زيارة الأربعة أيام لواشنطن دعمت العلاقات..

مصر والولايات المتحدة.. شراكة استراتيجية تحكمها الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة

الأحد، 18 ديسمبر 2022 08:54 ص
مصر والولايات المتحدة.. شراكة استراتيجية تحكمها الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة
يوسف أيوب
رسالة واشنطن- يوسف أيوب

المتعارف عليه سياسيا أن العلاقة بين الدول تأخذ مسارات متعددة صعودا وهبوطا، وفقا لمصالح كل دولة وكذلك المتغيرات الدولية والاقليمية، التي قد تحدث تجاذبات، يكون من نتاجها شد وجذب، لكن هذا لا يعنى فى المطلق وسم هذا الشد أو الجذب بأنه توتر أو قطيعة، فالطبيعى أن يتوقف الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين عند مرحلة معينة لتقييم ما جرى ورسم خطوط عريضة لمستقبل العلاقات بينهم.
 
هذا هو ما حدث فى العلاقات المصرية الأمريكية، التى شهدت خلال السنوات القليلة الماضية صعودا وهبوطا، لكن ابدا لم تتوتر العلاقات، فقد بقيت الصلة والعلاقة قائمة، لإدراك الجانبين أنه لا غنى عن علاقات قوية بين القاهرة وواشنطن، اولا لصالح استقرار منطقة الشرق الأوسط، وهى منطقة تحظى باهتمام ومتابعة دقيقة من الجانب الأمريكي، الذي يهمه فى المقام الاول ان يسودها الأمن والاستقرار، لذلك فإن الادارة الامريكية ايا كان توجهها "ديمقراطية او جمهورية" دائما ما تسعى لكسب ود القاهرة، لكن بطرق مختلفة، مرتبطة فى الأساس بردة فعل الدولة المصرية، وطريقة تعاطيها.
 
والشاهد أن الإدارة الأمريكية ظلت لسنوات شبه متيقنة أن القاهرة ستبقى على مسار علاقاتها بواشنطن مهما حدث، ولم يخطر ببالهم ان الدولة المصرية تحديدا بعد ٢٠١٣ تغيرت تماما، بعدما بدأ الرئيس السيسى فى اعادة بناء مؤسسات الدولة ووضع القواعد الرئيسية لسياسات مصر الخارجية، التى تقوم على الندية وتبادل المصالح، لذلك فتحت القاهرة ابواب علاقاتها الخارجية شرقا وغربا.
 
وهو ما لم تستوعبه الادارة الامريكية الديمقراطية آنذاك، خاصة أن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما كان لديه توجهات مختلفة لا تتوافق مع المصالح الوطنية المصرية، وظن أنه قادر من خلال سلاح العقوبات الاقتصادية والضغوط المستمرة أن يحدث مرونة فى الموقف المصرى، وتعود الاجواء لما كانت عليه فى السابق، لكنه تفاجئ بقوة الصمود المصرى والتمسك بالثوابت الوطنية أيا كانت قوة الضغوط الممارسة ضد القاهرة، فلم يجد أوباما من طريق أمامه سوى فتح طرق للتواصل مع الدولة المصرية، وزادت العلاقة قوة خلال فترة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الذي كان لديه قناعة شديدة باهمية مصر والدور الذى يقوم به الرئيس السيسى فى استقرار المنطقة، ومجابهة الارهاب والافكار المتطرفة.
 
وحينما جاء جو بايدن إلى البيت الأبيض، عادت اللعبة الديمقراطية من جديد، فشعر البعض أن واشنطن ستعيد سنوات الجفاء مرة اخرى مع القاهرة، لكن مع مرور الأسابيع والشهور، لم يجد البيت الأبيض سوى صلابة وقوة مصرية، ومواقف متزنة تجاه القضايا الدولية المتصاعدة بهدف الحفاظ على مسار السلام الذي اختارته الدولة المصرية محددا تحركاتها الخارجية، وسريعا ما أعاد البيت الأبيض تقييم علاقاتها مع مصر، منتهيا إلى النتيجة التى نرى نتائجها تتحقق اليوم فى مسار العلاقات المصرية الأمريكية، وهو تأكيد أمريكي واضح من جانب ادارة بايدن واعضاء الكونجرس والنخبة السياسية والاقتصادية الامريكية بأنه لا غنى عن مصر تحت قيادة الرئيس السيسى.
 
 
من هنا يمكن فهم النتائج الإيجابية للزيارة التي قام بها الرئيس السيسى للعاصمة واشنطن الأسبوع الماضي، لحضور القمة الأمريكية الأفريقية الثانية، والتي سبقتها زيارة قام بها بايدن لمدينة شرم الشيخ فى نوفمبر الماضى ولقائه الرئيس السيسى وقوله امام الاعلام الدولى ان مصر أم الدنيا، مؤكدا فى الوقت نفسه تقديره للدور المصرى ومساعى الرئيس السيسى الناجحة تجاه العديد من الازمات الدولية والاقليمية، وكان لافتا استقبال بايدن للرئيس السيسى فى القمة الامريكية الافريقية، وكيف كانت اللغة حميمية جدا بين الرئيسان، مما اعطى انطباع بقوة العلاقة بين الرئيسان.
وخلال أربعة أيام قضاها الرئيس السيسى فى واشنطن كانت أحاديث الأمريكيين واضحة بالتأكيد على إدراكهم لأهمية الدور المصري وما يقوم به الرئيس السيسى فى مصر ولصالح المنطقة.
 
فى المقابل وخلال لقاءاته مع المسئولين الأمريكيين كان الرئيس السيسى حريصا على تأكيد استراتيجية العلاقات الممتدة منذ عقود بين مصر والولايات المتحدة، وحرص مصر على تعزيز تلك العلاقات بكل جوانبها، في إطار من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، لاسيما في ظل الواقع الإقليمي المضطرب في المنطقة وما يفرزه من تحديات متصاعدة، وعلى رأسها عدم الاستقرار وخطر الإرهاب الآخذ في التنامي والذي طالت تداعياته العديد من الدول، فضلاً عن التداعيات السلبية على الاقتصاد وأمن الطاقة والغذاء التي سببتها العديد من الأزمات العالمية المتلاحقة وعلى رأسها جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، وهو ما يستدعي التكاتف لمواجهة تلك التداعيات.
 
كما أكد الرئيس السيسى حرص مصر على دعم شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، خاصة ما يتعلق بالشق العسكري، وكذلك على الصعيد الأمني خاصة فى ظل الظروف الاستثنائية التى تشهدها المنطقة والعالم.
ولان الأحاديث على لسان أصحابها تكون ذات قيمة، يمكن هنا الاشارة لبعض ما قاله من التقاهم الرئيس السيسى فى واشنطن لنعرف كيف يفكر الأمريكيين تجاه علاقاتهم بمصر، فعلى مستوى ادارة الرئيس بايدن، قال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية إن الإدارة الأمريكية ملتزمة بتعزيز أطر التعاون المشترك مع مصر فى مختلف المجالات، ودعم جهود مصر الحثيثة في السعي نحو تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية فى المنطقة. 
 
كما أكد وزير الدفاع الأمريكي، أوستن لويد، على التقدير البالغ لجهود الرئيس السيسى الشخصية وروح القيادة شديدة الاتزان والفاعلية لتحقيق الأمن والاستقرار والتهدئة ليس فقط فى الشرق الاوسط وافريقيا بل علي المستوى العالمي، وتجاه مختلف القضايا والأزمات الدولية، وذلك امتداداً لدور مصر التاريخي السباق فى إرساء ونشر ثقافة السلام والعيش المشترك في المنطقة، وهو الدور الهام جدا للولايات المتحدة التى تعول عليه وتدعم قدراته. 
 
وفى الجانب التشريعى أكد عدد من القيادات الجمهورية بمجلس النواب الأمريكى الذين التقاهم الرئيس على إفطار عمل، ان مصر تمثل حليف رئيسي للولايات المتحدة فى منطقة الشرق الأوسط، معربين فى الوقت نفسه عن التقدير لدور مصر المحوري كركيزة للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط والقارة الأفريقية، إلى جانب جهود مصر الناجحة في التصدي لخطر الإرهاب والفكر المتطرف وإرساء مفاهيم التسامح الديني، ومساعيها المتزنة الرشيدة بقيادة الرئيس السيسى للتوصل إلى حلول لمختلف الأزمات التي تمر بها المنطقة. 
 
كما أكد أعضاء تجمع أصدقاء مصر في الكونجرس الأمريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، عمق التعاون المشترك بين البلدين الصديقين، مشيرين إلى الأهمية الكبيرة التي توليها الولايات المتحدة للعلاقات مع مصر، أخذاً في الاعتبار أن مصر تعد ركيزة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم العربي، فضلاً عن كونها شريكاً محورياً للولايات المتحدة في المنطقة، مع الإعراب عن التقدير البالغ لدور مصر الناجح والفاعل تحت قيادة الرئيس السيسى في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف وإصلاح الخطاب الديني وإرساء المفاهيم والقيم النبيلة من حرية الاعتقاد والتسامح وقبول الآخر، مؤكدين أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تنسى فضل مصر فى فتح باب السلام ونشر ثقافة التعايش المشترك فى منطقة الشرق الأوسط.
 
واشاد السيناتور "ليندسي جراهام"، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، بمتانة العلاقات التي تجمع بين البلدين الصديقين، وأعرب عن التطلع لتعزيز وتطوير الشراكة الاستراتيجية التي تربط بينهما ونقلها الى افاق ارحب خلال المرحلة المقبلة في مختلف المجالات. 
 
كما أعرب عدداً من قادة المنظمات اليهودية الأمريكية عن تقديرهم البالغ لجهود مصر بقيادة الرئيس السيسي نحو إرساء مبادئ السلام والتهدئة في المنطقة، ونشر روح التعاون ومكافحة الفكر المتطرف وخطاب الكراهية، والإرهاب، وتبنى قضايا التنمية.
 
وأشاد أعضاء غرفة التجارة الأمريكية بالتقدم المحرز في إطار جهود الإصلاح الاقتصادي في مصر، لاسيما من خلال التدابير التي تم اتخاذها لتحسين بيئة الاستثمار وتشجيعه، فضلاً عن المشروعات القومية الكبرى الجاري تنفيذها، والتي أسهمت في أن تكون مصر نموذجاً وقصة نجاح يحتذى بها على الصعيد الدولي، خاصةً في ظل الصمود الذي أبداه الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات العالمية المتلاحقة مؤخراً، وعلى رأسها جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، وتحقيقه نمواً إيجابياً فاق التوقعات وتفوق على العديد من الاقتصادات الناشئة على مستوى العالم، مع الإعراب عن الحرص على العمل خلال الفترة المقبلة على تعزيز الاستثمارات الأمريكية في مصر في مختلف المجالات، لاسيما الصحة والتكنولوجيا والسياحة، إلى جانب مجال الطاقة خاصة الجديدة والمتجددة، وذلك في ظل القيادة الناجحة لمصر لعمل المناخ الدولي بعد استضافتها الناجحة للقمة العالمية للمناخ COP27 بشرم الشيخ في نوفمبر الماضي. 
 
بالتأكيد فإن كل الأحاديث والمواقف الامريكية تجاه مصر مؤخرا ما كانت لتصدر لولا أنهم وجدوا امامهم رئيس يبني دولة جديدة وفق أسس وطنية.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق