عودة الاعتدال والممانعة

الخميس، 16 مارس 2017 11:32 ص
عودة الاعتدال والممانعة
إيهاب عمر يكتب

عقب نهاية الحرب العالمية الثانية جرى اتفاق غير مكتوب بين القوى العظمى، أن خسائر الحرب العظمى المباشرة عادة ما تكون أكبر من خسائرها وأنه يفضل الانتقال إلى لعبة الحرب بالوكالة فيما أطلق عليه الحرب الباردة.
 
هي باردة في موسكو وواشنطن ولندن وباريس وبرلين، ولكنها ساخنة ومشتعلة في أغلب دول العالم، سلسلة من الحروب الأهلية داخل البلد أو الإقليم وآخر المستفيدين هم الأطراف المباشرة، فالمستفيد هو المحرك الدولي لهؤلاء اللاعبون الإقليميين والمحليين.
 
وفي الشرق الأوسط كان هنالك حرب أهلية بطول وعرض الإقليم خلال الحرب الباردة، بين التيارات الشيوعية والقومية العربية ثم الانفتاح النيوليبرالي والإسلاميين، وناصريين وبعثيين، وأكراد ودروز، وغيرهم.
 
وعقب هدنة كلينتون اشتعلت الحرب الإقليمية مرة أخرى بمجيء بوش الابن، منذ نهاية عام 2000 حتى اليوم، وعلى ضوء هذه الحروب انقسمت المنطقة إلى معسكرين كبيرين، أطلق على الأول محور الممانعة، ويضم إيران وسوريا والسودان وقطر وحزب الله مع قوى 8 آذار في لبنان وحركة حماس وحركة الجهاد في فلسطين والحوثيين في اليمن، وقد انضم إليهم في بعض الفترات تركيا والعراق على يد حكومتها الموالية لإيران.
 
وفي المعسكر الآخر المسمى محور الاعتدال كان هنالك مصر والأردن والامارات والسعودية والكويت والبحرين وقوى 14 آذار في لبنان، ولم تكن إسرائيل بعيدة عن هذا المحور ولا الولايات المتحدة الأمريكية، رغم الخلافات مع بعض الأطراف داخل المحور وبعض الخطوط الحمراء خاصة التي وضعتها مصر مبارك وحكومة رفيق الحريري في لبنان.
 
أتت سنوات أوباما والربيع العربي (2011-2016) وفككت المحورين، حيث التقت وتفرقت المصالح بين البعض، وقد حاول أوباما تشكيل محور اعتدال في بعض المراحل دون جدوى، والحاصل أن سنوات الربيع العربي أجبرت محور الاعتدال على أن يصبح محورًا اسلاميًا سنيا غادرته مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، بينما تحول محور الممانعة إلى محورًا إسلاميًا شيعيًا جعل السودان تنحاز إلى السعودية، وتشارك في عملية الحزم السعودية في اليمن ضد الحوثيين وحلفائهم.
 
اليوم بعد رحيل أوباما، وبدء العد التنازلي لتفكيك الدولة الإسلامية في الموصل العراقية ودير الزور والرقة في سوريا، واللهجة المتشددة حيال إيران وتصاعد الصوت الإسرائيلي حيال حزب الله مرة أخرى، بدأت عملية تشكيل جديدة للمحورين، حيث أصبحت إيران تضمن تحالف سوريا والعراق ولبنان (رغم محاولات قوي 14 آذار وصف المشهد بعكس ذلك) واليمن (نظرًا لأن الحاكم الفعلي لأغلب مناطق اليمن اليوم هو حلفاء إيران) كما أن السودان تتقرب رويدًا رويدًا لطهران مرة أخرى.
 
وبالطبع تبدو مكاسب إيران من سنوات بوش الابن – أوباما أكبر بكثير من مكاسب الفريق الآخر، كسبت إيران كلا  من العراق ولبنان واليمن دفعة واحدة، مقابل خسارة غير مؤكدة لبعض الأقاليم السورية.
 
أما المعسكر الآخر فهو متشرذم، واغلب الظن ان من سوف يشكل محور الاعتدال سوف يكون البيت الأبيض بمشاورة إسرائيل، حيث يحاول دونالد ترامب أن يلملم المحاور المتنافرة، المحور الإسلامي السعودي – التركي الضالع بقوة في ملاعب الربيع العربي، والمحور المصري الإماراتي الذي يتحرك ضد استخدام الإسلام السياسي في اليمن وسوريا وليبيا والعراق، والمحور الخليجي التقليدي الكويتي – البحريني الذي يتحرك خلف السعودية من واقع حسابات تعود بعضها إلى الحرب العالمية الاولي، بالإضافة إلى قطر التي تحاول بصعوبة إيجاد موضع قدم في حسابات ترامب.
 
تهديدات إسرائيل وسياسات أمريكا (ترامب) قامت بإحياء محور الممانعة ولكن حتى الآن غير معروف الأسس التي سوف يشكل بها ترامب محور الاعتدال في الشرق الأوسط، هل الأمر متعلق بسياسات تلفظ الإسلام السياسي فحسب؟ أم يتعدى الأمر إلى ناتو عربي يتم وضعه في وجه إيران على أن يتم افتعال أزمة بين الناتو العربي ومحور الممانعة من أجل اندلاع حرب إقليمية.
 
والى أي مدى هذه الدول مستعدة للذهاب إلى حرب مع حلفاء إيران؟ أم سوف نرى في المنطقة زعامات بثقل الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران الذي شارك في الائتلاف الدولي لتحرير الكويت من الغزو العراقي رغم عدم اتفاقه مع أهداف جورج بوش الاب ومارجريت تاتشر، ولما سئل عن ذهابه إلى التحالف رغم عدم موافقته قال من أجل فرملته من الداخل وهو ما قام به بالفعل عبر التحالف مع مصر (مبارك) وسوريا (حافظ الأسد)، فهل تقبل بعض دول المنطقة بالناتو العربي من أجل فرملته من الداخل؟
 
ختامًا هذا الغموض في فكرة إعادة تشكيل محور الاعتدال أو الناتو العربي يلازم بوجه عام العام الأول من حكم الرئيس الأمريكي أيا كان، حيث يعتبر عامه الأول هو لرسم الاستراتيجيات والمخططات قبل بدء التنفيذ بداية من أول سبتمبر في عصر الرئيس الأمريكي.
 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة