قمة عدم الانحياز الـ١٧ تبدأ السبت بفنزويلا

الخميس، 15 سبتمبر 2016 01:44 م
قمة عدم الانحياز الـ١٧ تبدأ السبت بفنزويلا

تبدأ بعد غد السبت بالعاصمة الفنزويلية "كاراكاس " فاعليات إجتماع قمة الدول الأعضاء فى حركة عدم الانحياز والتى تستمر على مدى يومين بمشاركة قادة وممثلين عن 120 دولة عضو في الحركة لمناقشة البنود المدرجة على جدول أعمالها ومن بينها تقرير الاجتماع الوزارى الذى عقد اليوم الخميس والذي تضمن عددا كبيرا من القضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية محل إهتمام الحركة منها ملفات تخص السلم والأمن الدوليين ٠

وعلى مدار تاريخها فقد لعبت حركة دول عدم الانحياز التي كان لمس دورا رئدا فى تأسيسها دورا أساسيا فى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، وقد تأسست الحركة من 29 دولة من الدول التي كانت تعيش تحت سيطرة الاستعمار الغربى ، واتخذت قرارها في مؤتمر باندونج الذى عقد في أندونيسيا فى عام 1955 ، بإنشاء هذه الحركة ، التى مثلت إفرازا للحالة السياسية التي عاشها العالم في ظل واقع منقسم بين صراع الولايات المتحدة وحلفائها في المعسكر الغربي ، و المعسكر الشرقي الاشتراكي الذي يقوده الإتحاد السوفيتي من جانب آخر ٠
وأول من نادى بتأسيس هذه الحركة رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو ، والرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اليوغوسلافي جوزيف بروز تيتو ، والهدف من إنشائها هو خلق كيان سياسي دولي يضمن لدول الحركة إتخاذ مواقع تعبر عن مصالح شعوبها بشكل محايد بعيدا عن الانحياز لاحدى الكتلتين اللتين كانتا تسيطران فعليا على الساحة السياسة الدولية .. علاوة على الدفاع عن الدول المستعمرة و يقف في وجه سطوة الدول الإستعمارية، وتسببت جهود الحركة فى نجاح كثير من الدول والشعوب في الحصول على حريتها وتحقيق استقلالها، وتأسيس دول جديدة ذات سيادة.

وكان من نتائج مؤتمر باندونج أنه تم الإعلان عن المبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول، كبيرها وصغيرها، وهي المبادئ التي عرفت باسم "مبادئ باندونج العشرة"، والتي جرى إتخاذها فيما بعد كأهداف ومقاصد رئيسية لسياسة عدم الانحياز ، وبات تحقيق تلك المبادئ هو المعيار الأساسى للعضوية في حركة عدم الانحياز ، وعرفت بما يسمى "جوهر الحركة" حتى بداية عقد التسعينيات من القرن الماضى.

و من أبرزمبادئ الحركة التي خرج بها إعلان مؤتمر باندونج احترام حقوق الإنسان و سيادة جميع الدول وسلامة أرضيها ، كما دعا الإعلان جميع أعضاء المؤتمر إلى إقرار مبدأ المساواة بين جميع الأجناس، والمساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها ، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول و احترام حقوق الدول في الدفاع عن أرضيها، وعدم إستخدام الأحلاف الدولية لتحقيق مصالح خاصة ، وتعزيز السلم العالمي و التعاون المشترك بين دول العالم ٠

وفي عام 1960، وفي ضوء النتائج التي تحققت في باندونج، حظي قيام حركة دول عدم الانحياز بدفعة حاسمة أثناء الدورة العادية الخامسة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي شهدت وحدها انضمام 17 دولة إفريقية وآسيوية جديدة ، وكان رؤساء بعض الدول والحكومات في ذلك الوقت، قد قاموا بدور بارز في تلك العملية، وفي مقدمتهم جمال عبد الناصر من مصر، وقوامي نكروما من غانا، و جواهرلال نهرو من الهند، وأحمد سوكارنو من أندونيسيا، وجوزيف بروزتيتو من يوغوسلافيا، الذين أصبحوا، فيما بعد، الآباء المؤسسين للحركة، ورموز قادتها.

وبعد مؤتمر باندونج بستة أعوام تم تأسيس حركة دول عدم الانحياز على أساس جغرافي أكثر اتساعا ، أثناء انعقاد الإجتماع الأول للحركة بشكل رسمي في العاصمة اليوغوسلافية بلجراد فى عام 1961، وحضره ممثلو 25 دولة، ثم توالى عقد المؤتمرات حتى المؤتمر الأخير المنعقد حاليا فى فنزويلا خلال الفترة من ١٣ ألى ١٨ سبتمبر الحالى .

وكان ذلك المؤتمر للقمة الأولى قد عقد في بلجراد خلال الفترة من 1-6 سبتمبر 1961، بحضور 25 دولة هي مصر أفغانستان، والجزائر، واليمن، وميانمار، وكمبوديا، وسريلانكا، والكونغو، وكوبا، وقبرص، وإثيوبيا، وغانا، وغينيا، والهند، واندونيسيا، والعراق، ولبنان، ومالي، والمغرب، ونيبال، والمملكة العربية السعودية، والصومال، والسودان، وسورية، وتونس، ويوغوسلافيا.
وقد ركزت الأهداف الأساسية لدول حركة عدم الانحياز منذ إنطلاقتها على تأييد حق تقرير المصير، والاستقلال الوطني، والسيادة، والسلامة الإقليمية للدول ، ومعارضة الفصل العنصري، وعدم الانتماء للأحلاف العسكرية المتعددة الأطراف، وابتعاد دول حركة عدم الانحياز عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى، والكفاح ضد الاستعمار بكافة أشكاله وصوره، والكفاح ضد الاحتلال، والاستعمار الجديد، والعنصرية، والاحتلال والسيطرة الأجنبية، ونزع السلاح، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، والتعايش بين جميع الدول، ورفض استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وتدعيم الأمم المتحدة، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي، فضلا عن التعاون الدولي على قدم المساواة.

ومثلت خمسينات وستينيات القرن الماضي، ما يعرف بالعصر الذهبي لحركة عدم الإنحياز، لما شهدته من سنوات الكفاح الثوري ضد الاستعمار والعنصرية بكل أشكالها،كالحرب في الهند الصينية، وثورة الجزائر، وثورة كوبا، والصحوة الاسيوية والإفريقية العارمة، وكانت عناوين لمرحلة تصدع الاستعمار القديم وتقدم الخيار الثالث في العالم الذي حرص عبد الناصر على تسميته بالحياد الإيجابي، فيما فضل الرئيس الهندى الراحل جواهر لال نهرو أن يسميه يومها عدم الالتزام حتى جاء تعبير "عدم الإنحياز" كحل وسط يطلقونه على "حركة" وليس "منظمة" ٠

و تم استبعاد مصطلح "منظمة" كي لا تختلط الأمور وتتشابك بين المنظمات ، خاصة بعد أن بات واضحا أن عشرات الدول ستنضم إلى هذه الحركة بما يجعلها موازية للأمم المتحدة، وقد كان القادة المؤسسون لحركة عدم الإنحياز يريدونها قوة ضاغطة داخل الأمم المتحدة وليس قوة بديلة أو منافسة لها ٠

وإبان عقدى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لعبت حركة دول عدم الانحياز دورا أساسيا لإنشاء نظام اقتصادى عالمي جديد، يسمح لجميع شعوب العالم بالاستفادة من ثرواتها ومواردها الطبيعية، ويقدم برنامجا واسعا من أجل إجراء تغيير أساسي في العلاقات الاقتصادية الدولية.

إما العشرية الأولى من القرن الحالي، فيمكن تسميتها، دون إفتعال، حقبة المقاومة والصحوة الشعبية العربية والإسلامية، فيما شهدت العشرية الثانية الحالية ثورات وإنتفاضات فى عدد من الدول العربية ، بالإضافة إلى محاولات روسيا لاستعادة قطبيتها المفقودة وإنهاء القطبية الآحادية بما ينبأ ببدء مرحلة جديدة من تعدد الأقطاب ليس على المستوى الدولي فحسب، بل على المستويات الإقليمية أيضا.

وتتشابه ظروف انعقاد قمة كاراكاس لدول عدم الانحياز مع ظروف عقد مؤتمر باندونج أواسط القرن الماضي، حيث يتشكل عالم جديد فى الوقت الحالى ، ولم يعد العالم أسير قوى دولية كبرى فقط، بل باتت هناك قوى إقليمية مؤثّرة في هذا العالم لا تملك قدرات مماثلة لقدرات الدول الكبرى، لكنها تملك من القدرات ما يؤهلها لممارسة سياسات مستقلة عن تلك الدول.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق