«عم تاج».. عزة نفس هزمها المرض (فيديو)

الخميس، 19 يناير 2017 01:36 م
«عم تاج».. عزة نفس هزمها المرض (فيديو)
أماني خيري

شاب في مقتبل العمر، بدأ المشقة منذ الصغر، حامل على كتفيه هموم الدنيا بأكملها، استغل قوته البدنية في الحصول على «قوت يومه»، فما بين العمل في «العتالة، والحقول، والبناء»، خارت قواه الجسدية، تراه جالسًا على إحدى الطرقات منتظر الباحثين عن «عمال الأجرة»، تسابقه قدميه إلى سيارة تقف أمام «العاملين بالأجرة»، منتظرًا أن يختاره أحدهم.. 40 عامًا على هذه الحال قضاها عم تاج محمد، ابن مركز إسنا، بمحافظة الأقصر.

المرض انتصر على عزة نفسه.. فبعد أن تهالك جسده وأصابه الوهن، رفض الباحثون عن «عاملي الأجرة» تشغيله، لجأ «عم تاج» إلى التضامن الاجتماعي ليحصل على معاش يمكنه من التعايش هو وزوجته الحبيبة، حتى خصصت له «التضامن» 500 جنيه شهريًا، ليعيل بها أسرته الصغيرة.

وبالرغم من حالته الصحية السيئة، إلا أنه أبى أن يستسلم للمرض، خاصة مع المعاش البسيط الذي خصصته له «التضامن»، فيخرج «عم تاج»، صباح كل يوم مثقل القدمين، حاملًا على كتفه، معداته المعدنية، منحني الظهر، يعتلي إحدى الأرصفة، وبجواره معداته، منتظرًا أن يستخدمه أحدهم في العمل، إلا أن قدميه لم تتمكن من إسعافه مجددًا ليطالب بالعمل.

مر العديد من مستخدمي «عمال الأجرة»، إلا أنهم لم يطالبوا «عم تاج» للعمل، ذهب كل المحيطين بها وأصبح المكان فارغ، اتكأ برأسه على يديه، وبدأت قطرات الدموع تسير على الجلباب بتثاقل شديد- كأنها تأبى أن يبكي، سمع صوت خطوات تقترب منها، فهم مسرعًا بمسح عينيه حتى لا يرى أحد دمعاته، ثم نهض عائدًا إلى البيت، حاملًا على كتفه معداته وخيبة الأمل.

اقتربنا منه وألقينا عليه السلام، ملأت البسمة وجه، واصطحبنا إلى منزله.. حارة ضيقة، وجدران محطمة، التشققات تملاءها، وأحجار البناء تخترق ألوان الجدران، والباب من «دلفتين متهالكتين»، تدخل من باب البيت تجد الظلمات محيطة بالمكان، فلا توجد كهرباء ولا آثاث، غرفة واحدة غطى جدرانها «ستائر رخيصة» متهالكة، وعلى الجانب الأيمن «كنبتين»، ينام كل من الزوجين على واحدة، وإلى جوارهم قطعة من الخشب، أطلقوا عليها «مطبخًا»، تجمع بعض الأطباق البلاستيكية.

وعلى الجانب الأيسر سلم، تآكل من عوامل الطقس، يدخل الضوء إلى المنزل في الصباح، وإلى جواره «زير صغير» تملأه الزوجة بالماء، وإلى جواره « بوتاجاز» قديم، يحجبه عن الضيوف ملاءة سرير، وخلفها قطعة حمراء تحجب الحمام المتهالك الذي منعت الإضاءة أن تدخله.

طالب «عم تاج»، زوجته بالجلوس، وحمل في يده «كنكة»، وبدأ في صناعة الشاي بحب شديد، وعقب أن سألنا عن سباب بكاءه، سكنت عيناه أرض الغرفة الطينية، ولم ترتفع من جديد، تثاقل لسانه في الكلمات، وبدأت الدموع تسكن عينه من جديد، ضمته زوجته، وربتت على كتفيه، قائلة: «حالنا عمره مكان كده، تاج طول عمره شقيان وتعبان علشان يصرف على أهله وبعد كده علينا.. صحيح إحنا ربنا مرزقناش بأطفال إلا أن حالنا تعبان، وده كله بعد مالمرض تمكن من زوجي».

«المكان إلى أحنا عيشين فيه ده مش بيتنا، إحنا مستأجرين، فبعد حادث السيول تسببت الأمطار في سقوط منزلنا، ولم نتمكن من بناؤه من جديد»، بهذه الكلمات أكملت زوجة «عم تاج»، حديثها، في حين أغلقت الدموع عين الزوج، وبدأت أجفانه في مصارعة الدموع حتى لا تنزل أمام زوجته، مسحت زوجته عيناه من جديد، قائلة: «بكره ربنا هيعينك وبأذن الله هتسدد الديون متقلقش».

ثم قال «عم تاج»، صاحب الـ 56 عامًا، والكلمات تأبى أن تخرج: «تعرضت لمحنة منذ نحو عام، ومنذ ذلك الحين ونحن نعاني الأمرين، احتجت لاجراء عملية (بروستاتا) تكلفتها 8 آلاف جنيه، ولم اتمكن من جمع المال من عملي نظرًا لما صرفته خلال فترة مرضي».. سكن الصمت فم «عم تاج»، ثم قال بعنف: «لو كان الفقر رجلًا لقتلته».

ويضيف: «علشان أعمل العملية تداينت مبلغ 8 آلاف و200 جنيه، ولم استطع سداد المبلغ منذ ذلك اليوم، فقدرتي على العمل لم تتيح لي حصد المال منذ إجراء العملية الجراحية، ومعاش التضامن 500 جنيه، بندفع منهم إجار 200 جنيه، والباقي بنصرف منه على البيت، وولاد الحلال بيساعدونا في المصاريف».

«فلوس الناس دين في رقبتي»، كلمات خرجت بحزن شديد، عقب أن قالها، لم يتمكن «عم تاج»، من السيطرة على دموعه، وبدأ في البكاء كطفل صغير خائف من العقاب، متابعًا: «أنا عمر مكان عليا دين لحد، ولكن المرض اجبرني إني أمد أيدي للناس»، صمت قليلًا ومسح عيناه، ضمته زوجته من جديد وربتت على كتفه، ثم استعاد قوته وقال بإذن الله «هسدد ديني.. أنا راضي بكل اللى مكتوب ومعيشتي، ولكني في أمس الحاجة لسداد ديوني»، ثم طالب «عم تاج»، بالتوقف عن الحديث وبدأ في مداعبة الموجودين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق