يوسف أيوب يكتب: التحولات الجذرية في سياسات مصر الخارجية

السبت، 05 فبراير 2022 05:00 م
يوسف أيوب يكتب: التحولات الجذرية في سياسات مصر الخارجية


القاهرة انتقلت من محور الاستقرار في الشرق الأوسط إلى بناء التنمية في القارة الأفريقية والفاعل القوى في تمتين العلاقات الدولية 
 
لا يمكن فصل التحركات التي تقوم بها الدولة المصرية مؤخراً في الإطار الإقليمي والدولى عن الاستراتيجية والسياسة التي تسير عليها الدولة منذ 2014 وحتى اليوم، فالهدف واضح للجميع، وهو أن مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، تمثل محور الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، بل يمكن القول أنها تخطت المنطقة، وبات حضورها في الإطار الدولى وتحديداً الأفريقي محل اعتبار اليوم، ليس فقط من المتابعين للتحركات المصرية النشطة في هذه المنطقة، بل من قادة الدول الأفريقية، الذين يرصدون بكل دقة كل تفاصيل النشاط المصرى، الذى يستهدف في الأساس إيجاد آليات تعاون مشترك، لمواجهة الكثير من التحديات التي تواجه دول القارة السمراء، وفى مقدمتها التنمية ومواجهة الإرهاب والأفكار المتطرفة.
 
إذا بدأنا الحديث عن الشرق الأوسط، وهى المنطقة التي نعيش بداخلها، وتعد أخطر بؤرة جيوسياسية في العالم، فالملاحظ ان الدور الإقليمى الذى تقوم به مصر تجاه قضايا المنطقة يؤكد أن القاهرة حينما تتحرك فإن المنطقة تتحرك معها، وليس أدل على ذلك من الدور المصرى الواضح والفعال فى القضية الفلسطينية والأزمة الليبية والمشكلة السورية والأوضاع فى لبنان والأزمة اليمنية، بالإضافة إلى معالجة قضية الإرهاب ومواجهة التهديدات المحيطة بالأمن القومى العربى الذى تحرص القيادة السياسية على أن تربط بينه وبين الأمن القومى المصرى برباط قوى لا ولم ولن ينفصل أبداً.
 
وقد تابعنا على سبيل المثال وليس الحصر زيارة الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون للقاهرة قبل أيام، وما تلاها من زيارة قام بها الرئيس السيسى لأبو ظبى التقى خلالها القادة الاماراتيين وكذلك ملك البحرين، وهى زيارات تصب في اتجاه النشاط المصرى الذى يستهدف تقوية دعائم الأمن القومى العربى.
 
ومن يتابع ما يكتب ويقال في العواصم العربية سيتأكد من صدق ما نقوله بان مصر أصبحت البوصلة الإقليمية التى عندما تتحرك فإنها تتحرك فى الاتجاه الصحيح، فقد باتت الدول العربية على قناعة تامة بايادى مصر البيضاء في كل الملفات والأزمات الإقليمية، بما يعنى أن القاهرة ليست لها أجندة خاصة بها او أهداف تسعى إلى تحقيقها، بل أن كل ما يهم مصر والرئيس السيسى ومن خلفه كافة مؤسسات الدولة أن يسود الأمن والاستقرار والتنمية المنطقة، وان يكون هناك توافق عربى على حل كل المشكلات بالطرق السلمية ومن خلال الحوار البناء الذى يصل في النهاية إلى تحقيق مصالح الشعوب العربية كافة، دون تفضيل لهذا عن ذاك.
 
وجاءت هذه الرؤية المصرية التي تحظى بدعم وإجماع عربى، بعدما أكد الرئيس السيسى منذ البداية الحاجة إلى تضافر الجهود العربية نحو صياغة رؤية مشتركة للحفاظ على الأمن القومى العربى، خاصة في ظل الكثير من التهديدات التي تواجه المنطقة، ولا يمكن مواجهتها إلا بعمل عربى موحد.
 
وبالانتقال من المنطقة إلى العلاقات المصرية على المستوى الدولى، سنجد أن مصر تسير فى أفضل مسار ممكن فى صياغة ودعم علاقات دولية مميزة نجحت القيادة السياسية فى نسج خيوط علاقات قوية ومتينة مع جميع دول العالم، من الولايات المتحدة الامريكية إلى روسيا والصين، ودول الاتحاد الاوربى، واسيا وامريكا اللاتينية.
 
والشاهد في هذه العلاقات التي  تبنيها مصر مع كافة دول العالم أنها تقوم على قاعدة قوية سواء الولايات المتحدة أو روسيا أو أوروبا أو الصين أو الدول الآسيوية والإفريقية وهى علاقات تزيد من قوة ووضعية الدولة المصرية وتضفى فى الوقت نفسه مزيداً من المسئولية نحو مشاركة مصرية فاعلة فى معالجة القضايا الدولية ، موضحا انها مسئولية مصر قادرة عليها بجهد قيادة وطنية أخذت على عاتقها أن تتعامل مع جميع الدول بمصداقية وعدم التدخل فى شئونها مع الاستفادة من هذه العلاقات فى كل ما يدعم مصالح الشعوب خاصة فى المجال الاقتصادي.
 
وبالحديث عن أفريقيا، فالسبت الماضى استقبل الرئيس السيسى، نظيره السنغالي ماكي سال، مع قرب تسلم الأخير رئاسة الاتحاد الأفريقي خلال القمة التي ستعقد بأديس أبابا هذا الأسبوع، وهنا تبرز دلالة توقيت الزيارة، فقد جاءت كما سبق الإشارة قبل أسبوع من التئام القمة الأفريقية، وهنا أختار رئيس السنغال، القاهرة للزيارة في هذا التوقيت لعدة أسباب، منها الثقل المصرى داخل الاتحاد الافريقى، فضلاً عن الدور الذى يقوم به الرئيس السيسى لخدمة قضايا القارة، وهو الدور الذى لم يتوقف بعدما سلم الرئيس السيسى قبل عامين رئاسة الاتحاد الافريقى لرئيس جنوب أفريقيا، بل زادت مصر من نشاطها لخدمة القارة وتقديم يد العون والمساعدة لكل القادة الافارقة الذين تولوا رئاسة الاتحاد، وهى الحقيقة التي أدركها رئيس السنغال، فزار القاهرة التي يعلم أن في لقاءه مع الرئيس السيسى الكثير من الفوائد التي سيجنيها خلال رئاسته للاتحاد الافريقى.
 
خلال الزيارة قدم الرئيس السيسى التهنئة لرئيس السنغال على قرب توليه لتلك المسئولية، ومؤكدا على دعمه الكامل خلال فترة رئاسته للاتحاد وثقته في قيادته الحكيمة للعمل الأفريقي المشترك، ونجاحه في قيادة القارة خلال تلك المرحلة التي تشهد العديد من التحديات، وعلى رأسها تعزيز جهود احتواء تفشي فيروس كورونا، والقضاء على خطر التطرف والإرهاب، إضافةً إلى تفعيل التكامل الاقتصادي والتجاري بين دول القارة.
 
وكانت كلمات رئيس السنغال ماكي سال في المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس السيسى دالة على ما سبق وقلته، فقد أكد "سال"، "إن مصر تلعب دورا مهما في إفريقيا وفي العالم كله، وهي دولة محورية بالنسبة للقارة الإفريقية ويٌستمع إليها بانصات واهتمام بالغ، فمصر دولة المستقبل"، مؤكداً: "اعتمد على الدعم الأخوي الذي يرتكز على الصداقة مع الرئيس السيسي خلال رئاستنا للاتحاد الإفريقي، فعلينا أن ندافع سويا عن أجندة القارة الإفريقية في ظل مقاربة ترتكز على التشاور والتضامن"، مشيداً في الوقت نفسه بالإنجازات الرائعة التي تقام على أرض مصر، والمثل الذي تعطيه في إفريقيا وأمام العالم من صمود وقدرة داخلية يجب أن تستغل من أجل تنمية القارة.
 
ما قاله "ماكى سال" هو تأكيد على الاحترام الافريقى والتقدير للدور الذى تقوم به مصر والرئيس السيسى لخدمة القارة وقضاياها، سواء كان الرئيس السيسى رئيسا للاتحاد الافريقى أو بدونه، لإن الهدف الاساسى هو "أفريقيا"، لذلك أكد الرئيس السيسى لرئيس السنغال على الاهتمام المصري بجهود صون السلم والأمن وتحقيق الاستقرار في القارة، بما فيها منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، فضلاً عن منطقة الساحل الأفريقي، والتي تشهد تطورات وتحديات متشابكة نظراً لتفاقم وتمدد الجماعات الإرهابية، كما أكد الرئيس السيسي استعداد مصر لدعم الجهود الأفريقية لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف من خلال توفير برامج التأهيل وبناء القدرات عن طريق الأجهزة المصرية المتخصصة، وكذلك مؤسساتها الدينية العريقة، وذلك لإعلاء قيم الإسلام الوسطي المعتدل الذي تنادي به مصر في سبيل القضاء على الإرهاب.
 
كما أشار الرئيس السيسى إلى أنه تم تبادل الرؤى مع رئيس السنغال حول استضافة ورئاسة مصر للدورة الـ 27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP 27 في نوفمبر 2022، مؤكدا اعتزام مصر أن تكون رئاستها للدورة معبرة عن تطلعات دول القارة الأفريقية وأولوياتها ذات الصلة بتغير المناخ، لاسيما وأن أفريقيا تعد أحد أكثر مناطق العالم تضرراً من التبعات السلبية للظاهرة.
 
واتصالاً بهذا الأمر ونحن نتحدث عن القمة الافريقية المقبلة لا يمكن اغفال قضية مهمة، وهى قضية سد النهضة، والتى تديرها مصر بحرفية شديدة، وضبط شديد، حتى لا تؤثر على علاقة مصر بدولة شقيقة وهى إثيوبيا، وفى نفس الوقت العمل على تحقيق مصالح الشعوب "المصرية والسودانية والإثيوبية"، لذلك فإن الرؤية المصرية تقوم دوماً على كون نهر النيل مصدرا للتعاون والتنمية وشريان حياة جامع لشعوب دول حوض النيل، لذلك فإنها تؤكد دوماً على أهمية التوصل لاتفاق قانوني عادل ومتوازن وملزم ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة وفقاً لقواعد القانون الدولي ومخرجات مجلس الأمن في هذا الشأن، وذلك في إطار زمني مناسب ودون أية إجراءات منفردة.
 
وهذ الرؤية تلقى قبولاً من كل القادة الافارقة، واخرهم رئيس السنغال الذى أكد ضرورة التوصل إلى اتفاق بين الدول المتشاطئة لاستخدام أفضل يرتكز على التشارك بين الدول.
 
في المجمل يمكن القول أن من يتابع التحركات المصرية، وصداها في الخارج، سيجد ان القاهرة انتقلت من كونها محور الاستقرار في الشرق الأوسط، إلى عامل بناء الاستقرار والتنمية في القارة الأفريقية، والفاعل القوى في تمتين العلاقات الدولية لتحقيق أكبر قدر من المصلحة للشعوب.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق