الروائي العراقي برهان شاوي: "المتاهات" تصفية حساب مع شكوكي وتصوراتي

الأحد، 21 يناير 2018 08:52 م
 الروائي العراقي برهان شاوي: "المتاهات" تصفية حساب مع شكوكي وتصوراتي
الكاتب برهان شاوي

وصف الروائي العراقي برهان شاوي، سلسلة رواياته "المتاهات"، بأنها مشروع روائي يتماهى ويتناصّ بشكلٍ مضادّ مع جحيم "دانتي أليغيري". موضحًا أن "الكتابة الإبداعية الروائية ليست بطرًا ثقافيًّا أو تسليةً وقضاءً لوقتٍ فائض، بل إنها رحلة في جحيم الفكر والذات والروح المفكرة".

الكاتب والمفكر العراقي صدر له مؤخرا عن دار النخبة للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة، وهو يجمع بين العديد من الفنون الإبداعية المتنوعة، من بينها الكتابة الروائية وقرض الشعر والسينمائي والمترجم والأكاديمي. وهو يُعد من أبرز الأسماء العربية التي أغنت المشهد الثقافي العربي، بإبداعاته التي دلّتنا على مثقف ومفكر حر من طرازٍ رفيع.

وإلى تفاصيل الحوار:
 
عرِّفنا بما تودّ قوله عبر مشروعك الروائي ــ المتاهات، وإذا أردنا تصنيف رواياتك، فماذا نقول؟
 
الحقيقة ربما ما أقوله لا يعجب البعض، لكن سبق وأن أوضحت هذا بأن ما أود قوله قد قلته في رواياتي، لا سيما "المتاهات"، ومَن يريد أن يناقشني فكريًّا وجماليًّا أدعوه لقراءتها؛ فليس لدي قول خارج ما قلته في هذا العالم الروائي المتداخل والملتف والغامض.فالمتاهات بالنسبة لي تصفية حساب مع شكوكي وتصوراتي وفهمي للعالم وللإنسان، وكتابة كل هذا كان بالنسبة لي تطهير روحي ونفسي.لا أريد قول شيء، وإنما أوضح شكوكي.لا إجابات لدي وإنما أنا مكتظٌّ بالأسئلة.
 
لقد صدرت من "المتاهات" سبع روايات متسلسلة، هي: متاهة آدم، ومتاهة حواء، ومتاهة قابيل، ومتاهة الأشباح، ومتاهة إبليس، ومتاهة الأرواح المنسيّة، ومتاهة العميان... ومشغول حاليًا بإنجاز المتاهة الثامنة "متاهة الأنبياء"، وأعتقد أن "المتاهات" هي أطول رواية كتبت باللغة العربية إلى الآن، حتى أطول من "ألف ليلة وليلة"، لكن العبرة ليست في الطول طبعًا، أما من ناحية التصنيف الروائي فأعتقد أن هذا الأمر متروك للنقد الأدبي والفلسفي والاجتماعي. وشخصيًّا يمكنني أن أصنفها بأنها روايات "معرفية".
 
رحلة الإنسان عبر الجحيم الأرضي، تمر بتسع بوابات! هل قدّرت لمشروعك الروائي سلفًا بأن تتمّه تسع روايات؟
 
يمكنني من ناحية الجانب الشكلاني المعماري لمشروع "المتاهات" السردي الروائي، تبيان أن "المتاهات" مشروع روائي يتماهى ويتناصّ مع "جحيم" دانتي أليغيري، حيث نجد في "جحيم" دانتي أليغيري تسع طبقات على خلاف الأديان الإبراهيمية، حيث للجحيم سبع طبقات، فــ "جحيم" دانتي تنتهي بالطبقة التاسعة حيث نلتقي بالشيطان "لوتشيوفيري"، بينما في "المتاهات" على الضد من دانتي أليغيري يتصاعد بنيان "المتاهات" إلى الأعلى حيث يكون "الله" في الطبقة العليا التاسعة.
 
وعلى أساس ذلك قررت أن تكون "المتاهات"، لكن هنا عليّ التوضيح بأني حين بدأت بكتابة "متاهة آدم" لم يكن في ذهني كتابة أي متاهة أخرى، لكني حينما انتهيت من الرواية وجدت أنني أسأت لبطلتها "حواء المؤمن"؛ لأن حضورها الروائي ناقص، فالمرأة الحقيقية التي منها شكّلت شخصية "حواء المؤمن" مرّت بتحولات لم تظهر في متن الرواية؛ لذا فكرت بمواصلة حكايتها ورصد تحولاتها الروحية ومصيرها الغامض؛ لذا واصلت كتابة  متاهتي الثانية "متاهة حواء"، لكني مع انتهاء المتاهة الثانية عن "حواء المؤمن" وجدت نفسي أنني قدمت رواية ناقصة، فيفترض أن أتتبع مصير زوجها وشريكها في بطولة "متاهة آدم"، وأقصد هنا "آدم التائه"؛ لذا قررت كتابة "متاهة قابيل"؛ لأواصل مصيره، لكني توغلت عميقًا في رحلة "آدم التائه" فامتدت هذه الرحلة على مدى متاهتين، وهما "متاهة قابيل" و"متاهة الأشباح"، لكني وأنا أنتهي من "متاهة الأشباح"، وجدت نفسي أمام شخصيات أخرى واقعية وليست افتراضية تبحث لنفسها عن سارد لحياتها، لذا واصلت مع الشخصيات الواقعية "حواء الكرخي" و"حواء ذو النورين" رحلتهما إلى دمشق، ومن ثم مواصلة "حواء ذو النورين" رحلتها إلى إيطاليا، وبالتحديد إلى فلورنسا. وهذا ما اضطرني للسفر إلى فلورنسا والبقاء فيها ما يقارب الشهر؛ لدراستها ودراسة كنائسها، وشوارعها، وأزقتها، ومطاعمها، وفنادقها، ومتاحفها و، و... وفجأة، وأنا أجلس في مقهى بالقرب من بيت "دانتي أليغيري" الذي تحول إلى متحف، شعرت بانخطاف وجذب، وكأن ستارة انقشعت أمام عيني، وتجسدت "جحيم" دانتي في ذهني بطبقاتها التسع، وكأن صرخة انطلقت من أعماقي مثل صرخة نيوتن: وجدتها. ومنذ تلك اللحظة أعدت قراءة "جحيم دانتي أليغيري" للمرة الخامسة، وترسخت ملامح مشروعي الروائي بكتابة تسع متاهات.  
 
حدثّنا عن قدر الحرية الذي يتمتع به أبطالك، هل تتدخل في مصائرهم؟
 
أتدخل أنا ككاتب روائي كما يتدخل رسام البورتريهات في وضع الخطوط الأولية والتخطيط الخارجي (السكيتش) الأولي، لكن هذه الخطوط تختفي ولن تُرى بعد ذلك حينما تتداخل الألوان على سطح اللوحة. لكن فيما يخص الشخصيات وحريتها الروائية أسعى بكل قدرتي ألّا أتدخل في طرائق تفكيرهم وتعبيرهم عن رغباتهم وشهواتهم وتناقضاتهم وشكوكهم ولحظات ضعفهم وقوتهم. عنفهم وهمجيتهم، سموهم وابتذالهم. وقد ساعدتني دراستي للسينما والمسرح في ضبط عملية التقمص النفسي للشخصيات أثناء الكتابة؛ لذا فإني أمنحهم مطلق الحرية في التعبير عن شخصيتهم الروائية.
 
تداخُل الواقع بالافتراضي في متاهاتك، وأن يحمل كل أبطالك اسمي آدم وحواء، وأن تتشابه مصائرهم المأساوية، هل ثمّة تفسير لذلك؟ كأن أرى مثلًا هاجس الخطيئة والتطهير يجوب بيوت الأبطال؟ أو أن الواقع العراقي كان في خلفية المشهد؟
 
تداخُل الواقع بالافتراضي مرجعيته هو اهتماماتي العلمية في الفيزياء الكونية وفي كل ما له علاقة بالعوالم المتوازية وتداخلها؛ لذا استعرت ذلك في بناء "المتاهات". أما إطلاق اسم " آدم" على الرجال "وحواء" على النساء، فهو يرجع إلى التعالي على القومي والجغرافي، والعودة إلى الأساطير الدينية بأن "آدم" هو الإنسان الأول وهو يرمز لكل الرجال، و"حواء" هي المرأة الأولى وترمز لكل النساء. أما تشابه المصائر فهو تجسيد للوضع البشري المتشابه بشكل عام، وتجسيد لقدر العراقيين المأساوي بشكل خاص. أما هاجس "الخطيئة والتطهير" فهما بهذا الشكل أو ذاك المرجعية الأولى للأساطير الدينية وللأخلاق. وفي المتاهات سعي لتفكيك عقدة "الخطيئة" الأولى وتحرير الإنسان من هذه العقدة الدينية.
 
أبطال متاهاتك وقفوا في منطقة الشك المضيء، ورغم شجاعتهم في فهم تناقضاتهم ووعيهم لمآسيهم، إلا إنهم لم يكفوا عن طرح الأسئلة، ثم يواصلون التيه عبر دروب المتاهة ولا نجد أجوبة! أين كان يقف الإيمان منهم، وكيف يتحقق؟
 
هذا صحيح جدًّا، أنا أوقظ الأسئلة ولا أجوبة لدي. السؤال هو متني، والأجوبة هامش المتلقي. السؤال واحد والأجوبة متعددة. حواء الكرخي تقول في بداية المتاهة الرابعة "متاهة إبليس": أنا حواء الكرخي، أشك في كل شيء. طمأنينة اليقين تخيفني، بينما قلق الشك يمنحني الطمأنينة. الشك هو الذي يقودني إلى الحقيقة، لكن الحقيقة متاهة، متاهة تفضي إلى شك جديد. أعتقد أن الله يحب الشكاكين أكثر من المؤمنين. إنه يبارك قلقهم العظيم؛ لأن الشكاكين، يفكِّرون فيه دائمًا، يحبونه، يريدون أن يعرفوه بجلاله وعظمته ووجوده. المؤمنون قطيعٌ مُطمئنٌّ لمصيره".
 
سعيت في متاهاتك لتفكيك بعض الأساطير الدينية، وكذا رفع الحجاب عن الثقافة العربية المحافظة، والقيم المهترئة. حدّثنا عن ذلك، وكيف استقبل القارئ العربي كل هذه الطَّرقات.
 
كما قلت في البداية فإن تفكيكي للمقدس والأساطير الدينية هو نابع من شكوكي بها ونقدي لها ومحاولتي لتطهير نفسي، لكن العقل العربي لم يتحمل ذلك. فعلى الرغم من العدد البائس من نسخ الروايات وهو لا يتعدى ألف نسخة من كل رواية لمئات الملايين من الناس، فإن بعض الدول منعت "المتاهات" من التوزيع والتداول في مكتباتها، ولم يسمح لها بالتوزيع إلا في معارض الكتب السنوية. ناهيك عن سوء الفهم الذي واجهته من البعض ومن سيال الشتائم والاتهامات والتهديدات التي وصلتني كردود فعل من بعض المحافظين. وطبعًا هناك ترحيب واحتفاء من حشد آخر من المتلقين الأفراد.
 
ذكرت في حديث منشور، إن «أيّ حديث عن الحداثة لا يقترب من المقدس هو مجرد هراء...»، كيف ترى الطريق إلى التنوير العربي، هل هناك أي بارقة أمل؟
 
تاريخيًّا أنا متشائل، لست واثقًا مما سيؤول إليه الأمر بانتصار العقل والتنوير ــ ربما بعد قرون؟ لا أدري. وواقعيًّا أنا متشائم ولا أرى أي بارقة أمل أمام هذا الاستبداد العقائدي والهوس المجنون بالظلام. 
 
كتبت الشعر أولًا، ثم اتجهت للرواية؛ فهل اتسعت الرواية لكل ما يفيض به وعي برهان شاوي ورؤيته؟
 
سبق لي وأن كتبت مقالًا عن تحولي من الشعر إلى الرواية، وأوجزته بإعادة قراءة مقولة النفري: "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة"، وربما هذا صحيح في الشعر، لكن في الرواية الأمر معكوس؛ فكلما اتسعت الرؤية تفجّرت ينابيع اللغة وفاض الكلام والسرد.
 
سعيت خلال الشهرين الماضيين لنشر أعمالك في مصر، فما انطباعك الأولي عن تجربة النشر في مصر، وهل ترى ما يميز القارئ المصري عن غيره؟
 
الحقيقة ومن خلال معرفتي ومتابعتي لدور النشر التي أصدرت من خلالها رواياتي؛ فإن المتاهات وحتى رواياتي الأخرى لم توزع بشكلٍ لائق في مصر لأسباب تسويقية تخص الشحن ــ ربما، فرواياتي ضخمة وثقيلة، وربما تكون مكلفة في الشحن. عمومًا، يسعدني الآن أن أعيد نشر المتاهات في مصر؛ فلمصر ومثقفوها المكانة الأبرز والأثيرة في الثقافة العربية. ويسعدني أن تكون المتاهات بين أيدي المثقفين المصريين خاصةً، والقارئ المصري بشكلٍ عام.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق