تهجير أقباط سيناء

الثلاثاء، 21 فبراير 2017 06:07 م
تهجير أقباط سيناء
إيهاب عمر

ما أن خرج فيديو الإرهابي الراحل محمود شفيق عضو تنظيم الإخوان، وتنظيم ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية – معترفًا بجريمة تفجير الكنيسة البطرسية ومتوعدًا المسيحيين حتى بدأت موجة جديدة من استهدافهم في سيناء.

هذا الاستهداف ليس الأول من نوعه، فقد جرى بشكل منظم منذ بدء العمليات الإرهابية في سيناء عام 2005، ثم اتخذ شكلًا أكثر تطورًا عام 2011 خلال فعاليات الربيع العربي، وقد امتد الأمر إلى تهجير بعض الأسر المسيحية بقوة السلاح أو عبر الجلسات العرفية، وهي عمليات بعيدة كل البعد عن سطحية استهداف تنظيم متطرف لمواطنين من دين بعينه، فالموضوع أكبر من ذلك، وتحدثت عنه أقلام وطنية في سوريا والعراق ولبنان.

في الواقع نحن أمام مخطط غربي – صهيوني لتفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين لصالح تهجيرهم إلى الغرب الأوروبي – الأمريكي، ينفذه تنظيم القاعدة في العراق، ثم استمر عبر نسخه التالية وصولًا إلى الحرب السورية الجارية، والغرض هو القضاء وتصفية ما يطلق عليه «شعوب الكنائس الشرقية»، الأقباط في مصر، والروم والسريان في سوريا، والآشوريين والكلدان في العراق، التصفية سواء على المستوى السكاني أو هدم الكنائس ونهبها وتدميرها تمامًا تخدم مجموعة من الأهداف الاستعمارية.

فالهدف الأول، هو جعل الباقية المتبقية من المسيحيين –عقب الهجرة إلى الغرب أكثر قبولًا للحماية الأجنبية الاستعمارية، على أن يتم وضعهم دائمًا في كيانات جغرافية صغيرة حتى يظلوا تحت رحمة الحماية الغربية، تمامًا، كما هو مخطط للسريان السوريين أن يكونوا جزءًا من دويلة في شمال شرق سوريا وسط محيط كردي – عشائري عربي، على أن يتم تكرار سيناريو المحاصصة الطائفية الموجود حاليًا في لبنان والعراق بما يجعل الشرق الأوسط دائمًا دويلات طائفية صغيرة غير مستقرة.

هذا الطرح يؤدي بالضرورة إلى دمج إسرائيل في المنطقة، باعتبارها دولة صغيرة طائفية يسعى حكامها إلى إعلانها حصرًا للقومية اليهودية، بحسب الديباجات الفكرية المعلنة، إسرائيل مهما فعلت لا يمكن أن تندمج وسط دول بحجم مصر وسوريا والعراق، ولكن أن يتم تفكيك كافة هذه الدول إلى دويلات بحجم قطر، على أن يكون النظام السياسي داخل هذه الدويلات طائفيًا، فلا مشكلة لإسرائيل وقتذاك أن تسفر عن هوية طائفية يهودية دون أن يعترض أطراف إقليمية أو دولية في هذا الأمر.

أما تدمير الكنائس، ونهب محتوياتها بل، وتدمير آثار الحقب المسيحية في الدول الشرقية، فالغرض منه فتح الباب أمام التقسيم من منظور تاريخي، بمعني أن الحقبة القبطية في مصر مثلًا هي أكبر دليل على انتماء سيناء لمصر، وتحديدًا دير سانت كاترين، والذي كان حتى زمن قريب يعرف في العالم، أجمع باعتباره كنيسة سيناء، وكان مطران الدير يلقب بـ مطران سيناء، وكانت روسيا القيصرية تسمح لرجالاته بالسفر إلى روسيا، وجمع التبرعات من أجل سيناء، والقدس، فكان للدير سلطة ليست متوفرة لدول في الشرق حتى قيام الثورة الروسية عام 1917.

دير سانت كاترين لم يكن مجرد كنيسة فحسب، أو ملجأ للمسيحيين في أزمة غابرة بل كان أيضًا قلعة عسكرية حمت مصر مرارًا على يد المسيحين الأوائل، أن هدم هذا الدير وملحقاته على سبيل المثال سوف يحقق هدفًا تاريخيًا مهمًا في محو آثار التواجد المسيحي المصري في سيناء، ويسهل عملية إعادة كتابة التاريخ والادعاء بعدم وجود العمق التاريخي لمصر في سيناء، وهي عملية قام بها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق تحديدًا، ونسف التواجد الأثري للمسيحيين في العراق، بما خدم واقع ديموجرافي أصبح بالفعل أمرًا واقعًا في العراق.

كما قام الإسلاميون في إيران برعاية الخميني بالأمر ذاته، ولنفس الهدف عقب ما يسمي بالثورة الإسلامية 1979، حيث تجول كل جاهل موتور دينيًا بطول وعرض إيران، وتم هدم كافة آثار الحضارات الإيرانية القديمة خاصة التي تثبت حضورًا مسيحيًا، ما خلق واقعًا جديدًا في إيران.

ولا تسمع اليوم كلمة واحدة من أعتى المؤرخين عن التواجد المسيحي في إيران، وأصبحت كافة مشاريع الاستعمار حول إيران هو تفتيك عرقي، لصالح دول بلوشية وكردية وخرسانية وعربية، ما يخدم الأجندة الغربية الصهيونية حول تقسيم الشرق الأوسط.

كما أن تفريغ بعض المناطق بعينها من السكان خاصة غير المسلمين يأتي في إطار عمليات التهجير التي يسعي إليها الاستعمار، وبالتالي فإن عملية تفريغ سيناء من المسيحيين تحديدًا تخدم الرؤية الغربية الصهيونية في ترحيل سكان غزة إلى سيناء وتوطينهم هنالك.

ولن ينته الأمر بهذا الطرح، بل سوف يكون الأولوية للغزاويين الدواعش حتى تستمر الحرب بين البندقية الفلسطينية والجيش المصري، كما هو جارٍ اليوم بشكل غير مباشر، وفي مناخ كهذا لا يجب أن يكون هنالك قيادة روحانية مسيحية في سيناء أو تواجد ديموجرافي مسيحي يلتحم مع الأقلية المسيحية القادمة من غزة ليشكلان كتلة مسيحية ذات صوت عالي.

الهدف الثاني هو زيادة سكان بعض الدول الأوروبية بالمسيحيين العرب في إطار كسب المزيد من الأيدي العاملة ورأس المال، فالإرهاب الإسلامي يشجع الأثرياء المسيحيين والأيدي العاملة والعقول المتطورة على الهجرة إلى أوروبا، وقد هاجر الأغلبية الساحقة من المسيحيين العراقيين بالفعل الى أوروبا، خاصة في سنوات الحرب الأهلية العراقية الأولى (2006-2008) كما فعلها المسيحيون الإيرانيون عقب استيلاء الخميني على الثورة والحكم، وقد أعلنت أكثر من دولة أوروبية أن الأولوية للمسيحين في الهجرة، كما نصت سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاصة بحظر الهجرة إلى أمريكا على تقديم تسهيلات للموافقة على هجرة المسيحين فحسب.

الهدف الثالث هو تصفية النفوذ الديني للبطاركة والكنائس الشرقية مقابل الكنائس الغربية، وهي لعبة قديمة، ولم تنته بعد حتى بين الكنائس الغربية، ويكفي القول أن هنالك كنائس أمريكية تصرف الملايين سنويًا من أجل تحويل الأغلبية الكاثوليكية في أمريكا الجنوبية إلى البروتستانتية وحققوا نجاحًا كبيرًا في معقل كاثوليكي مهم مثل البرازيل، ولهذا المسعى هدف سياسي أيضًا، فالتواجد الديموجرافي الكاثوليكي يعني نفوذًا للكنيسة الأسبانية والفرنسية والفاتيكان على حساب نفوذ كنائس الولايات المتحدة.

ويكفي القول أن السبب الرئيسي لتوقف الولايات المتحدة عن ضم المستعمرات الجنوبية، وتقبلها استقلال تلك المستعمرات إلى ما نعرفه اليوم من دول أمريكا الجنوبية يرجع في الأساس إلى الأغلبية الكاثوليكية الهسبانية التي تتمتع بها تلك الدول، والتي لو انضمت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتحولت تلك الدولة إلى دولة كاثوليكية ناطقة بالإسبانية، وهو أمر مرفوض تمامًا في حسابات الجماعات أنجلوساكسونية البروتستانتية التي شكلت الولايات المتحدة الأمريكية.

ختامًا إن استهداف المسيحيين في سيناء، ومن قبلها التحرك غير العفوي أو العشوائي حيال الكنائس المسيحية الذي جرى يوم فض بؤرة رابعة العدوية الإرهابية، واستهداف الكنيسة البطرسية 2016، وكنيسة الإسكندرية 2011، على نفس شاكلة ما يجرى في سوريا والعراق وما جرى في إيران الشاه يوضح بجلاء أننا أمام مخطط إقليمي يضع سيناء أولًا، ومصر تاليًا في مخططات تقسيم وتهجير وتوطين وحذف للتاريخ القومي عمومًا والمسيحي خصوصًا لصالح تدوين تاريخ بديل.

وذلك من أجل صعود إسرائيل إقليميًا، وتزكية فكرة القومية اليهودية للدولة الإسرائيلية، وتفريغ المشرق من المسيحيين، باستثناء قلة تحافظ على المحاصصة الطائفية السياسية، مقابل هجرة شاملة للمسيحين إلى الغرب لدعمه ديموجرافيًا ورأسماليًا وتكنوقراطيًا وصولًا إلى إعلان قيام جمهوريات بحجم قطر ذات طابع قومي – طائفي تدخل فيما بينها حرب لا تنتهي حتى يتخلص الغرب للأبد من مخاطر قيام إمبراطورية شرقية تنافس مصالحه أو تهدد نفوذه.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة