استراتيجات التصدي لمؤامرة الربيع العربي.. البحرين نموذجا

السبت، 27 يناير 2018 04:46 م
استراتيجات التصدي لمؤامرة الربيع العربي.. البحرين نموذجا
رحاب الدين الهواري يكتب:

في مثل هذه الأيام من عام 2011، كانت المنطقة العربية على موعد مع رياح باردة هبت على جميع أنحائها، تحت مسمى "الربيع العربي"، وهي الحقبة التي خلفت في المنطقة فوضى أمنية وزلازل سياسية تعرضت لها أغلب دول المنطقة، التي لم تعد أبدا لسابق عهدها قبل 2011، تلك الدوحة الهادئة التي كانت قبلة العالم كله، من سائحين ومستثمرين وموظفين دوليين وفنانين وسياسيين.. الخ، حيث استبدلت المنطقة تقريبا كل ما كان فيها، فأصبحت الحرب هي السمة العامة لدولها، وابتليت المنطقة العربية بعدوى الفوضى السياسية، التي تصل في حالات كثيرة إلى فوضى أمنية؟

ليكون السؤال الآن وبعد مرور 7 سنوات كاملة على ما حدث، لماذا هوت دول تحت أنقاض رياح التغيير في 2011، بينما بقيت دول أخرى لم تتأثر بما حدث، بل ربما خرجت من الأزمة أقوى وأعتى؟

وبصيغة أخرى للسؤال، لماذا وصل الحال بدول مثل ليبيا واليمن وسوريا إلى أنها أصبحت اليوم تكافح من أجل وحدة أراضيها وإرساء نظام سياسي فيها عوضا عن الذي تهاوى في غفلة من عمر الشعوب؟

وفي المقابل أيضا لماذا صمدت دول صغيرة مثل مملكة البحرين، على الرغم من ازدواجية المؤامرة عليها في 2011؟

الإجابة تكمن في أسلوب بناء الدول، فالبناء على أسس راسخة وسليمة هو الذي يضمن للدولة البقاء ومواجهة مختلف التحديات، بينما البناء على أسس هشة أو أدوات مؤقتة لا يضمن تحقيق ذلك، وبالتالي فإن التعرض لأسلوب ونهج الأمير خليفة بن سلمان، الذي قاد الجبهة الداخلية، واستطاع التعامل مع الأزمة، واستراتيجياته وكيفية إدارته الدولة البحرينية، منذ عام 1971، يعين كثيرا في الإجابة على السؤال السابق، وهو لماذا سقطت دول وبقيت أخرى بعد حقبة الربيع العربي؟ 

وهذا هو أيضًا ما أكده الكاتب فلاديمير إي ريمر، في كتابه "السياسة والاقتصاد في التمرد في البحرين" والذي يسلط الضوء على صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء البحريني، كاشفا من حيث لم يرد، عن كيفية إدارة الدول على أسس سليمة، بحيث يمكن في هذه الحالة أن تتصدى لأية مؤامرات، طالما كانت الجبهة الداخلية محكمة الأواصر، تتمتع بنظام حكم محلي سليم، يحقق العدالة لجميع مواطنيه ، فضمن بذلك قوة للدولة وللمجتمع ومنذ وقت مبكر تضمن لهما التصدي لاي تهديد من خلال4 زوايا هامة في استراتيجية وفكر الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، جعلته أنجح شخصية سياسية في العصر الحديث، وهي:

أولا- البحرين للجميع:

الإنجاز الأول لصاحب السمو الملكي، هو أن جعل البحرين وطنا لكل البحرينيين، دون نظر لعرق أو لون أو جنس أو دين أو طائفة.

فالأمير خليفة بن سلمان آل خليفة شرع منذ بداية توليه منصبه في عام 1971م، في تنفيذ الخطط والاستراتيجيات التي تهدف إلى تسخير إمكانيات بلاده لخدمة الجميع وضمان العيش في تناغم والسعي لتحسين أحوالهم، ولم يتوان عن بذل أي جهد لإزالة العقبات التي قد تعترض طريق أي مواطن مخلص يرغب في السعي بجدية لضمان النجاح في المستقبل، وليس هذا فحسب بل إن سياسات سموه تقتضي ضمان احترام حقوق الأقليات العرقية والدينية وحقوق الإنسان بصفة عامة، خاصة حقوق النساء، والتي تعد مسألة خلافية لما تسمى "المعارضة الشيعية" التي تواصل معارضتها لقانون الأحوال الشخصية في البحرين، وهو أمر يصر على تجاهله المأجورون من المدافعين الدوليين عن حقوق الإنسان الذين يعنون بالأوضاع في البحرين،

ثانيا- بناء البحرين الحديثة :

كرجل دولة مخضرم لا تحد طموحاته أي حدود ، صاغ صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة تاريخ مملكة البحرين الحديث ولا يزال يواصل مساهماته الكبرى في نموها، فالنجاحات التي حققها عبر عقود من الزمن لا يمكن إنكارها، حيث استطاع الارتقاء بالمملكة إلى المركز الذي تتبوأه الآن كحاضرة مدنية في قمة التطور يعترف بها المجتمع الدولي كمركز مالي واقتصادي متطور وكذلك كمنبع للتعليم والثقافة والفنون في منطقة الخليج.

ثالثا- الإصلاح الذاتي:

عملية الإصلاح، لابد أن تكون ذاتية التصور والتخطيط والتنفيذ، وهو الأمر الذي آمن به صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان الذي حرص منذ السبعينيات على تطوير المنظومة الدفاعية الإقليمية، وفي نفس الوقت الاعتماد على مختلف أدوات القوة داخليا في التعامل مع التهديدات التي يكون مصدرها لاعبون محليون يحاولون استغلال الطائفية الدينية الخاضعة لأوامر خارجية، وعمل على ترجمة توجهاته إلى استراتيجيات وطنية في مجالات التعليم والصحة والإسكان وبرامج دعم الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، وفق مبدأ المساواة وبدون أدنى تفرقة بسبب المركز الاجتماعي أو الجنس أو المعتقدات الدينية.

رابعا- الاقتصاد أساس البناء:

الأداء الاقتصادي لصاحب السمو الملكي، يعتبر كلمة السر نحو بناء الدولة البحرينية الحديثة، فالمملكة وإن كانت فقيرة بالإمكانيات الطبيبعة، إلا أنها غنية بعقول أبنائها، وفي مقدمتهم صاحب السمو، والرؤية العميقة التي يتمتع بها .

ففي عام 1974، أي بعد بعد ثلاثة أعوام فقط من تولي الأمير خليفة بن سلمان رئاسة الوزراء، وصل عدد البنوك التجارية العاملة في البحرين إلى 14 بنكا، وبحلول عام 1975، تبوأت البحرين مركزها كعضو مهم في المجتمع المصرفي العالمي، وفي 1985، تبنى رئيس الوزراء نظام البنوك الإسلامية في خطوة عززت من مركز البحرين كعاصمة مالية سريعة النمو تمارس نشاطها في إطار نظام اقتصادي هو الأكثر تحررا في الشرق الأوسط.

هذه الرؤية الصائبة  أحدثت قفزة في مجموع أصول البنوك الإسلامية في البحرين من 4,9 مليار دولار عام 2000 إلى 25,4 مليار دولار عام 2012 ، وهو ما يعكس النجاح الذي حققته البحرين في التحول إلى  مركز للخدمات المصرفية والمالية في المنطقة لم نتيجة استراتيجية واضحة ورؤية وفهم تحليلي لكل تحركات الاستثمارات وأسواق رأس المال حول العالم"

إضافة لذلك ، نفذ سموه على مدى عقود ـ وما يزال ـ  الكثير من المشروعات التنموية الكبرى لزيادة الطاقة البشرية والمؤسسية حتى يتم استيعاب الدولة رقميا في منصة عالمية للحكومات والشركات والمشروعات المتوسطة والصغيرة الحجم، وتعزيز مركز البحرين التنافسي في العالم .

 

من هنا يمكن القول أن هذه الزوايا الأربعة الهامة في استراتيجية وفكر صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، هي كلمة السر في صمود البحرين أمام المؤامرة المزدوجة (الأمريكية- الإيرانية) في  2011، إذ أن سياساته كانت قادرة على امتصاص الأزمة، بل والخروج منها أقوى وأقوى، وهذا هو ما يفسر بقاء البحرين صامدة مقارنة بدول كبرى سقطت في وحل مؤامرة ما عرف بالربيع العربي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق