انهيار الجنائية الدولية

السبت، 04 مارس 2017 01:04 م
انهيار الجنائية الدولية
صبرى الديب يكتب:

أؤكد أن العالم بدأ يتغير، ويستوعب الألاعيب الخبيثة للقوى الدولية الكبرى في استخدام المنظمات الدولية كـ«أدوات» لضرب الدول الفقيرة، ونهب ثرواتها، والتنكيل بشعوبها وقادتها، دون تطبيق الحد الأدنى من «ذات الأدوات» على أي من الدول الكبرى، حتى وإن أجرمت أو قتلت أو نهبت، وهو يحدث الآن تجاه المحكمة الجنائية الدولية التي بدأ عقدها في الانفراط، وقد تعلن انهيارها في القريب العاجل، كأولى حلقات انهيار المنظمات الدولية التي لا تطبق العدالة.
فعلى الرغم من تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في يوليو 2002، كأول محكمة دولية قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والإنسانية، ودخولها حيز التنفيذ بموجب قانون يسمى «قانون روما» بلغ عدد الدول الموقعة عليه 121، إلا أنها حادت عن الغرض الذى انشئت من أجله، وتحولت إلى «عصا» في يد القوى العالمية الكبرى، للتنكيل بالزعماء الأفارقة.
وهو ما جعلها محط انتقادًا من عديد من دول العالم خاصة الإفريقية، بعد أن غضت الطرف على الفظائع والجرائم التى ترتكبها الولايات المتحدة ودول غربية كبرى، على الرغم من اعتراف تلك الدول علنا بأخطائها وجرائمها في بعض الأحداث.. لدرجة أن المحكمة من فرط تحيزها، لم تنظر طوال 15 عاما سوى 4 قضايا، جميعها تخص دول إفريقية هي (أوغندا الشمالية، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية إفريقيا الوسطى ودارفور)
وأصدرت 9 مذكرات اعتقال كان أشهرها بحق الرئيس السوداني (عمر البشير) بتهمة الإبادة الجماعية في دارفور، في حين لم تستطع أن تقترب من (جورج بوش الابن) أو رئيس الوزراء البريطاني الأسبق (توني بلير) على الرغم من إدانتهما واعترافهما بغزو العراق بناء على معلومات خاطئة، والتسبب عن عمد في قتل وتشريد الآلاف من أبناء الشعب العراقي.
وهو ما دعا العديد من الدول إلى الانسحاب تباعا من المحكمة، حيث أعلنت روسيا منذ أيام انسحابها، ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمرًا، يقضي بإيقاف المشاركة في اتفاقية روما، لتلحق بـ (بورندي) التي أعلنت انسحابها في 12 أكتوبر الماضي، معتبره «أن المحكمة مجرد أداة سياسية لاضطهاد البلدان الإفريقية» ثم تبعتها (جنوب إفريقيا) التي أعلنت انسحابها في 22 أكتوبر الماضي أيضا، مؤكده «أنها وجدت أن التزاماتها بإيجاد حلول سلمية للصراعات، لا تتفق مع تفسير المحكمة الجنائية الدولية، والالتزامات المدرجة في اتفاقية روما» ثم أعلنت (جامبيا) أيضا انسحابها في 26 أكتوبر، متهمة المحكمة أنها «قوقازية دولية، لملاحقة وإذلال الملونين وخاصة الأفارقة، وتتجاهل كل جرائم الحرب التى ترتكبها دول غربية فى كثيرا من بقاع العالم».
الغريب، أن ذلك يحدث على الرغم من أن دول القارة السمراء تمثل الأغلبية بين الدول المشاركة في المحكمة، حيث انضم إليها 34 دولة إفريقية من أصل 124، وهو من المفترض أن يجعل منها الأكثر تأثيرا في عمل واختصاصات المحكمة، إلا أن ما حدث، أن تلك الدول وجدت نفسها الأكثر استهدافا، مما جعلها تقدم واحدة تلو الأخرى على الانسحاب، وهو ما سيضعف من شأن المحكمة، بل ويهدد بانهيارها، ولاسيما وأن هناك كثيرا من الدول رفضت الانضمام لمعاهدة روما، وأخرى رفضت التوقيع أو التصديق عليها، بسبب المخاوف من قوة المحكمة المفرطة، وتعارضها مع السلطة القضائية الداخلية للبلاد.
أؤكد أن عدم كف الدول الكبرى عن استخدام المنظمات الدولية كـ«عصا» لضرب الدول الفقيرة والكيل بمكيالين، سوف يؤدي خلال سنوات قليلة إلى زيادة سياسة الانسحابات منها جميعا، كما يحدث الآن مع «الجنائية الدولية» وهو ما قد يؤدي بالتبعية، إما إلى إصلاح سياسة تلك المنظمات بحيث، يكون كل هناك مساواة بين كل دول العالم فى الحقوق والواجبات، أو انهيارها والانحدار إلى فوضى دولية لا صوت فيها يعلو فوق صوت القوة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة