إلى الرئيس.. ثق في الناس أولا .. تحصل على ثقتهم
الثلاثاء، 26 أبريل 2016 09:01 م
الهدف من التظاهر إبداء الرأي، وإعلان موقف، والتحذير من خطر لا يحتمل الانتظار والتسويف، وهي أمور تحققت في يقين من خرج للتظاهر يوم الجمعة الماضية التي أطلق عليها جمعة "الأرض".
فكان رد فعل الدولة كالعادة بطيئا كالسلحفاة، مائعا كالماء، ثم شرشحة كالدهماء تجلت في استخدام بلطجية تابعين لقسم السيدة زينب بالاعتداء على أهالي المعتقلين جراء التظاهر في جمعة الأرض (الذي وصفهم الرئيس نفسه بأنهم غيورين على تراب بلدهم" فكان جزاءهم وجزاء الصحافة التي تحترم نفسها وتحترم قارئها وتحترم مهنتها أن تتلقى من الشرشحة نصيب، تحت إشراف ومتابعة وتنسيق من رئيس مباحث قسم السيدة زينب.
ولما تعاملت محررة صوت الأمة "نورا عفيفي" بالقانون، ولجأت إلى ممثليه في قسم شرطة السيدة زينب، ظهر الحامي والراعي "للشرشحة" في هيئة أمين شرطة خرج من مكتب رئيس المباحث يهدد محررة صوت الأمة بتحرير محضر مضاد في الأداب إذا أصرت على عمل محضر ضد رئيس المباحث، راعي البلطجة والبلطجية في الدولة.
هذه بالضبط الدولة التي تسرب تسجيلات للنشطاء لتشويه سمعتهم كما حدث مع إسراء عبد الفتاح، وهي ذاتها الدولة التي تفبرك مكالمات جنسية وتقدمها للإعلام لتشويه معارضيها كما حدث مع يوسف الحسيني، وهي الدولة التي تجيش جيوشها الأمنية لإرهاب مواطنيها، وتقف ذليلة أمام دول العالم لتقدم مبررات "خيبتها" في تقديم القتلة والمجرمين للمحاكمة.
هذه بالضبط دولة مبارك التي ثار عليها الناس، وهذه بالضبط وزارة حبيب العادلي الذي ملئت كراهيته قلوب قطاع كبير من الشعب المصري، وهذه بالضبط الشرطة التي يحاول وزير الداخلية الحالي مجدي عبدالغفار أن يظهرها لنا، تحمل الورود، وتقف بجوار الضحايا لالتقاط الصور.
في نفس اليوم الذي يخرج فيه أمين شرطة سلاحه الآلي "الميري" المفترض أن يدافع به عن المواطنين ضد الخارجين على القانون، فإذا به يستعمله لقتل الأبرياء، بتهمة المطالبة "بحق" طبق فول، وكوب شاي، كانا إفطاره "الحرام"، الذي رفض دفع ثمنه، كأي بلطجي، ومجرم، الفرق الوحيد، أن البلطجي والمجرم لا ينتمي لمؤسسة رسمية تتبنى أفعاله، بينما أمين الشرطة المتهم ينتمي وزارة سيادية تتبنى أفعاله.
ولأن شعار "الداخلية بلطجية" الذي تردد عقب مقتل أمين الشرطة في تظاهرة عفوية أقرب لمشهد حرق البائع التونسي المتجول لنفسه، والذي كان بداية لسنوات الألم والمخاض فيما يسمى بالربيع العربي، بات واقعا في أذهان من لامسوا رمضاء البلطجة الرسمية التي تحمل رتبا نظامية.
بساط الثقة يسحب لأحداث أقل وطأة من تلك التي حدثت في يوم واحد، ثم يأتي الرئيس ويطالب الناس بالثقة فيه، وهم يرون رؤي العين أن الثقة المطلوبة منهم هي الخضوع لسلطان رجل شرطة يرى في القانون عاهرة يلقيها في أحضان من يحلو له.
وكأن الرئيس بطلبه الثقة من الناس، يعطي إشارة خضراء لوحوش آدمية تفتك بالرعية، وهو مشهد لا أنساه، تكرر قبل سنوات طويلة بعد بداية الفترة الثانية للرئيس المخلوع حسني مبارك، عندما اشتكاه الناس من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فرد عليهم مبارك بسخافته المعهودة، "وتشتري من المحل ليه اشتري من العربية في الشارع" وبعد الخطاب بدقائق كانت حملات"البلدية" تطوف شوارع مصر تكسر وتنهب وتصادر عربات الباعة المتجولين في الشوارع.
الثقة ليس عقد إذعان أبدي بين مواطن ورئيس، وليس صك عبودية يسلم الرعية أمرهم لحاكم، الثقة إيمان في شخص وفي قدراته وفي الظروف التي تجعله أهلا لهذه الثقة، لكنها أبدا لم ولن تكون علاقة بين سيد وجارية، يأمرها فترقص، ثم ينهرها فتصمت.
مشروع كبير وضخم مثل قناة السويس الجديدة الذي نفذ بنجاح، قد يضع أحجارا في جسر الثقة المطلوب بناؤه، لكن صمت الرئيس أمام تصرفات وزارة الداخلية، قد تنسف هذا الجسر تماما.
تنفيذ شبكة طويلة وواسعة من الطرق الجديدة تجعل المواطنين يأملون في غد أفضل مع الرئيس، لكن أن يتحدث الرئيس بهذه اللهجة الديكتاتورية مع المثقفين والسياسيين وعامة الناس، تشكك في أن الغد قد يأتي من أساسه.
انتهاء أزمة الكهرباء في الصيف الماضي، واختفاء أزمة أنابيب البوتاجاز في الشتاء المنصرم، توفر البنزين والسولار في المحطات، يجعل قطاعات كبيرة من الشعب يدرك أن هناك دولة تبنى وإدارة في النظام تعد وتفي، لكن عدم القدرة على السيطرة على سعر الدولار، رغم تغيير محافظ البنك المركزي، يدفع هذه القطاعات الواسعة من الشعب إلى "الكفر" بالدولة والنظام، جراء غلاء أسعار الحياة بصورة لا يمكن تخيل توقفها قريبا.
عقد اتفاقيات بمليارات الدولارات مع السعودية قد يجعل محرك الاقتصاد يتحرك بوتيرة أسرع، ويسحب أفراد من طوابير البطالة نحو سوق العمل، لكن اقتران المليارات الموعودة، باتفاقية ترسيم حدود تصبح بمقتضاها جزيرتي تيران وصنافير تحت السيادة السعودية، فهذا أمر يدخل البلاد في دوامة، من جراء الصدمة التي عاشت عليها أجيال وهي مؤمنة ان الجزيرتين مصيرتين، فإذا بالرئيس وحكومته يرتبكون، ويصدرون نظرية المؤامرة.
لا يمكن لجسر الثقة أن يكتمل بحجر من صخر وآخر من جبس، لا يمكن لقطار أن يسير بسرعة ليصل إلى منتهاه، بدون فرامل تستطيع التحكم في سرعته.
جسر الثقة الذي يسقط سريعا كلما حدث عارض، يجب الاعتراف أن بناؤه شابهه خلل، والخلل قد يكون في التصميم (الرؤية) وقد يكون في التنفيذ (الحكومة) وقد يكون في التربة (التأييد الشعبي)، وقد يكون في الاستعمال (إدارة الازمات).
وحتى فكرة المطالبة بالثقة، هي في حد ذاتها، قلة ثقة من جانب الرئيس نفسه في وعي الشعب وإدراكه بالمخاطر، وبالتالي فان الشعور هنا متبادل، وبدلا من المطالبة بالثقة، كان على الرئيس أن يثبت مجددا جدارته بالثقة التي يفتقدها في قلوب الناس، يوم وراء آخر.
الثقة قد تكون في شخص لديه قدرة على انجاز مهمة، فإذا فشلت المهمة، لا تعني أن الشخص فاقد للثقة، بل قد تعني أن قدراته ليست محل ثقة، لذا عندما تحدث الرئيس عن شخصه، كان يتكلم في جانب بعيد جدا عن محل شكوك الناس، فأنا لا أشكك في وطنية الرئيس، لأني لا أشكك في وطنية أي مصري، لكن الشك يكمن في قدرة الرئيس على انجاز مهمة الدفاع عن الأمن القومي المصري في حالة وجود جزيرة تيران تحت السيطرة السعودية.
فقد تكون لدى أصحاب وجهة النظر القائلة أنها سعودية مستندات قوية تؤيدهم، وقد يكون من يدافع عن مصرية الجزيرتين لديه وثائق دامغة، تجعلهم يضحون بحياتهم مقابل تراب الوطن، لكن الفريقين تناسى كل منهما أمرا خطيرا.
الأول: من يدعي سعودية الجزيرتين، لا يضع احتمالا ولو واحد في المليون أن اعتقاده خاطئا، وأن المطالبة بإعادتهما يمثل خطرا داهما على أمننا القومي، بينما الثاني وهو مندفع لإثبات أن الجزيرتين مصريتين، يسحب خاتم الوطنية سواء ممن يخالفه الرأي، أو ممن لا زال يمنح عقله للرئيس.
وفي اعتقادي أن الأمرين شديدا الخطورة، لأن فقدان السيطرة على الجزيرتين يعني أنهما أقرب من أي وقت مضى للعدو الإسرائيلي، ولن نخوض كثيرا في قدرات الجيش السعودي الغارق حتى أذنيه في حرب اليمن، ولا في قدرات البحرية السعودية التي لم تخض حرب واحدة في حياتها سوى الاستيلاء على جزيرتين متنازع عليهما مع البحرين، انتهى الخلاف بالاتفاق على حصول كل منهما على جزيرة واحدة.
فضلا عن أن سياق التخوين الذي يسير إليه المؤمنين بمصرية الجزيرتين، قد يدفع البعض على الجانب الآخر، لاتخاذ مواقف أكثر تطرفا، كالتي حدثت أمام محكمة زينهم، وتطوع "مواطنون شرفاء" للممارسة هذا التطرف "البلطجة" تحت رعاية الشرطة، ودفعت صحفية صوت الامة الشابة ثمن تلك الممارسة المتطرفة.
يا سيادة الرئيس إذا أردت الحصول على ثقة الناس، عليك أنت أولا أن تثق في الناس.