الاقتصاد المصري والخيار الصعب للإصلاح

الجمعة، 30 يونيو 2017 01:05 م
الاقتصاد المصري والخيار الصعب للإصلاح
عادل السنهورى يكتب:

مثل المريض الذى استنفذ كل مرات العلاج بالمسكنات وترحيل العملية الجراحية الضرورية للشفاء الى اشعار آخر.. كان هذا هو حال ووضع الاقتصاد المصرى طوال الـ40 عاما الماضية. لم يجرؤ أحد فى أعقاب 18 و19 يناير 77 من الاقتراب لاجراء الاصلاح الاقتصادى الفعلى والحقيقى بعد التحول من الاقتصاد الاشتراكى الى الانفتاح الاقتصادى وابتاع سياسات السوق الحر والمفتوح. وقيت سياسات العلاج بالمسكنات هى السائدة منذ عصر الرئيس السادات وحتى زمن الرئيس مبارك بحجة الخوف من الغضب الاجتماعى ودون المواجهه الحقيقية والمكاشفة والمصارحة بالأوضاع الاقتصادية لمصر التى صارت من سيئا الى اسوأ رغم بعض التحسن الظاهرى فى بدايات الألفية الثانية وتحسن معدل النمو الخادع والذى لم تنعكس آثاره على غالبية الشعب المصرى من الشرائح الاجتماعية الفقيرة ومحدودة الدخل والمتوسطة. وبدون اجراء حزمة الاجراءات الحمائية لهذه الشرائح لمواجهه الآثار السلبية لخطط هيكلة الاقتصاد وتخلى الدولة عن دورها الاجتماعى طوال 30 عاما.
 
 والنتيجة أن سياسات الاصلاح لم يجنى ثمارها سوى طبقة محدودة من الأغنياء والأثرياء واصحاب النفوذ والأقارب والمحاسيب، ودفع ثمنها باقى فئات الشعب مع استمرار سياسة المسكنات والخداع بشعارات النمو  والنهوض وأن مصر اصبحت نمر اقتصادى على النيل" الى آخر هذه الشعارات التى اتبعها النظام السابق مع الشعب دون اجراء اصلاح اقتصادى حقيقى لعلاج الاختلالات الرهيبة فى كيان الاقتصاد المصرى والتى أدت الى تغلغل الفساد فى جسده المترهل والمتعب وتحمله أعباء سياسات اقتصادية خاطئة أدت الى زيادة الأعباء المعيشية وارتفاع معدلات الفقر الى أكثر من 40% وزيادة معدلات البطالةواستحواذ طبقة الـنصف فى المائة على مجمل الأنشطة الاقتصادية فى مصر وتجاوز الدين المحلى حدود الخطر وارتفاع فى حجم الدين الخارجى دون وجود مشروعات تنموية فعلية كبرى تفتح باب الامل فى تحسن الأوضاع.
 
هنا يلح السؤال ، هل كان من الضرورى بعد ثورة 30 يونيو وتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الحكم اجراء الجراحة اللازمة والعلاج المر للاقتصاد المريض من خلال برنامج اصلاح اقتصادى يتخذ القرارات الشجاعة و يراعى البعد الاجتماعى ييرامج الحماية الاجتماعية لتخفيف الآثار الجانبية لخطة الاصلاح على الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل التى تمثل غالبية الشعب المصرى.؟
أم كان الأفضل والمريح لنظام الحكم الجديد الاستمرار فى سياسة " المسكنات" وترحيل وضع المريض لجراح آخر .؟
 
ما أكتبه هنا ليس تبريرا للقرارات الاقتصادية المؤلمة الأخيرة برفع أسعار المحروقات للمرة الثالثة فى 3 أعوام، والتى أعرف وأدرك تماما أن تأثيرها سيكون قاسيا وصعبا على الحياه المعيشية لشرائح اجتماعية عديدة، وهو ما يجب اتباعه بالتوسع فى حزمة برامج الحماية الاجتماعية، حتى يصل الدعم الى مستحقيه فعلا، والبدء فورا فى تعميق الاصلاحات فى السياسة الضريبية وعلاج الخلل فيها وارتفاع مساهمة الحصيلة الضريبية فى الناتج القومى بزيادتها على الأرباح التجارية والصناعية حتى يشعر المواطنون بأن الأعباء الاقتصادية تتوزع بالمساواه على الجميع.
 
الرئيس السيسى اختار الطريق الصعب فى الاصلاح الاقتصادى الشامل بقرارات جريئة وبمشروعات تنموية كبرى فى كافة أنحاء مصر  تحقق النمو والتقدم خلال سنوات قليلة، معتمدا على وعى الشعب المصرى وتحمله تلك القرارات الصعبة والعلاج المر  بالصبر والعمل والأمل فى المستقبل القريب.
 
كان لابد من التدخل الجراحى لانقاذ الاقتصاد المريض الذى كاد ان يعلن افلاسه ووفاته بعد ان تكاثرت عليه الأزمات وجفت منابعه ومصادر انعاشه فى السياحة والاستثمارات وتحويلات المصريين فى الخارج والضرائب وانخفاض دخل قناة السويس ثم تبع ذلك عام الاخوان الأسود الذى نسى بعضنا كيف كانت الظروف الاقتصادية الصعبة وأزمات الطاقة والكهرباء ورغيف الخبز وتدنى مستوى الاحتياطى النقدى الى مرحلة الخطورة وكان معظمه عباره عن ودائع قطري قدرت بحوالى 7 مليار دولار من اجمالى 11 مليار دولار هو حجم الاحتياطى الاجنبى لمصر فى زمن الفاشية الدينية.
 
لم يضع الرئيس فى حساباته وهو فى بداية الطريق الشاق والصعب للاصلاح مدى تآثر شعبيته بالقرارات الشجاعة التى لم يعتادها الشعب المصرى لأنه وفق رؤيته يعمل لصالح النهوض بمصر  بقرارات مدروسة وبمشروعات فى كل اتجاه سيجنى ثمارها الشعب المصرى كافة فى القريب العاجل. ولم يبيع وهما للناس بل كان واضحا وصريحا وشفافا فى كل لقاء وواجهه الناس بالحقائق دون مواربة.
 
وربما تكون القرارات الأخيرة هى الاصعب على الاطلاق فى مرحلة الاصلاح الاقتصادى، الا أن المؤشرات  الايجابية للوضع الاقتصادى فى مصر تفتح باب الأمل على مصراعيه فى ان القادم أفضل وأن الخير قادم ايضا وأن المؤسسات الدولية المتخصصة لديها نظرة تفاؤل بمستقبل الاقتصاد المصرى وتضنيف مصر الائتمانى يتحسن من شهر الى آخر بما يعكس ثقة المستثمرين فى بيئة الاستثمار فى مصر  وصعود مصر ضمن أقوي 60 اقتصادا على مستوى العالم بعد النظرة الإيجابية لعدد من وكالات التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري والتي رأت أن الدولة المصرية ستبدأ جني ثمار ما تم تنفيذه من مشروعات البنية الأساسية والطاقة والإسكان الاجتماعي والطرق وبرامج الحماية الاجتماعية خلال العام الجاري.
 
الخير قادم بقليل من الصبر والتحمل ومواجهه التحديات. والفترة القادمة ستشهد تحسنا كبيرا في الاقتصاد المصري خاصة بعد حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لإصلاح بنية الاقتصاد وتوفير بيئة مناسبة للاستثمارات، لأن هناك العديد من البشائر التي تدعو إلي التفاؤل بمستقبل الاقتصاد الوطني وسيشعر المواطن بعوائد الإصلاح الاقتصادي قريبا، لأن قطاع البنية التحتية في مصر يشهد طفرة حقيقية خلال الفترة الحالية وسيمثل العمود الفقري للتنمية الشاملة في أنحاء المحروسة. 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة