⁠⁠⁠⁠⁠ثقافة تثبيت أركان الدولة المصرية

الإثنين، 07 أغسطس 2017 10:51 ص
⁠⁠⁠⁠⁠ثقافة تثبيت أركان الدولة المصرية
إيهاب عمر يكتب

أن تأتي متأخراً خير من ان لا تأتي ابداً، هكذا شعرت حينما حضرت جلستي "الدولة الفاشلة" بمؤتمر الإسكندرية، اذ ان الدولة تأخرت كثيراً في شرح هذه الاستراتيجية للشعب، وكنت أرى حتمية ان تقدم لرجل الشارع جنباً الى جنب مع استراتيجيات حروب الجيل الرابع، لان كلاهما يسعى للهدف ذاته.
 
ولا يخفى على أحد ان اغلب بنود استراتيجيات افشال الدولة قد شرحت بالفعل عدداُ من مفكرين مصريين منذ عام 2011 لليوم، ولعل التوصية الختامية بحتمية البدء في تثبيت اركان الدولة المصرية هي الأخرى ليست بالفكرة الجديدة، فقد سبق و نادي عدداً من المفكرين بهذا التوجه الاستراتيجي.
 
وسبق وناديت بنفس الفكرة بعنوان "تأسيس جمهورية قابلة للحياة أمام كل المتغيرات المستقبلية المتوقعة" في مقال سابق بعنوان "مصر ما بعد ترامب" بتاريخ 28 يناير 2017، خصوصاً انى أرى الهدوء الجاري بين مصر وآليات المؤامرة وان صنفته بالانتصار الباهر على المؤامرة في عدداً من اشد جولاتها، الا ان هذا الهدوء بصيغة عسكرية يمكن ان اسميه "هدنة ترامب".
 
وفى المقال المشار اليه تحدثت حول "تجفيف منابع المؤامرة"، وأكمل اليوم الحديث بالقول انه لا سبيل للقضاء على الحواضن الشعبية للمؤامرة الا بالقطاع الثقافي، وان معركة السلاح والسياسة وحتى الاقتصاد دون استراتيجية صحفية وثقافية واعلامية سوف تجعل كافة مكاسب المعارك الأخرى قابلة لتبديد.
 
أولى جولات انتاج الدولة الفاشلة وخلخلة اركان الدولة المصرية ليست بالعمل الإرهابي في سيناء، او التلاعب بالدولار في الأسواق السوداء، او تسخين الشعب على دولته لملء ميادين الثورة، ولكن غياب الروح الوطنية في العملية التربوية، وغياب تاريخ مصر الحقيقي عن اذهان الشباب والنشء، ما سهل للعدو ان يحقن الوعي المصري بديباجات تاريخية كاذبة تكسب يوماً بعد يوم مساحات في الرواية الشعبية التي يعتمدها الشعب المصري باعتبارها الحقيقة المطلقة بغض النظر عن كافة الحقائق التي تملأ كتب التاريخ.
 
والى جانب الروايات التاريخية البديلة التي تخدم المؤامرة واغتيال الوعي الثقافي للشعب، وبث روح الكراهية للوطن والشعور بالدونية واحتقار الذات امام كل ما هو غير مصري، هنالك تلك المظلومية التاريخية الاجتماعية سواء للمحافظين او الإسلاميين او حتى التي يعشق عامة الشعب ان يتدثر بها.
 
البعض لا يتصور ان هذه هي بداية الإرهابي، بينما هذه التعاليم وتلك الديباجات والروايات الشعبية في بعض الأحيان تلعب دور أكبر من دول مؤلفات حسن البنا وسيد قطب او المناهج التعليمية لتنظيم الاخوان وغيره من تنظيمات إرهاب الإسلام السياسي، الفكر المحافظ الاجتماعي الذى استمد تطرفه الاجتماعي من الحواضن الشعبية والريفية اشد قسوة من تصنيع الإرهابيين على يد الفكر المحافظ المؤدلج، والنتيجة مرجعية محافظة لكافة التيارات الموجود على الساحة، بل انى أرى قسطاً كبيراً من مؤيدي الدولة لديهم نفس المرجعية المحافظة.
 
هذه المعركة التي اسميها تجفيف منابع المؤامرة داخل المجتمع المصري لن تقضى عليها جلسات شرح استراتيجيات افشال الدولة وحروب الجيل الرابع، و آمل ان مجهودات شرح استراتيجيات الدولة الفاشلة لا تفضى الى نفس ما آل اليه عمليات شرح حروب الجيل الرابع والتي أصبحت سبوبة لكل عاطل وفاشل للحديث عنها حتى ان البعض اصبح يصنف نفسه باعتباره خبيراً في حروب الجيل الرابع!
 
ولكن الحل هو ان يتلقى النشء منذ الصغر الحقيقة بأشراف الوطن، وذلك عبر منهج عتيد لمادة التاريخ، لا يكتفى بمقدمات ولا فقرات مبسطة عن التاريخ، بل يقدم رؤية شاملة لتاريخ مصر، مع التركيز على النقاط التي تستغلها المؤامرة والرد عليها.
 
تاريخ إرهاب الإسلام السياسي يجب ان يدرس في مادة التاريخ، فلا يعقل ان نرى البعض فوق الأربعين من العمر لم يكن يعرف إرهاب الاخوان قبل سنوات الربيع العربي بداية من عام 2011، لا يعقل الا يعرف البعض حتى اليوم تفاصيل ما جرى من حوادث إرهابية في سبعينات وثمانينيات وتسعينات القرن العشرين، او مؤامرات هذه التنظيمات حيال مصر منذ تأسيس التنظيم الام عام 1928 حتى اليوم.
 
وبالإضافة الى تدريس تاريخ الإرهاب الإسلامي، يدرس تاريخ مصر القديمة بداية من عصر ما قبل الاسرات، مروراً بالحقبة البيزنطية والفارسية والرومانية، مع رؤية خاصة لسنوات زحف الدين المسيحي لمصر، والآثار القبطية لهذه المرحلة من فكر وثقافة وفن وشهداء وتضحيات، ثم المرحلة التالية في تاريخ مصر حينما تحولت الى درع للشرق امام غزوات الغرب في سنوات الدولة الايوبية ثم المماليك، قبل الوصول لأسرة محمد على ثم قيام الجمهورية المصرية.
 
ويجب تدريس تاريخ رؤساء مصر دون ان تصبح سيرته مجرد بنود في أربع سطور، ويصبح التأميم والعدوان الثلاثي فقرة في كتاب التاريخ حتى ان بعض المتآمرين على مصر اليوم يتأوهون بأن التأميم لم يحدث!، ثم دراسة شاملة لحرب أكتوبر 1973 وكيف انتصرنا.
 
ثم النقطة الأهم الا وهو الاتفاق البروتوكولي الذى ينهي أي حرب بين طرفين وكيف ضخم أعداء مصر في الخارج بدعم صهيوني و ادعاء مصر في الداخل مثل الاخوان و اليساريين – وكلاهما ذو مرجعية محافظة – الحدث باعتباره خيانة للوطن رغم انه لا يوجد حرب عبر التاريخ الا و انتهت باتفاق يضمن فيه الطرف الرابح مكاسبه يكملها من الطرف الخاسر وبرعاية دولية كما جرت العادة منذ اتفاقيات ما بعد الحروب النابليونية حتى اليوم، ولكنهم استغلوا جهل الناس بالسياسة و دشنوا اجيالاً تنظر الى انتصار دبلوماسي باعتباره خيانة، كأنما كان يجب على الوطن ان يترك سيناء تلاقى مصير الجولان السوري والأراضي الفلسطينية حتى يرضى عنها المتآمرين على مصر داخلياً وخارجياً.
 
ومع تاريخ الإرهاب، وتاريخ الحضارات المصرية، يجب ان يكون هنالك دراسة لتاريخ التنمية في مصر وتحديداً جهود حكومات الجمهورية المصرية، وذلك رداً على المظلومية الاجتماعية إياها، مع مقارنة أسعار السلع الرئيسية في مصر وأسعار الخدمات العامة مع مثيلاتها ليس في دول الشمال بشرقها وغربها فحسب ولكن حتى مع الدول العربية.
 
وبالإضافة الى ما سبق، يجب تطوير مادة التربية الدينية الى خطاب مضاد صريح لأبجديات الإسلام السياسي، رداً على ديباجات التفكير وكراهية الآخر وسفك الدم، بعبارات واضحة لا لبس فيها، لأنه لا يمكن لمن يريد تثبيت اركان الدولة المصرية الا يقدم للعقلية المصرية خطاب ديني ينفي كل الهزليات التي يضخها الإرهابيين في عقول البعض بان المسيحي كافر او نجس او مستباح في ظروف او أوقات بعينها.
 
ولأن الفنون تساهم في ترقية النفوس والفكر، فلا يمكن ان تغيب حصص الموسيقى والرسم وفرقة التمثيل وحصة المجهود والاستعارة من المكتبة والتدبير المنزلي، ومجلة المدرسة بكافة فنون التعبير والكتابة، بالإضافة الى الرياضة.
 
إن هذه الأنشطة التي لا يخلو منها نظام تعليمي يقدم للمجتمع جيل سوي، لا تحتاج الى ميزانية بقدر ما هي بحاجة الى عقلية إدارية تتفهم أهمية هذه الحصص وحتمية وجودها في الجدول الدراسي حتى لو وصل الامر الى مد العام الدراسي ليصبح على مدار العام، نحن خوض معركة وجود حقيقة فلم يسبق للامة المصرية ان خاضت مواجهة مع مؤامرة تستهدف نسف وجودنا عبر التاريخ والجغرافيا كما يجري اليوم.
 
أما وزارة الثقافة فان عليها ان تقدم تلك المواد في كتب بأسعار معقولة، تماماً كما كانت الدولة ترعى التنوير يوماً بمشروع القراءة للجميع ومكتبة الاسرة، حينما كانت الاسرة المصرية تقتني أمهات الكتب، وان تعقد الندوات والمهرجانات الثقافية الدورية في كافة المحافظات المصرية لمناقشة هذا الإرث التاريخي والفكري والديني، فلا يكفي ان تقوم الوزارة بدورها في نشر وتوزيع التراث فحسب، بل و رعاية ندوات حية مستدامة تقدم للحضور الصورة الحقيقية عن الدولة والشعب والجيش التي يجب ان يعرفها كل مصري.
 
أما أجهزة الدولة الصحفية والإعلامية، ممثلة في المجلس الأعلى للصحافة والاعلام، والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للأعلام، فأن هذا المنهج يجب ان يبث عبر شاشات التلفزيون في برامج خاصة به، سواء تلك الوقائع التاريخية او السياسية والتنموية والدينية، وايضاً على صفحات الجرائد لا يكفي ان تصبح الصحافة المصرية مجرد وعاء خبري دون ان يقدم صفحات من التاريخ والدين والسياسة بشكل مكثف عن الحال اليوم.
 
إذن المطلوب برنامج دراسي ومادة التاريخ إجباري على جميع الصفوف والاقسام من وزارة التربية والتعليم وزارة التعليم العالي، مطلوب برنامج نشر وطبع وتوزيع وندوات دائمة من وزارة الثقافة، مطلوب تعبئة هذه المواد في اوعية صحفية واذاعية وتلفزيونية عبر المجلس الأعلى للصحافة والاعلام.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة