عبد الفتاح علي يكتب: الضعيف.. لا زال رئيسا للوزراء.. وسيبقى

الأحد، 27 ديسمبر 2015 09:33 م
عبد الفتاح علي يكتب: الضعيف.. لا زال رئيسا للوزراء.. وسيبقى
عبد الفتاح علي

لا يمكن الغوص في عقل رجل، هو في الأساس صامت لا يكاد يتحدث، ولا يمكن البحث في قلب رجل هو منزوع الكلام، وهناك مثل قديم يقول تحدث كي أعرفك، وبالتالي طالما الشخص الذي تسعى لمعرفته لا يتحدث إلا نادرا، فمن الصعوبة بمكان أن تفهم رؤيته إذا كانت لديه رؤيه، أو تدرك أبعاد فكرته إذا كان لديه في الأصل فكرة.

شريف اسماعيل يجيد أداء الموظفين الطامحين، الذين عملوا مع رؤساء يهمهم في مرؤوسهم أن يكون مطيعا، صامتا، يعرف جيدا المحافظة على المسافة بين رئيسه ومن حوله، فلا يقدم خطوة واحدة إلا بعد أن يتقدم رئيسه خطوتين، ولا يقترب منه إلا إذا طلبه، لكن في الوقت نفسه يظل في محيط نظر رئيسه، وتظل عيناه تتابع بدقة عينه ، فيذهب حيث تذهب عينه، حتى يظل دائما في دائرة "النظر".

أجاد شريف إسماعيل هذا الأمر جيدا، فد كان بينه وبين سامح فهمي وزير البترول الأسبق هذه المسافة، لذا كان يفضله على العديد من مرؤوسيه، وهو ما انتقل بالتبعية مع كل وزراء البترول اللاحقين لسامح فهمي، حتى من هم أقل سنا وخبرة من شريف اسماعيل.

لم تكن لديه أدنى مشكلة من أن يتم تعيين من هم أقل منه درجة وظيفية، وزراء عليه، بالعكس، فالموظف الساكن في عقل وقلب شريف إسماعيل مبرمج على التعامل مع المنصب، لا مع الأشخاص، لذا نجح نجاحا منقطع النظير في ألا يخلق لنفسه عداوة مع أحد، ولا يبنى جسرا من الكراهية مع أحد.

شعاره "أبعد عن المشاكل حتى لو كانت من أقل الناس، لذا ليس غريبا أن يقوم موظف بالقابضة لجنوب الوادي بالصراخ في وجه رئيس الشركة، يطالبه برفع اسمه من كشوف الحضور والإنصراف، فانصاع شريف اسماعيل لهذا الموظف لأن صوته مرتفعا، تطبيقا لهذا الشعار.

كانت للشركات التابعة لجنوب الوادي القابضة مشاكل جمة، لم يحل منها شريف إسماعيل منها شئ، بل على العكس ترك كل رؤساء هذه الشركات يفعلون ما يشاءون، من تجاوزات ومخالفات، وكان يكتفي برفع تقرير دوري للوزير عن كل ما يفعلونه، بدون أي رد فعل، فهي تقارير أقرب لـ"مجرد العلم" من اتخاذ مواقف تجاه هذه المخالفات، والوزير يريد ان يعرف فقط كي يتحكم أكثر في الأشخاص.

في أحد معارض البترول في مجمع الأسكندرية، وقف أحد رؤساء الشركات التابعة يعرض للوزير انجازات شركته، وقد اشتم منه الوزير رائحة الغرور، التي يبدو أنها أزعجته جدا، فقال له "هو فيه حد في العيلة لسه ما اتعينش في الشركة واللا اكتفيت على كدا"، فبهت رئيس الشركة التابعة للقابضة لجنوب الوادي.

في اليوم التالي كان رئيس الشركة التابعة ينتظر بالساعات أمام مكتب شريف إسماعيل رئيس الشركة القابضة لجنوب الوادي وقتها، أملا في الحصول على رضاه، لكن اسماعيل لم يقابله حتى حصل على تعليمات الوزير بخصوص هذا الرجل، واستمر الحال قرابة ثلاثة أيام، حتى صدر قرار بنقله من الشركة إلى شركة أخرى أكبر!!!.

كان قرار النقل هذا كأنه ترقية، على مخالفاته وتجاوزاته، فبدلا من الشركة التابعة الصغيرة انتقل إلى شركة تابعة كبيرة بعيدة عن جنوب الوادي، وبعد فترة اكتشف المتابعين سر نقله، فقد كانت الوزارة تحتاج إلى قرض كبير جدا، لتسديد مديونيات متأخرة، وكانت الوزارة تحتاج إلى رئيس شركة "محلل" يأخذ القرض باسم شركته، وتحصل عليه هيئة البترول لتظبيط ميزانية الهيئة.

وبعد أن حصلت الهيئة على القرض الكبير من عدة بنوك، فتح رئيس الشركة في تجاوزاته، وبدلا من المخالفات التي كانت "ع المداري" أصبحت "ع المكشوف"، فتم القبض عليه بتهمة الحصول على رشوة وانتهى به الحال في السجن "لفترة".

حتى الاآن لم أجد ميزة واحدة لشريف إسماعيل يصلح بها ليكون وزيرا للبترول، لكني وجدت الميزة الأهم التي بسببها أصبح رئيسا للوزراء، بعيدا عن "فيلم" اكتشاف حقل الغاز في البحر المتوسط التابع لشركة إيني الإيطالية التي ظن الناس أن هذا الاكتشاف الجبار كان دافعا لترقية الموظف المطيع ليكون الرجل الثاني في البلاد.

هذه الميزة هي "الضعف" التي تنفرد بها مصر في كونها البلد الذي تختار دائما الأضعف ليكون على رأس أولويات أصحاب القرار في الترقية إلى المناصب الأهم، فهذا هو الرجل الذي لن يسد سماء الإعلام بضجيج بلا طحن كما فعل سابقه إبراهيم محلب، فهذا الرجل بات بلا ضجيج وبلا طحن.

افتح العدسة قليلا، وانظر إلى الوزراء الجدد والقدامى أيضا، ستجدهم جميعا باستثناء وزيرين أو ثلاثة، يتشاركون في ميزة "الضعف"، التي أنهكت حياتنا، وأفرطت صبرنا، وأودت بأحلامنا الهلاك.

ثم افتح العدسة مرة أخرى، وانظر إلى الأحزاب الجديدة، وقيادات ما يسمى بائتلاف دعم مصر، وما يشكله من مجموعة من الضعفاء المؤتمرين بتعليمات من ضباط صغار بالأمن الوطني.

ثم اجعل العدسة مفتوحة على مصراعيها، ستجد أن المرتعشين والمهزوزين، يحتلون كل مناصب الشركات الحكومية، والهيئات والادارات والمصالح والأجهزة، ولا أستثني منهم أحدا.

بتنا دولة من الضعفاء، يتحكم في مصيرهم، من لا يعلم، ولا يفقه، ولا يدرك من أمره شيئا، إلا انتظار التعليمات، التي قد تأتي بضعف أشد، أو قد لا تأتي على الاطلاق، ليظل الحال على ما هو عليه.

ماذا فعل رئيس الحكومة حتى الآن؟ بخلاف البيانات، والتصريحات من المتحدث الرسمي، والاجتماعات التي لا تنتهي إلا باجتماعات وتشكيل لجان.

أي ملف يعطيه أولوية؟ بعيدا عن الكلمات الرنانة، والمتكررة والمملة عن المواطن البسيط الذي هو الآن يسحل، أو محدود الدخل الذي هو الآن ينهب، أو الأسر الفقيرة التي هي الآن تنتهك؟

أعلم تماما أن الضعيف، لا يلد إلا ضعفا، والمهزوز لا ينتج إلا فشلا، والمرتعش لا يمنح إلا خزيا وعارا، لكني مثل ملايين المصريين، نتعامل مع أمر واقع فرض علينا فرضا، ومن كثرة ضغطنا للتغيير على أمل حدوث الأفضل، لا نتلقى سوى ما هو أسوء، ولا نحصل إلا على ما هو أضعف.

كتمنا أحلامنا، وجمدنا أمانينا، وأوقفنا دعائنا، فالمنحدر أصبحت زاويته قائمة، نحن الآن نهوى.


 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة