الإرهاب القبيح أكثر عداء للحياة في 2015

السبت، 26 ديسمبر 2015 01:38 م
الإرهاب القبيح أكثر عداء للحياة في 2015

حقائق وقراءة معطيات واقع عام 2015 تؤكد أن الإرهاب عدو الحياة كان أكثر عداء لها خلال هذا العام ، وأن المعركة ضده لم تحسم بعد ، وإنه بات ظاهرة من أشد الظواهر المهددة للأمن والاستقرار العالمي ، لعدم تفريقه بين دولة متقدمة لديها الإمكانيات والقدرات في وسائل مواجهته ومكافحته وأخرى تفتقر لتلك الأدوات والآليات ، فالمعركة ضد الإرهاب ليست معركة اليوم أو الغد القريب فحسب ، وإنما هي معركة الحاضر والمستقبل كما تشير الحقائق.

كما أن ظهور الإرهاب الإلكتروني يرسم صورة مستقبل الإرهاب ويؤكد تعاظم خطره في العالم بعدما أضاف تكنولوجيا المعلومات لأدواته فأصبح حتما الخطر المحدق بالبشر في الأعوام القادمة ، وبات هاجسا يخيف العالم لسهولة تنفيذ الإرهابيين لهجماتهم عبر الإنترنت ، وقد سعت العديد من الدول إلى اتخاذ التدابير الاحترازية لمواجهة هذا السلاح الخطير لكنها جهود لم تكلل بالنجاح بعد.

الإرهاب والقتل والتخريب وإثارة الفتن والنزاعات المحلية والإقليمية والترويج لها والتحريض عليها والتمويل للحرب بالوكالة ، عوامل جعلت الإرهاب سيد موقف عام 2015 ، امتلأ العام بالجرائم والمذابح والصراعات والاقتتال ، مخلفا أعدادا لا حصر لها من الضحايا والمصابين والمشردين ، خراب ودمار لحق بالعديد من المدن فى مختلف الدول التي وقع الاختيار عليها لتكون مسرحا لمخططات وأهداف المدبرين والإرهابيين ، والدعم والارتباط بين الإرهاب والمحيطين الإقليمي والدولي يعطى قبلة الحياة للتنظيمات الإرهابية عند وصولها لمرحلة الاحتضار.

التطورات المتلاحقة للإرهاب كانت واضحة أمام أعين العالم ، ونتيجة لغياب المشاركة والتنسيق الدولي الفاعل لاحتواء هذه الظاهرة ومعالجة أسبابها استفحلت واستشرت ، وطل الإرهاب بوجهه القبيح على يد تنظيم "داعش" الإرهابي ، ساعيا لزعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي ، فقد هدد دولا إقليمية كثيرة في منطقة الشرق الأوسط ، ومازال يهدد بشن عمليات إرهابية ضد دول أوروبية ، وأخرى حليفة لها وراح يلف نيرانه حولها.

وأدرك التنظيم الإرهابي أن منطقة الشرق الأوسط تعوم على جبل من الرمال المتحركة التي تعزز تواجدها الفتن الطائفية ، والصراع المذهبي ، والاستبداد والفقر والبطالة ، والانهيار السياسي والفوضى ، حيث تم استثمار كل هذه العوامل في مخاطبة تنظيمات كانت مدفونة وسط هذه الرمال لإعادتها مرة أخرى للحياة على سطح الأرض ، وتغذيتها بالدعم المادي والعسكري.

ويسعى التنظيم إلى كسر الحدود ، وإفساد مخطط "سايكس - بيكو" ، وتوحيد الدول لإقامة دولة "الخلافة" ، وفقا لمزاعمه وكتبه والفيديوهات والبيانات التى ينشرها ويروج لها ، وبات لا يكتفى بالقتال فى سوريا والعراق ، بل يجتذب جماعات كانت موالية لتنظيم القاعدة فيضمها إلى صفوفه ، لإثبات هيمنته على التنظيمات المتطرفة حول العالم ، وإنهاء أسطورة تنظيم "القاعدة" ، وبات خطر التنظيم يتجاوز الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها بين سوريا والعراق ، ووصل إلى الدول الأوروبية ينفذ فيها عمليات إرهابية وهجمات مسلحة باسم الدين.

وشبه محلل دولي لشئون الجماعات المتطرفة في بريطانيا التنظيم الإرهابي بأنه أشبه بالصلصال ، كلما حاولت الضغط عليه من جانب ، ظهر من جانب آخر ، مدللا على ذلك بالفيديو الشهير الذي أصدره "داعش" لمجموعة من مقاتليه وهم يمزقون جوازات سفرهم ويستبدلونها بجوازات مكتوب عليها "دولة الخلافة الإسلامية" ، والذي يعد خير شاهد على مساعي التنظيم للإعلان عن نفسه ككيان موجود ودولة لا تعرف الحدود تغزو الشرق والغرب.

والمعضلة الحقيقية في تلك الظاهرة تتمثل في انخراط أبناء وبنات أوروبا من المسلمين في صفوف "داعش" والالتحاق بالقتال فى سوريا والعراق تحت زعم الجهاد ، وتزايد عدد معسكرات تدريب مقاتلي التنظيم فى سوريا والعراق وليبيا التي استقبلت مقاتلين من عدة دول ، ويسيطر التنظيم على عدة مناطق شرقا ، وأعلن مدينة سرت الليبية ولاية إسلامية ، ويسعى للتمدد والتوسع باتجاه المغرب العربي.

تحديات هائلة تواجهها القارة الأوروبية في مواجهة ظاهرة الإرهاب التي ضربت عدة دول، الأمر الذي وضعها أمام حتمية تكثيف التعاون لمواجهته ، وتعزيز إجراءاتها الأمنية لإفساد أي عملية إرهابية محتملة ، إجراءات ضرورية اتخذتها الكثير من الدول ومنها تبادل المعلومات الاستخباراتية وتجفيف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية ، حيث ترى مصادر الاستخبارات الداخلية في ألمانيا أن خطر الإرهاب في أوروبا يزداد كلما تمكن "داعش" من تحقيق السيطرة على مناطق جديدة فى سوريا والعراق.

وفرضت فرنسا التي حظيت على المستوى الأوروبي بأكثر عدد من الهجمات الإرهابية إجراءات أمنية مشددة خوفا من وقوع هجمات إرهابية جديدة بعد هجمات مصنع الغاز بمدينة ليون وهجمات متحف باردو وصحيفة شارل إبدو ، إلى جانب سلسلة هجمات إرهابية منسقة شملت عمليات إطلاق نار جماعي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن فى مسرح باتاكلان ، وأعلنت كل من إسبانيا وإيطاليا وبريطانيا واستراليا حالة الطوارئ وقامت بتشديد الإجراءات الأمنية لمواجهة خطر الإرهاب.

وهناك تعاون عالمي تحت مظلة الأمم المتحدة دعت إليه أوروبا لمواجه "داعش" خشية على مصالحها ، مما أدى إلى ظهور تحالفين الأول بقيادة روسيا، والثاني تقوده أمريكا.

ووفقا للعدد الثاني من مجلة "دابق" بات التنظيم يكفر حكام العالم دون استثناء ، وله استراتيجية مختلفة من دولة لأخرى ، وله فيها عناصره أو يسعى لتشكيل خلاياه داخلها، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يعتمد على مخاطبة الجمهور المضطهد في بعض الولايات نتيجة العنصرية، واهتم بتوجيه خطابه لـ"السود" لتشكيل كيانات وخلايا عنقودية ظهر تأثيرها من خلال عدة عمليات منها ما استهدف مؤخرا معرضا للرسوم فى فرنسا وبريطانيا ، ويعتمد التنظيم على المهاجرين العرب والأفارقة من الجيل الثاني والثالث الذين يشعرون بحالة من الاغتراب والعنصرية فى الدول الأوروبية.

ولم يكتف التنظيم باحتلال رقعة واسعة من أراضى سوريا والعراق منذ يونيو 2014، فقد سيطر على الجنوب واتخذ من الرقة فى سوريا معقلا له ، بالإضافة إلى الموصل فى العراق وأتبع ذلك بالسيطرة على مدينة تدمر والحدود السورية العراقية ونظيرتها السورية الأردنية ، ووسع نفوذه بشكل كبير خلال العام الجاري ، وتزايد هذا النفوذ بدعم بعض الجماعات الإرهابية الأخرى وإعلانهم الولاء له وهو ما ساعده على تنفيذ عدة هجمات في جميع أنحاء العالم.

ولا تزال تركيا تمثل نقطة العبور الأكثر استخداما للانضمام إلى صفوف التنظيم المتطرف ، وهو ما يتسبب فى اندلاع معارك بالقرب من الحدود التركية بين القوات الكردية وعناصر "داعش".

وفى ليبيا ، سيطر التنظيم بشكل كامل على مدينة سرت الليبية ، ويحاول السيطرة على درنة ومصراتة للانتشار فى جميع أنحاء البلاد ، ويستخدم التنظيم البلاد كساحة للتدريب ، كما أن هناك ما لا يقل عن 3 آلاف مقاتل منضمين لداعش على أرض ليبيا.

وفي لبنان أعلنت حركة "أنصار السنة" فى بعلبك المناهضة لحزب الله ، ولاءها للتنظيم عقب إعلانه الخلافة ، وذكرت تقارير أن التنظيم لديه خلايا نائمة فى لبنان ، وحاول السيطرة على بعض القرى اللبنانية فى أوائل عام 2015، إلا أن حزب الله تمكن من إحباط هجومه على الحدود السورية اللبنانية ، وتقوم استراتيجية التنظيم فى لبنان على محاربة حزب الله من خلال خطاب مذهبي طائفي يهدف لإشعال البلد بالفوضى لضمان وجوده.

وفي الكويت ، لم يظهر للتنظيم مكان كبير ولم يظهر لهم نشاط سوى في تفجيرهم لمسجد شيعي، وهو الحادث الذى راح ضحيته 27 شخصا ، أما فى اليمن فقد أعلن التنظيم عن خلافته مطلع العام الحالي وللتنظيم نشاطات فى وسط وجنوب وشرق اليمن ، خصوصا فى حضرموت التي داهم فيها عدة مواقع عسكرية ، ونشر فيديو لأنصاره وهو يرفعون رايته السوداء فى العاصمة صنعاء مؤخرا كما نفّذ عدة هجمات انتحارية ضد المساجد الشيعية ومقار للحوثيين واستغل الفوضى المنتشرة هناك وحالة الارتباك لضمان موضع قدم باليمن.

وفي الجزائر ، أعلنت الجماعة المعروفة باسم "جنود الخلافة" ولاءها لـ"داعش"، ويعتمد التنظيم في نشاطه هناك على الخلفية التاريخية للتنظيمات المتشددة مثل تنظيم "أنصار الشريعة" ، وينفذ التنظيم بشكل دوري عمليات إرهابية فى تونس ، كان آخرها هجوم سوسة، ولضمان تمدده في جنوب أفريقيا، استطاع التنظيم الحصول على ولاء تنظيم "بوكو حرام" ، أكثر فروع التنظيم دموية ، والذي ينفذ عمليات إرهابية بشكل متواصل ضد الأقليات.

وظهر "داعش" فى باكستان مع إعلان بعض عناصر طالبان المنشقين الانضمام للتنظيم الجديد، وسيطر التنظيم على المنطقة التاريخية "خورسان" التى تجمع مناطق من باكستان وأفغانستان والهند ، وأعلن أحد قادته ، الذى كان أحد قادة طالبان السابقين ، حاكما لتلك المنطقة ، وعلى الرغم من عدم وجود رسمي لداعش فى أفغانستان، إلا أن بعض الجماعات المسلحة أعلنت ولاءها له بعد أن استهدف التنظيم الجديد الشباب المصاب بخيبة أمل فى صفوف القاعدة ، ورفع بعض أنصاره أعلام "داعش" بالقرب من كابول.

ويقول بعض المحللين إن خطر انتشار وتمدد الجماعات الإرهابية المتشددة ومنها تنظيم "داعش" الإرهابي" لا يزال يشكل مصدر قلق وخوف بالغين للعديد من حكومات دول آسيا التى تجد صعوبة بالغة فى التعامل مع هذا الملف الخطير الذى يعد تهديد حقيقي للأمن والاستقرار فى الدول التى تعانى من مشكلات وأزمات أمنية واقتصادية كبيرة قد تكون سببا في تنامى خطر هذا التنظيم الإرهابي فيها ، حيث تعتمد استراتيجيته على خطط خاصة لتجنيد وتمويل وتنفيذ العمليات الإرهابية في جميع أنحاء العالم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق