«الجوبية» و«عبدالمنعم».. قصة عشق شهد عليها النيل

الجمعة، 14 أكتوبر 2016 08:23 م
«الجوبية» و«عبدالمنعم».. قصة عشق شهد عليها النيل
نجلاء خالد - نسمة عمار

ما بين الأرض والسماء، وحرارة الشمس الحارقة، يجلس علي جانبي الطريق بجوار إحدى الترع شخص بسيط يحمل وجه تعابير الشقاء والألم، قابضًا بيده على بعض الخيوط البلاستيكية المرصوصة على قطعتين من المعدن ومثبتتان علي الأرض.. يمسح بيده عرق الشقاء، كالجراحين، ثم يكمل دمج الخيوط معًا لتكون شبكة صغيرة لصيد السمك تدعى «الجوبية».

مع بداية كل يوم ينطلق «محمد عبدالمنعم»، ابن قرية «كفر الشيخ إبراهيم»، التابعة لشبين الكوم بمحافظة المنوفية، إلى إحدي المناطق القريبة من التُرع، يخلع نعليه ويمسك ببعض الأدوات المعدنية، ليبدأ جولة جدية من الشقاء والتعب، في صناعة بسيطة قاربت على «الانقراض»، إذ يقوم بعمل شبكة «الجوبية» وبعد ساعات طويلة من العمل والكد، يضعها جانبًا ليبدأ فى صناعة واحدة آخري، مرددًا كلمته الشهيرة التي اعتاد زبائنه على سماعها: «من أعطاني سمكًة أطعمني يومًا.. ومن علمني الصيد أطعمني كل يوم».

«محمد عبد المنعم» شاب بسيط، دائما ما رسم على وجه البسمة أثناء عمله، وقبول تام للواقع الذي يعيشه، وما بين البسمة وشقاء العمل، روى محمد كواليس عمله في صناعة أرخض الشباك، واستخدمها لمضاعفة رزقه.

تبدأ أحداث اليوم مع الصياد البسيط، مع بزوغ الضوء الأول لصباح اليوم الجديد، يخرج من بيته حاملًا معه بضع جنيهات ليشتري بها بعض الخيوط التي يستخدمها في صناعة «الجوبية»، يصنع البعض لبيعه والآخر يستخدمه، يتنقل بين الترع وروافد النيل لاصطياد بعض الأسماك، قائلًا: «أبحث عن الرزق أينما كان لأعود بيتي حاملًا بعض الرزق لزوجتي».

تعبًا ومجهدًا، يعود «صياد الجوبية» إلى بيته مع غروب الشمس، ينتظر يومًا جديدا ليضاعف فيه من رزقه اليومي، قائلًا: «لا يختلف يومي كثيرًا.. ولكن يختلف اليوم مع زوجتي والتي تنتظر عودتي مع الرزق الوفير، لتخرج في اليوم التالي حاملة علي رأسها مقطفًا من الخوص، بداخله رزق وهبه الله لنا، لتبيعه في الأسواق وتشاركني ربح الحياة».

وفي إحدي أركان القرية تجلس الزوجة، بجلبابها الأسود و«ربطة الرأس» الشهيرة لنساء الريف، تضع أمامها «مقطف الأسماك»، وفي يدها ورقة من الكارتون، تستخدمها في إبعاد الذباب، مناديًة علي المارة لتجد من يشتري منها الأسماك، وبعد تعب وجهدًا كبير، تسرع الزوجة مهرولة إلي أطفالها وزوجها حاملة في مقطفها، طعامًا اشترته من أموال بيع الأسماك.

يقول «عبدالمنعم»، مهنة صناعة «الجوبية»، وصيد الأسماك، شاقة ومتعبة، ومكسبها لا يكفي، فالأسماك أنواعها معدودة، والحكومة لم تعد تلقي المزروعات السمكية بتلك الترع، مشيرًا إلى أن إلقاء مخلفات الصرف الصحي من قِبل العاملين بتلك المهنة، أدى إلى هلاك أعدادٍ كبيرة من الأسماك، وإن كانت متوفرة فى مكان قريب من الأماكن الملوثة لا يستطيع اصطيادها، وذلك لوجود أمراض بها.

ويوضح «الصياد الشاب» أن لديه طفلان بالمرحلة الابتدائية، ينفق عليهما معظم ماله ليتعلموا حتي لا يصيرون مثله في إحدي الأيام، متابعا: «أما الطفل الأخير فربما تناوبه على الأطباء هو أكثر ما يرهقني ماديًا، فتغير العوامل الجوية بين ليلةٍ وضحاها كفيل بورود أمراض تحتاج للعلاج سريعًا».

اعتمد «عبدالمنعم» على العمل بـ«الجوبية» لتكلفتها الرخيصة، حيث أنها تكلفه نحو 10 جنيهات، كما أنه سهلة في الاستخدام، وكل ما يحتاج إليه هو اختيار الأماكن العميقة، ليضع بها شبكته الصغيرة، ويمر عليها كل يوم مرة، ليجد بها بعض الأسماك التى علقت، فالجابية صنعت خصيصًا بطريقة تسمح بدخول الأسماك وحبسها.

ويختتم بقوله، إنه اضطر لامتهان عمل «الجابية» لعدم قدرته على صنع أو شراء قارب، فتكلفته مرتفعة و«الجاى على أدّ الرايح» علي حد قوله، وتابع: «لا أستطيع العمل بمجال آخر كوني غير متعلم.. وليس لدي خبرة للعمل فى صناعة جديدة».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق