة حوار الحضارت، لذا كان على بوابة «صوت الأمة» أن تجري هذا الحوار مع مدير هذه الإدارة، السفيرة سامية
بيبرس.


- في ضوء التطورات الدولية والإقليمية الحالية.. هل تتجه الحضارات نحو الحوار أم الصراع؟
في الواقع هناك اهتمام عالمي بالحوار.. ومن واقع خبرتي كمدير لإدارة حوار الحضارات في الجامعة العربية أشعر بأن هناك اهتماما بمسألة حوار الحضارات، على مستوى مختلف الحضارات، سواء كانت الحضارة الصينية أو اليابانية، أو الحضارة العربية والإسلامية أو الحضارة الأوروبية، هناك حرص دولي على أن يكون هناك حوار بين أتباع الحضارات المختلفة، هذا الاهتمام لم يأت من فراغ ولكن نتيجة الإحساس بوجود تحديات مشتركة، وبالتالي ينبغي أن يكون هناك تحالف بين الحضارات وليس مجرد حوار، وذلك حتى يمكن مواجهة تلك التحديات التي أصبحت عالمية.

والتحديات الحالية لم تعد مقتصرة على دول بذاتها دون غيرها ولكنها أصبحت عابرة للقارات، وذات طبيعة عالمية، كالإرهاب والتطرف، من واقع مشاركتي في مختلف المحافل يمكنني القول إن تلك القضايا تشغل الرأي العام العالمي، وهو الأمر الذي يبدو واضحا في العديد من دول العالم، سواء في أوروبا أو آسيا، وكذلك الولايات المتحدة، والتي تسعى إلى تنظيم مؤتمر مع جامعة الدول العربية يحمل عنوان «نحو بناء عالم متسامح».

بمناسبة حديثك عن الولايات المتحدة..هناك حالة من التفاؤل في الشارع السياسي المصري، وبعض الدول العربية من خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ضوء إعطائه الأولوية للقضاء على «داعش»، وذلك بالرغم مما يراه البعض حديثا معاديا للمسلمين.. ما رؤيتكم لهذه المسألة؟

- أعتقد أن الوقت ما زال مبكرًا للحكم على سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه العرب والمسلمين في الوقت الحالي، لأن الأمر يرتبط بالسلوك الأمريكي خلال الإدارة الجديدة، وليس بالخطاب الانتخابي، في بعض الأحيان يكون الخطاب إحدى أدوات المرشح في مرحلة الانتخابات من أجل الفوز بتأييد الشارع خلال المنافسة الانتخابية، وبالتالي لابد أن ننتظر سياسات الإدارة الأمريكية في المرحلة القادمة.

والسياسة الخارجية الأمريكية في المرحلة المقبلة هي التي ستحدد ما إذا كانت تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد مجرد دعاية انتخابية أم وعود سوف يلتزم بها. ومن وجهة نظري، فإن الولايات المتحدة سوف تسعى في المرحلة المقبلة نحو تحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، بعدما ساهمت إدارة أوباما بصورة كبيرة في حالة الفوضى التي ضربت المنطقة تحت ما يسمى بـ«ثورات الربيع العربي»، والتي حملت أهدافًا طموحة، ولكنها أدت في النهاية إلى حروب أهلية وصراعات داخلية في العديد من الدول العربية، لعل أبرزها في سوريا والعراق وغيرها، بالإضافة إلى صعود العديد من التنظيمات الإرهابية التي تمثل تهديدًا ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن للعالم كله.

- كيف ترين ظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية في المرحلة الراهنة؟
للأسف تشهد زيادة كبيرة في المجتمعات الغربية، حيث إن إدارة حوار الحضارات بالجامعة العربية رصدت زيادة كبيرة في هذه الظاهرة في العديد من الدول الغربية، خاصة بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها فرنسا وبلجيكا في الآونة الأخيرة، وجدنا أنها متواجدة في الولايات المتحدة، وكذلك في كندا، وأستراليا، وإن كانت بنسبة أقل، ولكن تبقى في
زيادة مستمرة في مختلف الدول الأوروبية.

ويحزنني أن هناك جهودًا كبيرة تبذل من أجل احتواء تلك الظاهرة من قبل مؤسسات عدة، وعلى رأسها الجامعة العربية، ومؤسسة الأزهر الشريف دون أن تؤتي بثمار كبيرة.

وبالنسبة لنا في الجامعة العربية، يمكنني القول إن هذه القضية تشغلنا للغاية، ولذا نقوم بتنظيم ورش عمل بالتنسيق مع الأزهر، للشباب الغربي، والذي يقوم بزيارة مقر الجامعة حيث نقوم بتقديم محاضرات لهم تتناول العديد من الموضوعات التي تثير تساؤلاتهم حول الدين الإسلامي، كالديمقراطية في الإسلام، حقوق الانسان، وحقوق المرأة في الإسلام.. ودائما ما نركز على فئة الشباب، ولعل أكثر ما يسعدنا أن الرؤية تتغير لديهم إلى حد كبير بعد تلقي تلك المحاضرات.

لكن المعضلة الرئيسية أن تلك المجتمعات تحكم على الدين الإسلامي من سلوكيات أتباعه، وهو الأمر الذي دائما ما تسعى الإدارة إلى إثبات خطئه في كل المحاضرات التي نقدمها، خاصة أن هناك أشخاصًا من أتباع مختلف الديانات ممن لا يلتزمون بتعاليم دياناتهم، وبالتالي من الخطأ أن نحكم على دين من خلال سلوكيات أتباعه، ودائما ما نلفت إلى أن العمليات الإرهابية التي يتم تنفيذها من قبل الجماعات المتطرفة دائما ما يكون لها ضحايا من المسلمين، ودائما أحرص على توضيح أن هدف تلك التنظيمات هو توظيف النص الديني لخدمة أهدافهم السياسية، وهو الأمر الذي لا يرتبط بالدين من الأصل.

- وهل تؤتي هذه المحاضرات بنتائج ملموسة؟
في الواقع، نتيجة هذه المحاضرات تتمثل في تغيير كبير في رؤية الشباب الذي يحضرها، إلا أن هؤلاء في الواقع لا يمثلون شيئا بالنسبة لمجتمعاتهم، ولذا فأنا دائما ما أقول لهم إنهم بمثابة سفراء لنا داخل مجتمعاتهم، من خلال نقل المعلومات التي حصلوا عليها في الجامعة العربية، لذويهم وأصدقائهم، إلا أنهم كشفوا لنا أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تتزايد بصورة كبيرة في المناطق الجنوبية من بلادهم، حيث لا تتاح فرصة كبيرة لقاطنيها للاطلاع على الثقافات الأخرى، وبالتالي غالبًا ما يكون الإعلام هو الوسيلة الوحيدة بالنسبة لهم لتكوين الصورة الذهنية الخاطئة عن العرب والمسلمين.

- متى تأسست الإدارة وما أهم أهدافها؟
تأسست الإدارة في عام 2001، في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث كان ذلك بدعم كبير من الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى، كما أنها لاقت دعما كبيرا من قبل الأمين العام السابق نبيل العربي.

الأمين العام الحالي للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، من ناحيته أيضا يولي اهتماما كبيرا بالإدارة، والتي تهدف في الأساس إلى مواجهة التحديات المشتركة التي تواجه العالم، كالإرهاب والتطرف، والتصدي لأعمال العنف التي تقوم على أساس عرقي أو ديني، بالإضافة إلى إدماج الشباب في عملية الحوار، حيث إننا نعتمد بصورة كبيرة على دور الشباب.

وهناك قضية أخرى تركز عليها الإدارة وهي التعليم، حيث إننا نسعى لكي يكون حوار الحوارات، ومسألة التنوع الثقافي جزء من المناهج التعليمية، ولعل أحد الإنجازات التي حققتها الجامعة العربية في عام 2004، يتمثل في استضافة مؤتمر لمناقشة صورة الإسلام في كتب التاريخ المدرسية في الدول الغربية، وشارك فيه عدد من مؤلفي مادة التاريخ من الجانبين سواء العربي أو الغربي، حيث قمنا بدراسة مناهج التاريخ في أوروبا لنجد أن صورة الإسلام مشوهة للغاية، وهو ما يصعب تغييره في عقولهم بعد ذلك.

- وهل أتى هذا المؤتمر بثماره؟
بالطبع، وكانت أهم توصيات هذا المؤتمر هي ضرورة تصحيح الصورة المغلوطة عن الآخر المتواجدة في المناهج التعليمية، وبالفعل كان هناك إصرار من أجل تفعيل هذه التوصية، وهو ما تجسد في دليل استرشادي، والذي يحمل عنوان «دليل مؤلفي كتب التاريخ المدرسي»، حيث تم تأليفه من قبل كبار الأساتذة في أبرز الجامعات العالمية، في مدة تجاوزت أربع سنوات، وقدم مقاربة محايدة يمكن لمؤلفي كتب التاريخ المدرسية الاسترشاد به، حيث يتبنى رؤية محايدة وموضوعية، ولعل أهم ما يميز هذا الدليل أنه يحظى بدعم منظمات دولية ذات ثقل، كمنظمة اليونيسكو ومنظمة «أنا ليندا».

- الجامعة العربية تحمل مبادرات عدة لتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام في الغرب، إلا أن هناك مفاهيم مغلوطة عن الإسلام لدى المسلمين أنفسهم بسبب دعاية التنظيمات المتطرفة.. كيف يمكن تصحيح هذه المفاهيم داخل المجتمعات العربية؟

بدون شك، جزء كبير من مجتمعاتنا يعاني من الأمية، وجزء منها غير منفتح على الثقافات الأخرى، وهي الأسباب الرئيسية في تنامي هذه المفاهيم الخاطئة، وعلى الرغم من أن الإدارة لا تختص بهذه القضية إلا أننا دائما ما نشارك في المؤتمرات التي تتحدث عن ظاهرة التطرف وكيفية التصدي لها.

وأعتقد أن التصدي لهذه المفاهيم يقع على عاتق الأسرة، والمؤسسات الدينية، وهنا ينبغي أن نشيد بدور الأزهر، الذي يتخذ خطوات واسعة في هذا الإطار. ولعل من المهم أن يتم تنظيم لقاءات دورية بين الشباب بالتنسيق بين الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، خاصة أن التنظيمات المتطرفة تعمل على تفسير النصوص بالشكل الذي يحقق مصالحها، وبالتالي لا يمكن لأحد التصدي لذلك سوى المؤسسات الدينية.

- ما شكل التنسيق بين الجامعة العربية والأزهر الشريف؟
الأزهر الشريف يتمتع بقدر كبير من المصداقية ليس فقط في الوطن العربي، ولكن في العالم أجمع، بصفته المؤسسة الإسلامية التي تنشر الفكر الإسلامي المعتدل، لذلك كان إعلان الدوحة الصادر عن الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني كان حريصًا على التأكيد على دور الأزهر الشريف، في نشر قيم التسامح والتعايش السلمي بين الشعوب، ولذلك فنحن في الجامعة العربية حريصون تماما على التنسيق مع الأزهر.

ولو نظرنا إلى مكافحة الإسلاموفوبيا، دائما ما نلجأ لعلماء الأزهر عندما نلتقي بوفود من الشباب الأوروبي يريدون مناقشة موضوعات معينة تحتاج إلى متخصصين، وهو ما يعد أحد أشكال التنسيق فيما بيننا، كما أننا نقوم حاليا بإعداد مطبوعات لمناقشة رؤية الإسلام لبعض القضايا كالديمقراطية وحقوق الإنسان، وغيرها من القضايا البعيدة عن مسألة العبادات والتي لا تهم القارئ الغربي بصورة كبيرة. كما أننا نسعى لتدشين موقع إلكتروني مشترك يمكن من خلاله أن يقوم الأزهر بوضع المادة العلمية تحت إشراف الجامعة العربية.

- ما الحلم الذي تطمحون في تحقيقه للوصول إلى مختلف الفئات داخل المجتمعات الغربية؟
هناك حاجة لمشاريع يمكنها الوصول إلى فئات أكبر داخل تلك المجتمعات، حيث إنني أحلم بتأسيس قناة إعلامية يمكنها توصيل الصورة الصحيحة للعرب والمسلمين، وتتيح الفرصة للعرب والمسلمين بالتواصل مع أتباع الحضارات الأخرى، من خلال تقديم برامج يمكن من خلالها لمفكرين مسلمين مخاطبة المجتمعات الغربية، وكذلك يمكن تقديم برامج أخرى شبابية يمكن للشباب المسلم خلالها التواصل مع نظرائهم الغربيين، إلا أن العقبة الكبرى أمام هذا الحلم يتمثل في التمويل في ضوء الظروف المالية التي تشهدها الجامعة في المرحلة الراهنة.

هذا المشروع هو جزء من عدة برامج تأتي في إطار خطة، تم إقرارها من قبل وزراء الخارجية العرب في عام 2016، تحمل عنوان «الخطة الاستراتيجية العربية الموحدة لتحالف الحضارات»، تحمل ما يعكس هويتنا الثقافية العربية، وكذلك تحسين صورتنا، بالإضافة إلى تحقيق مطامح منظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، والذي يتمثل في بناء جسور التفاهم بين أصحاب الحضارات، وتحقيق السلم والأمن العالميين، ولعل تمرير الخطة هو أحد أهم إنجازات الإدارة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق