نكشف ورطة رئيس القابضة للتأمين مع النصاب الإيطالي

الثلاثاء، 01 سبتمبر 2015 11:32 م
نكشف ورطة رئيس القابضة للتأمين مع النصاب الإيطالي

مشهد البداية كان رحلة مشؤومة لأوروبا علي نفقة المال العام، قام بها في السنة الماضية رئيس شركة مصر لإدارة الاستثمارات المالية التابعة للشركة القابضة للتأمين.

انطلق منها مسلسل مشبوه من الغموض و الريبة، مازلنا في انتظار مشهد النهاية له. في ميلانو التقى رئيس شركة مصر لإدارة الاستثمارات المالية بمسؤولي شركة إيطالية صغيرة لديها مصانع لإنتاج خلايا الطاقة الشمسية طاقتها الإنتاجية لا تكاد تذكر بالمقارنة ليس بالشركات الكبيرة و لكن أيضاً الشركات متوسطة الحجم، و أخبروه أنهم قد اخترعوا تكنولوجيا تزيد من قدرة الخلايا علي توليد الطاقة.

و هكذا، وُلد تفاهم و اتفاق لا يعلم أحد تفاصيله الكاملة حتي الآن، و عاد رئيس الشركة إلي مصر، و ذهب على الفور لرئيسه، وهو رئيس الشركة القابضة للتأمين مبشراً بمشروع يقوده مستثمر إيطالي كبير سيجذب استثمارات بالعملة الأجنبية تحتاجها مصر.

رئيس القابضة رأى في هذا الاستثمار الأجنبي فرصة سانحة من أجل التقرب إلى وزير الاستثمار، الذي تحول موقفه من الشركة فبعدما كان مهاجماً دائماً لرئيس شركة مصر للاستثمارات المالية، كونها لم تنجح علي مدار سنوات في إيجاد أية فرصة لاستثمار أموال صندوق مصر للاستثمار (مال عام) الذي تديره، الشرطة. انقلب في يوم و ليلة ١٨٠ درجة فأصبح الوزير من أشد المساندين لرئيس شركته التابعة و للمشروع الجديد.

لم يكلف خاطره بالتحقق من جدوي المشروع، أو من نوايا المستثمر الأجنبي، و حجم الاستثمار الذي يتكلمون عنه، أو من تقبل السوق المصري للتكنولوجيا الوليدة التي لم يجربها أحد، وغيرها من الأمور الفنية.

انطلقوا إلي وزير الاستثمار بالبشرى، ولأن الرجل المفترض أنه يثق في نوايا و قدرات رؤساء شركاته هنأهم علي استقطاب الاستثمار و حثهم علي استكمال الدراسة.

الجائزة الكبرى لرئيس الشركة القابضة بدأت حينما تحققت وعود رئيس شركته التابعة بالمجد و الصيت، فوجد هذا المشروع طريقه إلي بروتوكول رئاسي وقعه رئيس الجمهورية خلال زيارته إلى إيطاليا.

و هكذا، سافر رئيس الشركة القابضة مع رئيس شركته التابعة علي شرف هذا الاستثمار الأجنبي الموعود إلى إيطاليا و فرنسا في توقيت زيارة رئيس الجمهورية، ووجد رئيس الشركة القابضة في الاحتكاك خلال هذه الرحلة بكوكبة من الوزراء اللامعين في حكومة المهندس ابراهيم محلب فرصة لإنقاذ وضعه المهتز من جراء الممارسات الإدارية الفاشلة. و ضمن هذا لرئيس شركته التابعة و للمشروع دعم و مساندة غير مشروطين.

لكن الشهور بعد الشهور تمضي و المستثمرين المصريين، الذين لم يكن هدفهم هذه النوعية من الجوائز بل فقط الحصول علي فرصة للشراكة مع المستثمر الأجنبي في مشروع استثماري جيد، ينتظرون دراسة المشروع أو خطة العمل أو أي شئ. وطال الانتظار ، بينما رحلات رئيس الشركة التابعة إلي أوروبا والخليج مستمرة بمباركة و حماية رئيس الشركة القابضة، دون أي مردود. حتي تدخل مجلس ادارة الشركة القابضة الذي نفذ صبره من هذا الوضع و فقد الأمل في أي تحرك من رئيسه.

و هنا، استجاب رئيس مصر للاستثمارات المالية للضغط و أرسل تحليلاً مالياً للمشروع. و رغم أنه لم يرق للمطلوب و هو دراسة جدوي كاملة، لم ينتظر مجلس ادارة الشركة القابضة هذه الدراسة و انبرى لتقييم المشروع وفقاً للتحليل المالي و وفقاً لردود فعل الشركات التي ستقيم محطات توليد الطاقة الشمسية في مصر، باعتبارها هي المستهلك الرئيسي لمنتجات المشروع. و هنا، بدأت الحقائق المفزعة تتكشف بعد سنة من التسويف و المماطلة.

بالنسبة لجدوى المشروع، تحليل السوق أثبت أن البيانات المالية و نتائجها المبهرة استندت لافتراضات بعيدة تماماً عن الواقع. منتجات المشروع لن يقبل عليها المستهلك المحلي لأنها تكنولوجيا وليدة غير مجربة و غير مضمونة، بالمقارنة بالمنتجين العالميين العمالقة الذين يتمتعون بتاريخ تشغيلي يمتد لسنوات طويلة.

أسعار منتجات المشروع أعلي بكثير من نظيرتها التي يتم استيرادها و بالتالي لن يقترب منها المستثمرون في محطات الطاقة الشمسية الذين يسعون للربح لا للخسارة! المشروع إذن عديم الجدوى وفرص نجاحه تكاد تكون صفراً.

الحقيقة الأخرى التي تكشفت كانت أكثر افزاعاً. الاستثمار الأجنبي تحول عندما حانت ساعة الجد الي استثمار مصري! فمساهمة المستثمر الايطالي انكمشت الي ٢٠٪ فقط من رأسمال المشروع و أصبح مطلوباً من المستثمرين المصريين توفير٨٠٪ من رأسمال. ليس هذا فحسب، بل ان الجانب المصري وحده سيتحمل تكلفة التعاقد مع مكتب خبرة لإجراء دراسة جدوى كاملة، بمبلغ يقترب من نصف مليون جنيه مصري.

الأدهى من ذلك، اتضح أن المستثمر الايطالي الذي انتظر الجميع منه تدفقاً داخلاً بالعملة الأجنبية، سيتقاضى من مصر ضعف ما سيدفعه لها! فحصة المساهم الايطالي في الرأسمال حوالي ٥ مليون دولار، بينما سيتقاضى أتعاب نظير خدمات هندسية للمشروع بنفس المبلغ و هو ٥ مليون دولار.

و لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل سيتقاضى أيضاً حوالي ٤ مليون دولار إضافية نظير نقل التكنولوجيا الجديدة غير المجربة من أية شركة أخرى. فيالها من صفقة ممتازة للمستثمر الأجنبي الذي سيسترد رأسماله مرتين قبل أن يبدأ المشروع إنتاجه!

عندما تكشفت هذه الحقائق أمام مجلس ادارة الشركة القابضة اتخذ قراراً حازماً بايقاف هذه المهزلة. لكن رئيس الشركة القابضة لم يكتف بما فعله، بل حاول إقناع مجلسه بالاكتفاء بقرار عدم المساهمة في المشروع، و ترك الحرية لرئيس مصر للاستثمارات المالية للاستمرار في الترويج لهذا المشروع لمستثمرين آخرين! الا أن المجلس تصدى بحسم لهذا العبث.

فكيف يُسمح لشركة تابعة بالترويج لمشروع فاشل رفضته الشركة القابضة، لا يستفيد منه سوى شركة إيطالية! و صدر قرار مجلس ادارة القابضة بايقاف الترويج و ابلاغ الجانب الايطالي.

ماذا لو لم يتدخل مجلس القابضة؟ ماذا لو نجح مخطط رئيس القابضة و تابعه، و استكملوا هذا المشروع المشبوه بأموال مصرية، بينما ظفرت الشركة الإيطالية بعوائدها؟ لقد نبهنا من قبل لاستخدام رئيس القابضة مئات الملايين من الجنيهات من المال العام لأغراضه الشخصية بتوزيع منح علي العاملين حتي يضغطوا علي وزير الاستثمار و رئيس الحكومة لابقائه في منصبه.

و لم يحاسبه أحد، و قد شجعه هذا علي الاستمرار في دفع أجندته الشخصية فباع الوهم لوزير الاستثمار، و قفز على رحلة الرئيس تحت ستار الاستثمار الأجنبي الوهمي، ثم تبخرت الوعود و تمخضت عن سراب، باتفاقات تجعل تدفق الاستثمار للخارج و ليس للداخل! لابد من الحساب. ما هذه الاستهانة بالمال العام؟ المفروض أن يعلم من يقدم مصلحته الشخصية علي مصلحة بلده أن حكومة بلده لا تتهاون في ذلك. المال العام خط أحمر. سمعة مصر خط أحمر. و قبل كل هذا، الرئاسة خط أحمر.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق