أدوات قطر في مراوغة أزمتها

السبت، 17 يونيو 2017 05:12 م
أدوات قطر في مراوغة أزمتها
معتز بالله عبد الفتاح

يقول محللو السياسة الخارجية للدول إن كل دولة لها أدوات تستطيع من خلالها تحقيق أهدافها. هذه الأدوات عادة هي أولا، الأداة الدبلوماسية بشقيها الرسمي والشعبي، ثانيا أداة المعونات الاقتصادية والعسكرية والإعلامية، ثالثا أداة العقوبات الاقتصادية والعسكرية والإعلامية، رابعا أداة العمل الاستخباراتي سواء ارتبطت بالتجسس أو التخريب أو التدخل في توجيه سياسات الغير أو الحرب النفسية سواء باستخدام الإعلام التقليدي أو الإعلام غير التقليدي، أو خامسا، الأداة العسكرية من الحد الأدنى من الاستعداد والتعبئة العسكرية والتدخل المحدود إلى الحرب الشاملة. 
 
هذا هو الجزء النظري والعام، أما بالتطبيق فإن قطر بدلا من أن تسعى إلى تصحيح مسار سياساتها فإنها تمضي مستخدمة الأدوات الخمس السابقة من أجل أن "تهرب إلى الأمام."
 
على المستوى الدبلوماسي، قطر تبذل جهدا دبلوماسيا كبيرا للعب دور الضحية ورسم صورة عن نفسها وكأنها وقعت فريسة لحصار ظالم من الدول المحيطة بها. وبدا وكأنها حققت نجاحات سريعة بالتقرب من من إيران وتركيا وفرنسا وأمريكا وألمانيا وروسيا حتى قامت دول التحالف الخليجي المصري بتسيير نفس الاداة في الاتجاه المضاد ثم انهالت الانتقادات على قطر من مسئولين أمريكيين ثم تراجع لفظي واضح في قول الرئيس التركي: ""إن دعمنا لقطر ليس بديلا لعلاقاتنا مع الدول الأخرى، ونحن عازمون على مواصلة تطوير علاقاتنا وتعزيزها في كل المجالات مع جميع دول الخليج وعلى رأسها السعودية".
 
وعلى مستوى أداتي المعونات والعقوبات فإن قطر سعت مباشرة إلى قطع أي معونات تقدمها تقليديا للدول التي قاطعتها لدعمها للإرهاب مثل تشاد التي سارعت بسحب سفيرها من الدوحة. كما أن قطر سحبت قواتها من الحدود بين جيبوتي وارتريا على أثر تخفيض جيبوتي لتمثيلها الدبلوماسي في الدوحة. 
 
ومن ناحية أخرى فإن الدعم القطري للاقتصاد الأمريكي والدعم الأمريكي للجيش القطري على صغره يأتي في سياق اعطاء الانطباع بأن الولايات المتحدة حليف قطر وأن انتقادات الرئيس الأمريكي لقطر لن تؤثر على العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين. وهو ما حدث حين تباهت قطر بصفقة شراء مقاتلات "إف-15" من الولايات المتحدة بقيمة 12 مليار دولار وكأنه دعم أمريكي مباشر من واشنطن لقطر في خلافها مع التحالف المصري- الخليجي. 
 
وبحكم القرب الجغرافي، تسعى قطر لتوطيد التحالف مع ايران. وهو تحالف كان سريا أو على الأقل غير معلن حتى أعلنت إيران دعمها المباشر والصريح لقطر ثم أعلنت عن إرسالها خمس طائرات تنقل كل منها قرابة 90 طناً من المنتجات الغذائية والخضار إلى قطر.. وطائرة سادسة في الطريق. 
 
ويأتي رابعا أدوات الاستخبارات القطرية والمتحالفة فيها مع مخابرات اسرائيلية وايرانية وتركية وغربية للتنسيق في ما بينها للنيل من استقرار الدول العربية بدعم حماس ضد السلطة الفلسطينية، دعم الشيعة ضد الحكومة في البحرين، دعم الحوثيين ضد الحكومة الشرعية، دعم الإخوان ضد الجيش الوطني في ليبيا، دعم حزب الله ضد الدولة اللبنانية. وكجزء من شن الحرب الإعلامية والنفسية على الشعوب فإن قناة الجزيرة توفر ساحة مفتوحة لقوى متطرفة و دعامة للإرهاب تحت شعار "الرأي والرأي الآخر" بل تبث رسائل مباشرة أحيانا ومبطنة أحيانا للنيل من شرعية النظم الحاكمة مستخدمة أصوات تخرج عن إطار المعارضة الوطنية للدول المعنية. 
 
ويأتي خامسا استخدام الأداة العسكرية ليس بهدف صد عدوان أو إعلان حرب، وإنما خوف النظام القطري حول انقلاب قصر محتمل يجعل استقرار حكم الأمير والجناح الذي يمثله من العائلة موضع تساؤل. 
 
ومن هنا أعلن مصدر مسؤول  إن الولايات المتحدة "ترصد نشاطا عسكريا قطريا متزايدا" وأن قطر وضعت قواتها "في أعلى درجات التأهب". وتابع المصدر بالقول إن الجيش القطري استدعى 16 دبابة طراز "ليوبارد" من مخازنها في الدوحة.
 
كما طلبت قطر من تركيا إرسال قوات للمشاركة في حماية النظام القطري، ووافق البرلمان التركي على إرسال حوالي 3 آلاف جندي. كما لا تزال هناك قاعدتان عسكريتان أمريكيتان في قطر فيهما 11 ألف جندي بما يجعل قطر أكثر دول الخليج استقبالا لقوات أجنبية على أراضيها. 
 
ما الذي يعنيه كل ما سبق: 
أولا، قطر تراوغ وترفض الاعتراف بأنها تدخلت وتتدخل في شئون الدول الأخرى رافعة شعار "رفض وصاية الأخرين عليها." والسؤال: لماذ يقبل الآخرون "وصاية قطر" عليهم؟
 
ثانيا، الوقت عدو قطر. القطر هي التي في عجلة من أمرها لأن نزيف مواردها لا يتوقف. 
 
ثالثا، الإدعاء بأنها أزمة خليجية تحل داخل الأسرة الخليجية كلمة حق يراد بها باطل. قطر بالفعل "دولت" الأزمة وجعل كافة القوى الدولية الهامة طرفا مباشرا في الأزمة، وعليه فلا بد أن يستمر التحالف المصري – الخليجي في تدويل القضية القطرية حتى تنصاع قطر للمعايير الدولية ولتكن البداية بإلزام قطر بآلية دولية لمراقبة مساعداتها المالية وتدفقاتها النقدية حتى لا تصل إلى الإرهاب والإرهابيين. 
 
قطر تحفر بئرا عميقا، وكلما استشعرت خطرا مما تفعل، حفرت أكثر، ولا تفكر كيف ستخرج منه.  

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق