في عهد أردوغان لم ينجو أحد.. سهام القمع تصيب جامعات تركيا

الأحد، 30 ديسمبر 2018 09:00 م
في عهد أردوغان لم ينجو أحد.. سهام القمع تصيب جامعات تركيا
أردوغان

لا يفوت مناسبة للأكاذيب، ليس آخرها تمتع الجامعات التركية بـ"أجواء ديموقراطية"، متناسيا هروب ألمع العقول من أساذتها وطلابها، خوفًا من حملات الاعتقال المسعورة، والأوضاع الاقتصادية المزرية التي صنعها رجب إردوغان بسياسات فاشلة.

ردد الرئيس التركي، خلال حفل توزيع جوائز مؤسسة الأبحاث العلمية في أنقرة، الأربعاء الماضي، أن "الجامعات حققت إنجازات كبيرة بفضل التحولات الديموقراطية المهمة فيها"، ليعيد ما ردده قبل شهر أثناء افتتاحه مختبرات في جامعة "مدنيات إسطنبول" بقوله: "الجامعات حققت قفزة نوعية في الحريات الأكاديمية".

يتعرض الوسط الأكاديمي التركي لتداعيات أسوأ حملة قمع، شملت اعتقال آلاف أعضاء هيئات التدريس والطلاب بتهم واهية أقلها المشاركة في مسرحية انقلاب يوليو 2016، وقطع أرزاق الباقين بالفصل التعسفي.

في أوائل عام 2016، فصل نظام إردوغان 1128 شاركوا في التوقيع على عريضة تطالب الحكومة بإنهاء العمليّات العسكرية ضد الأكراد، بينهم العشرات من أساتذة الجامعات.

جرى اقتياد الأساتذة لمقرات الشرطة، واستجوابهم في تهم "نشر دعاية إرهابية، وتشويه سمعة الجمهورية ومؤسسات الدولة"، ولاحقًا، صدرت على 8 منهم أحكام بالسجن.

غالبية المفصولين بسبب العريضة فروا إلى الخارج، بحثًا عن بلاد تقدر علمهم، ولا تحبسهم داخل الزنازين، وتوجه البعض منهم إلى ألمانيا. 

استغل إردوغان مسرحية الانقلاب، لنشر الظلام والإرهاب في أروقة التعليم الجامعي، فشن حملة مسعورة اعتقل فيها عددا من العقول البارزة، وفصل آخرين  بدعوى التورط في محاولة قلب نظام الحكم، بل وأغلق جامعات بزعم تبعيتها لحركة فتح الله غولن (الخدمة).

وكانت الحصيلة الأولية اعتقال أكثر من 2000 أكاديمي، ونحو 20 ألف معلم، وفصل 80 ألف موظف، بينهم معلمون وأساتذة جامعات، كما أقيل 4 رؤساء جامعات، وأجبر 1577 عميدا للكليات على الاستقالة، وفرضت إقامة جبرية على المفصولين، بينما قررت المحكمة منعهم من السفر خارج البلاد.

أغلقت الحكومة مؤسسات تعليمية، شملت عددا من الجامعات، يعمل فيها 2760 أكاديميا بحجة الانتماء لتنظيم غولن، بالإضافة إلى 15 ألف مدرسة بالتهمة ذاتها.

نتج عن تلك الهجمة إلغاء التعاون بين الجامعات التركية والمؤسسات الأكاديمية الدولية، ومنها معاهد بحثية أوروبية أميركية، كما ألغيت مؤتمرات علمية في تركيا، كان مقررا أن يشارك فيها أجانب، رفضوا القدوم إلى بلد تمارس الاستبداد بشتى الصور.

تراجعت حصيلة البحث العلمي للعام 2017، نتيجة هذه الممارسات، بواقع 28 %، سبب نقص فرص البحث، فضلا عن غياب التمويل، في ظل زيادة التضخم وتدهور سعر صرف الليرة.

معهد الإحصاء التركي أكد أنه في العام 2017 زاد عدد الفارين من تركيا 42 % بمعدل 250 ألفا و640، أغلب أعمارهم بين 20 و34 عامًا، وهي الفئة العمرية للباحثين وطلاب الدراسات العليا.

لم يتحرك مجلس التعليم العالي التركي إزاء قرارات القمع، بل أيد بطش إردوغان، وزعم وجود "تنظيم إرهابي في الجامعات"، قائلا: "الكثير من الأكاديميين باتوا يشكّلون تهديدا على السلم الوطني إن استمروا في مناصبهم".

لم يراع المجلس مصالح آلاف الطلاب المقيدين في الجامعات المغلقة، وقرر نقل الأتراك منهم إلى جامعات حكومية يديرها أساتذة مقربون من إردوغان وأعضاء في حزبه العدالة والتنمية، فيما جرى ترحيل الطلاب الأجانب إلى بلادهم.

في مارس الماضي، أصدر نادي القلم الدولي (بِن) تقريرا عن تداعيات مسرحية الانقلاب على المجتمع الأكاديمي في تركيا.

ذكر التقرير أنه بنهاية العام 2017، بلغ عدد المفصولين من 118 جامعة عامة 5822 أكاديميا، مشيرا إلى أن إردوغان يشن حملته القمعية بالرغم من نص الدستور التركي والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على ضمانات حرية التعبير والنشر والمناخ الآمن للبحث العلمي.

انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها، مايو الماضي، عمليات الفصل بحق الأكاديميين، وإغلاق الجامعات، معتبرة أن الوضع يشيع "مناخا من الخوف".

مدير المنظمة في أوروبا وآسيا الوسطى هيو ويليامسون أكد أن قمع الحكومة أساتذة جامعيين وطلابا أمر مرفوض، داعيًا إلى تمتعهم بحرية التعبير والتعلم، لا حبسهم.

وأشار إلى أن 5800 أستاذ جامعي فصلوا من عملهم بمراسيم قوانين، في إطار حالة الطوارئ التي فرضها إردوغان عقب الانقلاب المزعوم.

في محاولة لتدارك الوضع المزري، أطلقت الحكومة نوفمبر الماضي برنامجا جديدا للمنح الدراسية، لإغراء الأكاديميين الأتراك في الخارج بالعودة إلى البلاد.
يقدم البرنامج، الذي أعلنه وزير الصناعة والتكنولوجيا مصطفى وارنك، راتبا شهريا قدره 4 آلاف دولار، لكبار الباحثين، و3600 للباحثين الصغار، إلا أن هؤلاء رفضوا خوفا من الملاحقة الأمنية مجددا، وفق" أحوال تركية".

المحاضرة السابقة في جامعة غازي بأنقرة المقيمة في ألمانيا بيتول يارار قالت: "بالنسبة لي، الأمر لا يتعلق بالمال، ما هو ثمين بالنسبة لنا، والشيء الذي يمكن أن يضمن عودتنا، رد حقوقنا وإزالة الضغوط السياسية".

عالم الاجتماع التركي إنجن سوستام واحد ممن رفضوا الدعوة، قائلا :"لا أعتقد أن الأكاديميين سيتركون البيئة الحرة والعلمية الموجودة في الخارج مقابل راتب شهري قدره 24 ألف ليرة".

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق