هل بدأ الاقتصاد العالمي مرحلة الانهيار؟

السبت، 28 يناير 2023 11:26 ص
هل بدأ الاقتصاد العالمي مرحلة الانهيار؟

أزمات اقتصادية كبيرة تلقي بظلالها على جميع دول العالم، لم يكن تأثيرها محدود النطاق أو لها تداعيات سلبية على الاقتصاديات الناشئة فقط، بل لها عواقب كارثية على الدول الكبرى وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية التي وصل حجم الدين فيها لنحو 31.4 تريليون دولار وهو الرقم المحدد لسقف الديون المستحقة على البلاد، وفق ما أعلنته وزارة الخزانة الأمريكية مؤخراً.
وعمقت الحرب الروسية الأوكرانية وانتشار فيروس كورونا الأزمات الاقتصادية في العالم، ما أدى إلى ارتفاع ملموس في مستويات المديونية العالمية التي ارتفعت لتسجل نحو 350% من الناتج الإجمالي العالمي بنهاية الربع الثاني من عام 2022، حيث قدرت المديونية العالمية بنحو 300 تريليون دولار نتيجة لتعرض العالم لأزمة عالمية وركود عميق.
وقبل أيام علق صندوق النقد الدولي على فشل الولايات المتحدة الأمريكية في سداد ديونها المتراكمة، قائلا: "إن الفشل في رفع سقف الدين الأمريكي قد يؤدي لـ"تداعيات خطيرة" على الاقتصاد الأمريكي والعالمي".
واتخذت الحكومة الأمريكية عدداً من الإجراءات للحد من أزمة الديون المتفاقمة، وقالت وزيرة الخزانة بالولايات المتحدة جانيت يلين إنه يجري اتخاذ "إجراءات استثنائية" لإيفاء الدولة بالتزاماتها، حتى لا تتخلف الحكومة عن السداد"، مؤكدة أن "هذه الإجراءات ستستمر لبضعة أشهر .. ولكن إذا لم يتم رفع حد الدين في نهاية المطاف فسوف تنفد أموال الحكومة الفيدرالية".
ولدى الكونجرس الأمريكي القدرة على وضع حد لمقدار حكومة الولايات المتحدة التي يمكن أن تقترضها لدفع نفقاتها، إذ يعرف هذا الحد بـ"سقف الديون"، ووصل إلى الآن 31.4 تريليون دولار، وقالت صحيفة الجارديان البريطانية إن اقتراض الولايات المتحدة الأموال يساعدها على دفع النفقات التي تم تمريرها في ميزانياتها، مثل "الضمان الاجتماعي ومزايا الرعاية الطبية ورواتب أعضاء الخدمة العسكرية الأمريكية".
وحذرت وزيرة الخزانة الأمريكية من أنه إذا لم يرفع الكونجرس سقف الديون في الأشهر المقبلة، فسوف تتجه الأمور إلى الأسفل بالنسبة للاقتصاد، وكتبت: " عدم إيفاء الحكومة بالتزاماتها قد يتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه للاقتصاد الأمريكي ما يؤثر على الوضع المعيشي للمواطن الأمريكي والاستقرار المالي العالمي بصفة عامة".
وتشير تصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية أن تخلف الحكومة الفيدرالية عن سداد ديونها، سيؤدي سريعاً إلى فقدان المستثمرون ثقتهم بالدولار الأمريكي، ما يتسبب في ضعف العملة وانخفاض الأسهم وعدم توفير الوظائف.
وما أدى إلى ارتفاع مؤشرات الخطر بشأن الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، هو تخفيض وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني للحكومة الأمريكية لأول مرة في التاريخ، حيث سيؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة اقتراض الأموال على الحكومة الأمريكية. وأرجع البعض زيادة المخاطر إلى الصراع الطويل بين الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونجرس والديمقراطيين المسيطرين على البيت الأبيض، وقد يتسبب ذلك في ضرر مالي طويل الأجل. وهو ما يشبه المعركة الشرسة بشأن سقف الديون الأمريكية في عام 2011.
الكونجرس يرفض رفع سقف الديون.. لماذا؟
يسيطر على الكونجرس بشكل نسبي الجمهوريون الذين يتمتعون بأغلبية جديدة في مجلس النواب، ويساومون بورقة سقف الديون للتفاوض بشأن خفض الإنفاق، فيما يرى مراقبون أن استخدام الحزب الجمهوري هذه الورقة للضغط على البيت الأبيض والرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن في خطوة قد تضعفه وتقلل من حظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ونقلت قناة "فوكس نيوز صنداي" عن رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفين مكارثي، قوله إن الوصول إلى سقف الديون هو اختبار للحزب الجمهوري بشأن التزامه بخفض الإنفاق، حيث يريد الحزب تقليل تمويل الحكومة الراهنة.
ودائماً ما ينادي الحزب الجمهوري بتقليل الإنفاق الحكومي، لكن هذه المرة ستكون معركة الحزب أكثر اشتعالاً، لأن إيقاف سقف الدين عند الحد 31.4 تريليون الدولار يعني عدم قدرة الحكومة الأمريكية على اقتراض المزيد من الأموال في المستقبل، ما يعرض برامجها الحالية للخطر.
وعلقت صحيفة الجارديان على المعركة بين الحزب الجمهوري والديمقراطي قائلة إن "البعض يعتقد أن بإمكان الجمهوريين الضغط من أجل خطة تحديد أولويات الدفع التي من شأنها أن تجبر إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على التوفير من الميزانية واللجوء إلى المدفوعات الفدرالية المهمة فقط"، في إشارة إلى تمويل نظام الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية.
وما يثبت لجوء الجمهوريين إلى هذا التوجه، ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست حول عقد رئيس مجلس النواب الجمهوري "كيفين مكارثي" صفقة خاصة مع الجمهوريين المحافظين تتضمن خطة خفض الإنفاق الحكومي عبر تحديد الأولويات والمدفوعات المهمة في الربع الأول من العام الجاري.
أوروبا تواجه نفس المصير
ويرى كثير من المراقبين أن أوروبا تواجه تقلبات مالية هي الأخرى، إذ تعيش القارة العجوز واحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية على مر تاريخها متأثرة بشدة بالحرب الروسية الأوكرانية، ما زاد من معدلات التضخم والارتفاع في الأسعار، وأرجع اقتصاديون جزء من السبب إلى أن روسيا تمد أوروبا بنحو 37% من احتياجاتها من الطاقة وهي الدولة المصدّرة الأُولى للغاز في العالم، وثاني أكبر مصدّر للنفط في العالم.
وارتفعت معدلات التضخم في منطقة اليورو في أكتوبر الماضي، لتبلغ مستوى قياسي جديد، 10.7%، بعد أن كانت القارة الأوروبية قد سجّلت في سبتمبر أعلى نسبة تضخم منذ بدء يوروستات بنشر المؤشر في يناير 1997، عند 9.9% في البلدان التسعة عشر التي تعتمد العملة الأوروبية الموحدة، ورغم احتفاظ فرنسا على إجراءات حماية المستهلك وبينها خفض أسعار الوقود، إلا أنها سجلت معدل تضخم عند 7.1%، فيما سجلت ألمانيا تضخمًا بنسبة 11.6%.في الوقت عانت دول البلطيق من أعلى معدل تضخم وصل إلى 22.4% في إستونيا، و22% في ليتوانيا، و21.8% في لاتفيا متأثرة بعواقب الحرب في أوكرانيا.
ودفعت الأزمة الاقتصادية العالمية، سكان القارة العجوز إلى تغيير أنماط الاستهلاك والشراء، وهو ما أكده استطلاع رأي أبرزته صحيفة "الجارديان" البريطانية كانت نتيجته "أن نصف الأوروبيين تغيّرت عاداتهم الشرائية، خلال السنوات الثلاث الماضية".
وأظهر الاستطلاع الذي أجراه معهد "إبسوس" على 6 آلاف شخص في 6 بلدان أوروبية، هي فرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا وبولندا والمملكة المتحدة، لصالح منظمة "مكافحة الفقر" الفرنسية غير الحكومية، أن 80 % منهم اضطروا إلى اتخاذ خيارات إنفاق صعبة وقللوا من حجم العمليات الشرائية، لمواجهة ارتفاع تكلفة المعيشة في أوروبا.
صحة اليابان المالية في خطر
لم تكن اليابان بعيدة عن الأزمة العالمية، بعدما حذر وزير المالية الياباني شونيتشي سوزوكي، من أن صحة اليابان المالية تتدهور على نطاق "غير مسبوق" بعد الإنفاق الهائل وسط جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، وأكد سوزوكي في خطابه البرلماني الأثنين الماضى، أنه من الأهمية بمكان تأمين الحيز المالي للدولة المثقلة بالديون في حالة من أزمات المستقبل.
وأشار سوزوكي إلى أن البيئة المحيطة بالاقتصاد الياباني أصبحت "قاسية بشكل متزايد" بسبب ارتفاع الأسعار والمخاوف من التباطؤ الاقتصادي العالمي الناجم عن تشديد السياسة النقدية، وقال للمشرعين في اليوم الأول من جلسة البرلمان العادية، إن الحكومة ستهدف إلى الإنعاش الاقتصادي قبل إعادة ضبط الأوضاع المالية، مؤكداً أنه "بعد اتخاذ خطوات لمواجهة جائحة فيروس كورونا ووضع ميزانيات تكميلية، نواجه وضعا ماليا يزداد حدته على مستوى غير مسبوق".
وفي خطاب منفصل، قال وزير التنشيط الاقتصادي شيجيوكي جوتو إن الاقتصاد يواجه أوقاتًا صعبة ولكنه "يتعافى بشكل معتدل حيث تتكيف (اليابان) مع العيش مع تداعيات كورونا".
الشركات العالمية تعانى
لم توثر الأزمة الاقتصادية العالمية على الحكومات فقط، بل كان لها تأثير شديد على الشركات الكبرى وعلى رأسها التكنولوجية، التي تنبئ سياساتها بأن العالم مقبل على فترة عصيبة، من حيث ارتفاع البطالة، فعلى مدار الشهور الماضية أعلنت مئات الشركات العالمية عن تسريح عشرات آلاف من موظفيها.
ولم تكن البداية مثالية لكبرى شركات التكنولوجيا في عام 2023، فمع ارتفاع المخاطر بشأن الأزمة الاقتصادية، لجأت الشركات العالمية إلى سلسلة من عمليات التسريح لموظفيها، ففي الأسبوع الماضي أعلنت شركة مايكروسوفت أنها "استغنت عن 10 الاف موظف مما أدى إلى تقليل إجمالي القوى العاملة في الشركة بنسبة 5%.
وجاءت عمليات التسريح الجماعي للموظفين في مايكروسوفت في أعقاب قرار مماثل اتخذته شركة أمازون بتسريح ما يقارب من 18 ألف موظف، والذي يعتبر أكبر عملية تسريح فى تاريخ الشركة البالغ عمرها 28 عامًا.
وأرجعت الشركة سبب تخفيض العمالة إلى الوضع الاقتصادي والتوظيف السريع الذى اتخذته في السنوات العديدة الماضية، ووفق تقرير صادر عن شركة - Finbold  - وهي شركة لتحليل السوق - فإن عملاق التكنولوجيا أمازون فقد 45 % من قيمته العام الماضي – لتصل إلى 939 مليار دولار في 1 يناير الماضي بعدما كانت 1.6 تريليون دولار في نوفمبر.
ويؤكد خبراء أن عمليات التسريح، تأتي لمواجهة تباطؤ النمو وارتفاع أسعار الفائدة في العالم، مع ارتفاع المخاوف من حدوث ركود اقتصادي في وقت مبكر من العام المقبل. 
وأدى الانكماش الاقتصادي العام الماضي إلى تسريح أكثر من 120 ألف شخص من وظائفهم يعملون مع شركات التكنولوجيا الكبرى مثل ميتا وأمازون ونتفيلكس.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق