معركة الدكتورة نفوسة

الأحد، 06 فبراير 2022 10:00 ص
معركة الدكتورة نفوسة
حمدي عبد الرحيم يكتب:


أوّل عميدة لكلّـيّة البنـات في القصــيم وكشفت عن وجود الفصحى والعامية في كل اللغات وردت على القائلين بإن العرب فقط هم الذين يعانون من لهجة محلية عامية ولغة فصيحة قديمة
 
 
من العجيب المريب، أن أهل الباطل يقدمون دماء رقابهم قربًا على مذبح باطلهم، بينما أهل الحق يغطون في نوم عميق مطمئن!
 
ينفخ بعضهم الآن في نيران معركة الفصحى والعامية، وقال أحدهم صراحة: هذه معركة أجيال وستكون الغلبة لمن يصبر ولا يترك الميدان ساعة من ليل أو نهار.
 
نعم هى معركة، ومعركة شرسة، لأنها تريد ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها، وتلك المعركة لها جذور قديمة جدًا، وقد نبهني لتلك الجذور فضيلة الأستاذ الإمام محمود محمد شاكر، فقد وضع في كتابه العلامة "أباطيل وأسمار" فقرة في غاية الخطورة، والذين يعرفون الأستاذ شاكر يعرفون أنه ليس من المسرفين، فهو لا يسرف في مدح أو مذمة، ويكتب بميزان الذهب.
 
كتب الأستاذ الإمام عن كتاب "تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر"، الذي كتبته الأستاذة الدكتورة نفوسة زكريا: "هذا الكتاب النفيس من تأليف الدكتورة نفوسة زكريا سعيد، المُدَرِّسة بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والجهد المبذول في جمع مادة هذا الكتاب جهد يدل على التجرد الصحيح السليم في طلب المعرفة، وعلى الصدق في السعي إلى الحقيقة، وعلى النفاذ في إدراك الحقائق، وعلى الصبر في معاناة التنقيب بلا كلل ولا ملل.
 
ولا أظنني قرأت منذ سنوات طوال كتابًا يتناول المسائل العامة في حياتنا الحديثة بَذل فيه صاحبه من الوقت والجهد والأناة ما بذلته الدكتورة نفوسة في كتابها هذا، ولا أظنني قرأت أيضًا في هذا الدهر كتابًا ينبغي لكل عربي وكل مسلم أن يقرأه من ألفه إلى يائه يضارع هذا الكتاب! وحسبها أنها استطاعت أن تجلو للناس صورة صحيحة صادقة مؤيدة بالأسانيد بلا تزيّد ولا كذب ولا ادِّعاء عن أكبر معركة تدور في العالم العربي والإسلامي؛ وهي: معركة البناء أو الهدم، معركة الحياة أو الموت، معركة الحرية أو الاستعباد، معركة وحدة العرب والمسلمين بلغة عربية واحدة هي لغة الفصحى أو تفرُّق العرب والمسلمين أشتاتًا بلغات متنابذة هي العامية.
 
ولو كان لي من الأمر شيء لأَمرتُ أن يطبع هذا الكتاب ليكون في يد كل شاب وشابة، وكل رجل وامرأة، ويكون له مختصر ميسر لكل من مكَّنه الله -تعالى- من القراءة، ولَستُ أريد الإغراق في الثناء وإخلاء الكتاب من كل عيب، ولكني أراه كتابًا صالحًا لكل مثقف يجد فيه مادة صحيحة لتاريخ معركة قاسية خبيثة، إذا وقانا الله شرها باليقظة فقد نجونا من المحنة الساحقة، وإذا أسأنا فابتلينا بتمام الغفلة؛ فذلك ذل الأبد -ولا حول ولا قوة إلا بالله وحده-"
مَنْ هى الدكتورة نفوسة لكي تستحق كل هذا الثناء من الشيخ شاكر أسد العربية؟ 
 
عن صفحة بالفيس بوك تحمل اسمها أنقل هذه الترجمة للدكتورة نفوسة: "وُلِدت الدكتورة نفوسة في الإسكندرية في 3 نوفمبر 1921، وفي عام 1946 نالت درجة الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بكلّيّة الآداب- جامعة الإسكندرية بتقدير ممتاز لتكون أوّل معيدة بالقسم وبالكلية، وفي عام 1953 نالت درجة الماجستير بمرتبة الشرف الأولى، وكان موضوع الرسالة «البارودي حياته وشعره»، وظلّ هذا البحث مخطوطاً قرابة أربعين عاماً حتى نشرته مؤسَّسة البابطين عام 1992.
 
وفي عام 1959 نالت درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف الأولى عن رسالتها "تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر"، ونُشِرَت الرسالة عام 1964. درّستْ في كلّيّة الآداب- جامعة الكويت، وفي السعودية في كلّيّة البنات في الرياض وفي الدمام، وكانت أوّل عميدة لكلّـيّة البنـات في القصــيم، ومن مؤلَّفاتها الأخرى إلى جانب رسالتيْها للماجستير والدكتوراة كتاب "عبد الله النديم بين الفصحى والعامية" (الدار القومية للطباعة والنشر 1966)، الذي قالت عنه أنه "استدراك ما فاتني ذكره في كتاب تاريخ الدعوة إلى العامية عن دور عبد الله النديم في المعارك التي خاضتها العربية الفصحى في عصره، ومنها معركتها مع العامية" ووقوفه بجانب الفصحى رغم سعة معرفته بالعامية وكثرة تجاربه في استخدامها والشهرة التي نالها عن طريقها.
 
كتاب "خرافات لافونتين في الأدب العربي" الذي أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب طبعه عام 2014.
 
بحث "الفصحى واللهجات العامية وأثرها في قومية الثقافة ومحليتها" الذي أعدّته بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية، وقُدِّم لمؤتمر الوحدة والتنوع في الثقافة العربية المعاصرة سنة 1971.
 
وقد توفيت الدكتورة نفوسة في 18 أكتوبر 1989 عن عمر يناهز الثامنة والستين".
 
يكفينا النظر في مقدمة كتاب الدكتورة نفوسة لنعرف لماذا مدحها الشيخ شاكر.
 
في المقدمة عرَّفت الدكتورة نفوسة بالفصحى والعامية ووجودهما في كل اللغات، وفي اللغة العربية منذ أقدم العصور، واتساع الخلاف بينهما في العربية وسببه، والميدان الذي اختصت به كل من الفصحى والعامية ومزاحمة الأخيرة للأولى بعد الدعوة إلى اتخاذها آداة للتعبير الإنساني أواخر القرن التاسع عشر.
الفقرة السابقة ترد على الذين يقولون إن العرب فقط هم الذين يعانون من لهجة محلية عامية ولغة فصيحة قديمة.
 
فكل اللغات لها فصحى ولديها عامية، وتلك ظاهرة قديمة جدًا، وكانت الفصحى النقية للجليل من الأمور من كتابة القصائد إلى توثيق المعاهدات الرسمية، أما اللهجة فهى للتعامل اليومي بين رجال الشارع، ثم وقعت الأمة العربية والإسلامية بين أنياب الاحتلال الغربي فبدأت المعركة، لأن الغرب لم يكن يرمي بكل سهامه سوى القرآن ، نعم هذا هو الأمر على صورته الحقيقية بدون لف أو دوران أو خداغ أو تدليس أو لبس وغموض، هذه الأمة لا يجمعها إلا القرآن، ففكر المحتل الغربي في هدم الجامع ونقضه وذلك بالاعتماد على اللهجات المحلية التي إن سيطرت وهيمنت وضغطت فلن يعرف المصري من كلام المغربي كلمة ولن يعرف العراقي من كلام اليمني كلمة.
 
تقول الدكتورة نفوسة: إن أول ظهور حقيقي للمعركة كان على يد الألماني ولهلم سبينا الذي كتب في العام 1880 كتاب " قواعد العامية العربية في مصر"
تأمل العنوان وتأمل عام النشر، تجد العنوان يتحدث عن العامية العربية وتجد العام يسبق وقوع مصر تحت الاحتلال الإنجليزي بعامين فقط!
 
 وبعد سبينا جاء الدور الإنجليزي وليم كوكس وهو مهندس طرق وكباري عمل في مصر والعراق وتركيا، ولكنه كان شديد الاهتمام بجعل العامية المصرية لغة كتابة ولغة علم، فقام بترجمة مقطوعات من مسرحيات شكسبير ونشرها بالعامية المصرية في العام 1892، ثم ترجم الإنجيل إلى العامية المصرية ونشر ترجمته في العام 1925 ثم نشر كتابًا بالعامية المصرية تحت عنوان "الأكل والإيمان" في العام 1926.
هل تأكدنا من أن المعركة قديمة جدًا؟
 
هل تأكدنا من أن الغربي المحتل هو الذي أشعل نيرانها؟
 
تكشف الدكتورة نفوسة: الستر عن الأجانب الذين كانوا يشكون من افتقار العامية إلى أدبٍ مدونٍ، فقاموا بجمع أدب العامة ونشره، ومن كتبهم التي تضمنت هذا الأدب العامي: كتاب مجموعة أرجاز مصرية (1893م) (1930م) جورج كولانو، ومجموعة من الأغاني الشعبية المتداولة في مصر العليا لجاستون ماسبيرو، حكاية باسم الحداد وما جرى له مع هارون الرشيد (1888م) للكونت كارلو دي لنـدبرج، أربع حكايات باللهجة القاهرية (1904م) دولاك، قصص عن أخبار العرب (1908م) أنو ليتمان!
 
المعركة التي سجلتها بكل دقة ووضوح الدكتورة نفوسة جذبت نيرانها الشيطانية بعض العرب المصريين، منهم القاضي الكبير عبد العزيز فهمي باشا الذي دعا إلى محو الحروف العربية والاستعانة بالحروف اللاتنية!
 
هل ـ لا قدر الله ـ لو نجحت دعوة فهمي باشا كنا سنعرف شيئًا عن القرآن؟
 
ثم تمضي الدكتورة نفوسة في فصول كتابها لتميط اللثام عن تلك المعركة المستعرة التي يسعى البعض الآن لاشعالها مرة ثانية بل عاشرة، في كل مرة يفشلون وتبقى الفصحى لغة لأمة كتابها هو القرآن ولكنهم لم يرفعوا الراية البيضاء بعد، بل نسمعهم يتحدثون عن صبر الأجيال وتواصل النضال من أجل طمس العربية الفصحى.
 
كتاب الدكتورة نفوسة نشرته دار المعارف في العام 1964 وظني أنه قد نفد من زمن بعيد، لكنه موجود على شبكة الانترنت، فمن شاء معرفة سحر الدراسات العلمية التي تدافع عن أمتها فعليه بتحميل الكتاب وقراءة كلماته كلمة كلمة.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق