النظام العالمي الجديد.. الملامح والأهداف

الأربعاء، 03 يناير 2018 04:08 م
النظام العالمي الجديد.. الملامح والأهداف
رحاب الدين الهواري يكتب:

الحلقة الثانية من سلسلة: من "النظام العالمي الجديد" إلى "الربيع العربي".. 20 عاما من المؤامرة الأمريكية

في أعقاب غزو العراق للكويت في أغسطس 1990م، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في حشد العالم لتحرير الكويت، ووقتها أدلى الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بتصريحات قال فيها "إن المسألة ليست الدفاع عن دولة صغيرة وهي الكويت احتلتها دولة أكبر وهي العراق، ولكنها دفاع عن النظام العالمي الجديد" وكانت هذه المقولة بمثابة بدء الإعلان الرسمي عن شعار المرحلة الجديد، وهو "النظام العالمي الجديد"، الذي لم يكن أحد يدرك كنهه في هذا الوقت، غير أن ملامحه قد بدأت في التبلور سريعا، حيث كانت منطقة الشرق الأوسط من الخليج لشمال أفريقيا هي مسرح فرض هذا النظام العالمي الجديد، ومقاومته أيضا بأكثر من أي منطقة أخرى، ويمكن من خلال رصد التحركات في هذه المنطقة قراءة ملامح هذا النظام العالمي، أول مراحل المؤامرة الأمريكية على المنطقة، وكيف تعاملت معه دول المنطقة في صراع امتد لعشرين عاما، قبل بدء حقبة ما عرف بالربيع العربي، نهاية المؤامرة الأمريكية.
 
غير أنه يجب أولا في عجالة رصد أبرز ملامح هذا النظام العالمي الجديد، الذي تم لاحقا صياغته في شعار الشرق الأوسط الجديد، حيث اعتمد هذا النظام في باطنه على وجود شرق أوسط مفكك على أسس عرقية وطائفية ومذهبية يشتبك الجميع فيه مع بعضه، بينما يتصالحون جميعا وربما يتحالفون أيضا مع إسرائيل، وفق الاستراتيجية الإسرائيلية القديمة لضمان استمرارية هيمنتها وتفوقها في المنطقة، وهو الأمر الذي لا يمكن أن ينجح إلا من خلال دعم جماعات الإسلام السياسي سواء سنة، كما الإخوان في مصر، أو شيعة، كما جمعية الوفاق في البحرين، من خلال استخدام شعار الديمقراطية، وحق تقرير المصير، في الخطاب الأمريكي الموجه لدول المنطقة.
 
وهكذا، وبسبب ظروف سقوط الاتحاد السوفييتي، بدأ المخطط سريعا في الظهور للعلن، فبعد تحرير الكويت؛ قدمت الولايات المتحدة مصطلح الديمقراطية لأول مرة لشعوب المنطقة، دون تفريق بين الدول التي يمكن أن تنجح فيها الديمقرطية والدول التي من الممكن أن تمزقها الديمقراطية، كما حدث في العراق على سبيل المثال الذي مزقته الديمقراطية الأمريكية، وبالطبع كان الهدف الأخير هو الأقرب للولايات المتحدة، وقد كانت بعض الدول لموقعها الجغرافي وتركيبتها السكانية هي الأقرب لتنفيذ هذا المخطط، أي فرض النظام العالمي الجديد، فعلى سبيل المثال كانت البحرين أحد أهم الدول التي كانت الأرض فيها ممهدة لبدء تنفيذ المؤامرة، ذلك أنه بعد عدة أشهر من تحرير الكويت بدأت الساحة السياسية البحرينية تتحرك على مستوى النخبة، وبدأ الجميع يتحدث عن "موجة الديمقراطية" التي ستعم المنطقة بعد تحرير الكويت، وذلك بعد ازدياد الحديث عن "النظام العالمي الجديد"، وتصادف هذا مع عودة رجال الدين الشيعة "البحرينيين" من مدينة قم "المقدسة" في إيران إلى البحرين مرة أخرى، منهم على سبيل المثال لا الحصر علي سلمان، بعد أن تلقوا الدراسة الدينية في الحوزة الإيرانية، أو بمعنى أدق تلقوا تعاليم زعزعة الاستقرار في البحرين، وهكذا بدأت الاتصالات تتم بين الجميع لزعزعة الاستقرار في البحرين، فمن جهة كان رجال الدين الشيعي تحركهم وتباركهم إيران، بينما كانت القوى الليبرالية والعلمانية تحركها الولايات المتحدة، التي لم يكن حتى من الصعب عليها أن تجد الأعوان من التيار الإسلامي، كما استخدمته في مصر ولعبت به طوال حقبة التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهكذا تلاقت المصالح في البحرين بعد سنوات قليلة من الحديث عن النظام العالمي الجديد؛ ليبدأ التحرك الفعلي نحو مخطط إسقاط الدولة، التي لم تكن تمثل إلا بداية لإسقاط مجلس التعاون الخليجي، الذي كانت ترى فيه أمريكا خطرا على مخططها وفي المنطقة، القائم على القطبية الأحادية، فبعد عام واحد وتحديدا في 1992 بدأ الحديث عن توقيع ما عرف بـ"العريضة الشعبية" التي استخدمت فيها كلمة "شعبية" لكسب شرعية غير حقيقة، ذلك أن شعوب المنطقة لم تكن يهمها الشعارات السياسية في ظل وجود قيادات عربية وخليجية وطنية تعمل بالفعل لصالح استقرار ورخاء شعوبها، وهي العريضة التي كشفت عن نواياها لاحقا عندما تطورت إلى أزمة 1994 التي ظلت مشتعلة، بدعم أمريكي- إيراني، حتى عام 1999.
 
ويجدر هنا القول إن المؤامرة الأمريكية في التسعينيات لم تكن منصبة فقط على البحرين، حيث كان المخطط يستهدف جميع الدول العربية، وبالطريقة نفسها التي جرت في البحرين، كما هو الحال في التحالف بين أمريكا والإخوان في مصر على سبيل المثال، لكن الدافع من تسليط الضوء هنا على البحرين، كنموذج جيد للدول التي عانت من المؤامرة الأمريكية من خلال دعم مرتزقة الديمقراطية وشعارات حقوق الإنسان وتصدت لها، هو أن مملكة البحرين كانت أكثر الدول قابلية لتنفيذ المخطط الأمريكي فيها، لكثرة التحديات الداخلية والخارجية فيها، فمن جانب هناك الولايات المتحدة وحلفائها في الداخل، ومن جانب آخر إيران وحلفائها في الداخل أيضا، وهو الأمر الذي يؤكد صلابة الدولة البحرينية، وقدرتها على مواجهة المؤامرة في ظل وجود صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء، الذي أدار الأزمة وتصدى للمؤامرة بحكمة فائقة، طوال سنوات التسعينيات، وفيما بعد 2001، مع توقيع ميثاق العمل الوطني البحريني، وظهور شعار جديد في خطة المؤامرة الأمريكية وهو مصطلح "الفوضى الخلاقة" الذي سيكون الحديث عنه بالتفصيل في المقال المقبل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة