تجليات الحب والإبداع في الشتاء

الأربعاء، 13 يناير 2016 09:38 ص
تجليات الحب والإبداع في الشتاء
كارول آن دوفي شاعرة البلاط البريطاني

وفي هذا الشتاء ها هي كارول آن دوفي شاعرة البلاط البريطاني تستجوب الحب وتحتفل به في آن واحد باعتباره تجربة انسانية عظيمة وقوة دافعة للغة عبر الزمان.. تكتب باللون الأبيض على سماء قاتمة بغيوم وهموم وآلام ودموع بشر والقصيدة عندها أغنية الزفاف للآتي والقادم لعله يكون افضل ولعله يأتي بريئا من خيانات وغدر بآمال المحبين في كل مكان.

شاعرة البلاط أو أميرة شعراء بريطانيا كارول آن دوفي من أصحاب أحلى قصائد الحب في تاريخ الشعر وهي في مجموعتها "نشوة" الصادرة عام 2005 والتي تحوي 52 قصيدة تتناول الحب بكل ألوانه وصوره.

وتتقصى مساراته ثم تعود الآن لتصدر مجموعة جديدة بعنوان "قصائد حب" لعلها أكثر تنوعا وثراء رغم تنوع وثراء المجموعة الأولى.

والحب في الشتاء ليس حكرا على الشعراء الكبار مثل كارول آن دوفي بل ان بعض أصحاب التخصصات التي تبدو صارمة في دقتها كالاقتصاد يقترحون إفكارا قد تخدم المحبين وتحقق أحلامهم وشطحاتهم كحلم السفر معا بعربة طائرة بين الكواكب والمجرات.

وهو حلم احتفل به في هذا الشتاء عالم الاقتصاد الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل بول كروجمان واعتبره اهم بكثير من جنون حرب النجوم.. ما أروع ان يكون عالم الاقتصاد الغارق في الأرقام والاحصاءات بهذه الروح الشاعرة.

عبقري بلا جدال هذا الرجل الذي يمزج بين الحلم والواقع والمدقق بجدية وشاعرية في مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة لتلك العربات الطائرة لتتسع مساحة الحلم الانساني ويحلم المحب هنا أو هناك بعربة طائرة له وحده مع حبيبته.

والحب قد يفجر نواة اللغة ويصنع منها شيئا جديدا كما هو الحال مع صمويل بيكيت وقصيدته المذهلة التي ابدعها هذا العبقري الايرلندي الأصل وصاحب المسرحية الشهيرة "في انتظار جودو" في الحب واختار لها عنوان "كاسكاندو"، وهي قصيدة طويلة و دالة على القوة الجبارة للحب لحد تفجير نواة الامكانية اللغوية و"جوهر الجوهر" لتتحول اللغة إلى شيء جديد في عالم الدهشة.

هنا "في الكتابة بالأبيض" لا تمزق للنفس الشاعرة ولا توترات بين جديد يلح برغباته وماض راسخ بالتزاماته ووفي لتقاليده ولا تناقض أو "خطابات نقيضة" بين شاعرة مبدعة مثل كارول آن دوفي وعالم اقتصاد عملاق مثل بول كروجمان اعتبر أن حلم العربات الطائرة أهم وأنبل بكثير من جموح حرب النجوم.

إنما هو الحب يتحدث هامسا على أجنحة الفن والعلم والحلم، فإذا بالجسد المتعب في ذروة الشتاء لحن ناعم على ايقاع الحنين والفعل يرقص طربا في قلب الاسم.

ولئن استمر الحديث في السنوات الأخيرة عن أزمة القراءة التي تستفحل في بلادنا، فلعل الشتاء يعيد الاعتبار لمتعة القراءة، كما عرفتها أجيال سابقة، فيما تحفل الصحافة الغربية بمواضيع دالة حقا في هذا السياق مثل ذلك الموضوع الذي نشرته جريدة "الجارديان" البريطانية مع "الانقلاب الشتوي" الأخير في صورة استطلاع لآراء ثلة من الكتاب والنقاد عن أحلى الكتب التي يمكن أن تثير الدفء في نفس قارئها وتمنحه المتعة في هذا الشتاء.

وإن صح القول أن الشتاء شجن يحرض الذاكرة ويشحنها لترن كوتر مشدود وتتقافز بسعادة، فالجلوس في الفراش تحت أغطية ثقيلة مع كوب شاي وقراءة كتاب مع خلفية خافتة لأغنية لأم كلثوم مثل "أقبل الليل"، أو "أغدا ألقاك"، أو "هذه ليلتي" متعة عرفتها أجيال من المصريين.

وشأنهم شأن غيرهم من العرب يردد المصريون بشجن الشتاء رائعة المطربة اللبنانية فيروز "رجعت الشتوية" التي تتذكر فيها ايامها مع حبيبها بكلمات والحان الاخوين رحباني ونقول: "رجعت الشتوية ضل افتكر بي.. رجعت الشتوية يا حبيبي الهوى مشاوير".

وإذا كانت مشاعر الحب في فصل الشتاء من المواضيع المفضلة لشعراء ومطربين عرب، فقد يشد الحنين بعض من ينتمي من حيث العمر لفئة كبار السن للخروج والتقافز تحت المطر فتحذره حمولة الأيام وتكبح جماحه وتذكره بأن الجسد لن يتحمل بسهولة وطأة السقوط الآن على أرض زلقة تحت المطر.

انها حمولة الأيام التي تتحول لجبل يطفو على جليد اللحظة، لكن الجليد ينصهر احيانا بدفء الذكريات للباحثين عن شييء من الفرح في ضوء شمس تسطع فجأة بين غيوم الشتاء وهؤلاء الذين يحلو أن يرددوا مع فيروز بلبنايتها الدارجة: "شتي يا دنيي تزيد موسمنا ويحلى وتدفق مي وزرع جديد بحقلتنا يعلى".

وها هو المطرب المصري علي الحجار يستدعي بحنجرته الرائقة وبالعامية المصرية ذكريات الشتاء أو تستدعيه نداءات الشتاء فيقول: "لما الشتا يدق البيبان.. لما تناديني الذكريات.. لما المطر يغسل شوارعنا القديمة والحارات.. القاني جايلك فوق شفايف بسمتي.. كل الدروب التايهة تنده خطوتي".

فالشتاء قصيدة من ذكريات ودموع وابتسامات ومفارقات وما أحلى وأعذب السير في ليالي شتاء القاهرة، أما الأسكندرية فما كان أجمل منها في الشتاء حتى أنها تكاد تجسد كلمات الأخوين رحباني على شفتي فيروز: "كل قلب كل مرج زهر فيه الحب مثل التلج".

والشتاء قد يشعل الابداع كما يشتعل به ويحرض على الحلم بتجليات شتى من بينها الفن التشكيلي وأعمال الخزف مثل ذلك المعرض الذي أقامته الفنانة زينب سالم في قاعة الزمالك تحت شعار "ألأجمل لم يأت بعد"، فيما تعبر أعمالها الخزفية عن "حمولة الأيام"، أو الذكريات، و"نظرة مستقبلية للعالم مشحونة بأمل لا يموت".

قد ترتسم ابتسامة خفيفة على الوجه المتعب بتضاريس الأيام لرؤية عاشقين يضحكان معا تحت المطرويتردد السؤال: هل ثمة مكان للحب في المدينة ام ان شتاء الأمس مختلف كل الاختلاف عن شتاء اليوم حيث العيون صقور لها مخالب دامية؟! هل من حيز لشييء من الحب البريء كما كان الحال بالأمس مع عشاق يسيرون الهوينى متشابكي الأيادي والقلوب والأحلام؟!

وقد يرى البعض أن شتاء اليوم أفسدته صقور بمخالب دامية على كل لون ومستعدة للقيام بأغرب الحركات البهلوانية على الشاشات والأوراق لتحدث ضجيجا قبيحا يختلف كثيرا عن ضحكة صافية من قلب يحلق صاحبه بأحلام بريئة فوق السحاب.

وقد يتمنى العاشق أن تصفو سماء الشتاء لأن هناك كلمات كثيرة لم يقلها للحبيبة ولم تسمعها بعد.. كلمات عاشقة كأحلام نجوم ونيازك وشهب تأتي من السماء بأمر الحب لتبارك لحظة عناق الزمن ووصاله وتتناثر بنعومة وتتحول الى قبلات على الأرض.

لحظة تقترب فيها السماء من الأرض كزفاف كوني ولا تكون الكلمة مجرد مرثية للمعنى او تكون القصيدة نصبا تذكاريا للحب أو يكون الاحساس بالوجود استدعاء لشعور الخسارة والفقد.. هناك من يريد ان يروي للحبيبة قصة مطوية تحت جسور الزمن, قصة لم ترو ولم تقال في الحب وهناك من يكتفي برائعة علي الحجار "مش جاي الومك على اللي فات ولا جاي اصحي الذكريات لكني باحتجلك ساعات لما الشتا يدق البيبان".

ولئن رأى ابراهيم عبد الفتاح صاحب كلمات أغنية "لما الشتا يدق البيبان" ان "أجمل معاني الحب غنتها النايات"، فهناك من يحلم بأن يصنع للحبيبة قصيدة كلؤلؤة أو يصنع لها في الشتاء ثوبا من قصيدة شعر وزمرد ونسغ القلب.. ثوب يحمل احلى كلمات الحب.. كلمات جديدة بأبجدية مختلفة ابتكرها قلب عاشق كغواص لآليء في بحر الحب ودروب عشق لم يطرقها أحد من قبل.

ولعل الحب يرفض الموت في الشتاء او كان هذا المعنى في قلب وعقل المبدع المصري الراحل صلاح جاهين عندما قال في رباعياته: "دخل الشتا وقفل البيبان على البيوت.. وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت.. وحاجات كتير بتموت في ليل الشتا لكن حاجات اكتر بترفض تموت".

مع شتاء عام جديد لا نريد ان تتحول أحلامنا النبيلة لسراب في ليلة شتاء أو تستحيل كائنات عاجزة في غابة العالم تحت مطر وعواصف لا ترحم.. نريد للحروف ان تكون شذى ياسمين وضمائم فل وندى وبيتا موعده الحلم ومقامات الحرية ونستدعى صوت علي الحجار فى عتبات الشتاء عندما يحلو شدوه الفتان: "لما المطر يغسل شوارعنا القديمة والحارات".. شكرا لشجن الشتاء.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق