ما مستقبل أزمة الطاقة؟.. السؤال الذي حير العالم

السبت، 02 أبريل 2022 10:16 م
ما مستقبل أزمة الطاقة؟.. السؤال الذي حير العالم

عواصم غربية تصف المستقبل بالمأساوي وبدأت في البحث عن سيناريوهات مستقبلية بعد فقدان الأمل في حل الأزمة الروسية الأوكرانية

المصادر المتجددة هي البديل الآمن لكنه يحتاج الوقت.. ومحطة بنبان ومزرعة الرياح بالزعفرانة يؤكدان صحة التوجه المصرى

 

لا حديث في العالم اليوم سوى عن أزمة الطاقة المستقبلية، خاصة وإنه لا أحد يعلم متى ستنتهى الأزمة الروسية الأوكرانية، وما هو الشكل المتوقع لهذه النهاية، لكن المؤكد لدى الجميع أن العالم مقبل على أزمة شديدة القسوة على الجميع، أزمة لن تفرق بين دول متقدمة وأخرى نامية، فالجميع سيعانى.

وأمام هذا الاعتراف بأن المعاناة ستلحق بالجميع، سواء من خلال ارتفاع أسعار البترول العالمية، وربما في أوقات معينة تجد دولاً ندرة في الحصول على ما تحتاجه من البترول والغاز الطبيعى، خاصة الدول الأوربية، فهناك دولاً بالفعل بدأت في الاعداد للمستقبل ال"مأساوى" على حد وصف أحد الشخصيات الأوربية التي قالت أن الموقف الحالي مأساوى، وغداً سيكون شديد المأساوية، لذلك لا بديل سوى البحث سريعاً عن مصادر جديدة للطاقة، وهو أمر سيحتاج وقتاً، وهى رفاهية لا تتحملها أوربا على سبيل المثال، والأمر الأخر هو الضغط لإيجاد حل سريع للأزمة بين أوكرانيا وروسيا بشكل يعيد معه تصحيح المسار، وبعدها يتم الحديث عن المصادر الجديدة للطاقة.

هذه الصورة تكاد تكون موجودة في كل العواصم الغربية التي بدأت بالفعل في تكليف مراكز بحثية وخبراء للبحث عن حلول لما يمكن أن يواجهونه غداً إذا ما استمر النزاع في أوكرانيا، ووصل الحال بروسيا إلى وقف تصدير الغاز الطبيعى لإوربا، أو استمرار الإمداد لكن وفق شروط موسكو التي ستكون في الغالب تعجيزية.

في مصر نحن نتابع ما يجرى عالمياً، وللحق فإن الدولة المصرية كانت مستعدة منذ البداية لمثل هذه السيناريوهات المتوقعة، لكن ما يحدث عالميا يضغط بوتيرة متسارعة، ربما تفوق تصور الدول أنفسها، لكن ما يدعونا للإطمئنان في مصر، أن هناك احتياطي يجعلنا قادرين على المواجهة والتحمل، لكن السؤال إلى متى؟.

الأسبوع الماضى استضافت دبى "قمة الحكومات العالمية" والتي شهدت نقاشات متعددة، لكن كان النقاش الأكثر تركيزاً من جميع المشاركين هو مستقبل الطاقة في العالم، وكانت هناك رؤى وحلول ومقترحات وسيناريوهات، الجامع الاساسى بينها أن الدول عليها أن تعيد تغيير فلسفتها في التعامل مع الطاقة والبحث عن مصادر متجددة، وأن تحقق ما يمكن تسميته بالاكتفاء الذاتي حتى لا تكون عرضة لضغوط تفرضها أزمات دولية مثل تلك التي تواجهنا اليوم.

وقبل الخوض في تفاصيل ما حدث في دبى، فإننى أود الإشارة هنا إلى نقطة الاكتفاء الذاتي، وخاصة فيما يتعلق بمصر، فما دار من نقاش في قمة الحكومات العالمية، هو ذاته المنهج الذى سارت عليه الدولة المصرية منذ سنوات، حتى قبل أن تنفجر الأزمة الأخيرة، ومن قبلها جائحة كورونا، ومن أمثلة ذلك الاقتراب من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعى بعد تسريع وتيرة العمل في المناطق المكتشفة سواء في شرق المتوسط أو البحر الأحمر، وهو ما منح مصر ميزة في هذا الأمر.

كما أن مصر تعد من الدول القليلة التي استثمرت في الطاقة المتجددة من خلال أكبر محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية بمحطة "بنبان" بأسوان، ومن قبلها مزرعة الرياح في الزعفرانة، فضلا عن البدء بخطوات عملية في إنشاء محطة الضبعة النووية، وهو ما يؤكد أن القرارات التي سبق واتخذتها الدولة في هذا المضمار كانت سباقة.

وبالعودة لما دار في قمة دبى، فقد كانت هناك جلسات متعددة، لعل أبرزها الجلسة التي حملت عنوان "هل العالم مستعد لمرحلة ما بعد النفط؟"، والتي شارك فيها وزراء ومسئولون انتهوا إلى ضرورة الحفاظ على أمن الطاقة العالمية وضمان تدفق النفط وتبني خريطة واضحة لسياسات تصفير الانبعاثات الكربونية والمحافظة على سلامة واستقرار الشعوب والمجتمعات، وهو ما أكد عليه الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود وزير الطاقة السعودي، الذى شدد على حرص المملكة على مواصلة تدفقات النفط، وسلامة الناس في ظل التحديات التي تواجهها إمدادات الطاقة، لكنه أشار إلى نقطة مهمة حينما قال "أن الحديث عن قضايا الطاقة وتدفقات النفط يقودنا إلى الكلام عن التحديات التي تواجهها هذه التدفقات، وبأن مفهوم المخاطر يختلف من دولة إلى أخر في ظل المستجدات التي يواجهها هذا القطاع بما يؤثر على استقرار ورفاهية حياة الشعوب"، لكنه أردف بقوله "نعمل مع الأشقاء في دولة الإمارات والأصدقاء من كل أنحاء العالم على ضمان أمن الطاقة، فهي مسؤولية تقع على جميع الدول ودول مجلس التعاون الخليجي تؤدي دوراً كبيراً لخفض التحديات وتقليل مخاطرها في وقت تكثر فيه التحديات الجيوسياسية"، مشيراً إلى أن "أوبك بلس" قامت بدور مهم خلال العامين الماضيين للحفاظ على استدامة الطاقة في ظل التحديات التي يواجهها العالم، وتابع "نحن نهتم في المملكة بخفض الكربون من خلال تبني خريطة لسياسات تصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن الحالي، ونركز على الطاقة النظيفة والمتجددة، وندرك التحولات في سوق النفط، ونعمل مع كل الشركاء على استشراف المستقبل، بشكل إيجابي، والمؤكد أن المملكة كانت على مدى عقود عامل استقرار في هذا العالم، ولعل نموذج العلاقات السعودية الأميركية دليل على ذلك من خلال ثمانية عقود من التعاون، ما ساهم في ضمان تدفقات الطاقة، واستدامة الاستقرار في العالم.

كما قال مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان أن هناك تحديات كبيرة يواجهها العراق بشكل عام وإقليم كردستان، في ضمان أمن قطاع الطاقة، التي تنعكس بشكل مباشر على حياة الشعوب، وهو وضع يؤثر أيضاً على تدفقات الطاقة وحياة الناس، فيما قال سهيل بن محمد المزروعي، وزير الطاقة والبنية التحتية الاماراتى أن الإمارات حريصة على تعزيز أمن الطاقة وهو محور مهم لكل دول العالم، وليس للدول المنتجة فقط، وتعرض هذا الأمن للخطر أمر لا يمكن قبوله، في ظل تحديات جيوسياسية مختلفة، حيث الكلفة عالية جداً على الجميع، وأن الدول المنتجة للنفط حريصة على مواصلة تدفقات النفط، وضمان أمن الطاقة في هذا العالم، لكنه أشار إلى الارتباط بين أمن الطاقة والأمن الغذائي، واستقرار حياة الشعوب، وقال أن "المخاطرة التي نراها بسبب تصرفات كثيرة، لا يمكن التهوين من كلفتها على صعيد العالم، والمنطقة، في ظل تفشي الجوع والفقر، والتحديات الجيوسياسية المختلفة".

وفى جلسة أخرى دعا رؤساء وقادة عالميون الدول الصناعية للاستثمار بالطاقة النظيفة ودعم العالم النامي للتغلب على التغيرات المناخية، ووقال وافيل رامكالاوان رئيس جمهورية سيشل إن على الدول الصناعية الالتزام تماماً بما تقترحه وتتعهد به، حيث لا نزال نعيش في أمل كبير بالتزام الدول الصناعية بتقديم 100 مليار دولار لمساعدة الدول النامية في الاستثمار بالطاقة النظيفة، والحد من استخدام الوقود الأحفوري، والنتائج إلى الآن غير ملموسة، ونحن كدول جزرية نعتمد بشكل كبير على الطاقة النظيفة، ولا نؤثر على الكوكب، ونجد أنفسنا نخسر أمام تحديات المناخ.

مما دار في هذه الجلسات وغيرها يمكن الإشارة إلى نقطتين في غاية الأهمية، الأولى أن البحث عن مصادر متجددة أو نظيفة للطاقة فضلاً عن كونه أمر بات شديد الأهمية في ظل الظروف البيئية السيئة، فإنه ايضاً بات ضروريا لمواجهة أي تغيرات سياسية قد تؤثر على المصادر الاعتيادية، مثل البترول.

النقطة الثانية، أن استمرار التعقيدات السياسية والتقلبات الأمنية هو مؤشر على أن المستقبل لن يكون لصالحنا، وهو ما يستدعى التوافق الدولى ليس فقط على حل الأزمة الأوكرانية، بل الاتفاق على قواعد دولية حاكمة يتم من خلالها تأمين المنشأت البترولية، وكذلك ابعاد البترول عن اى صراعات سياسية، واعتقد أن هذه النقطة تحقيقها صعب، خاصة أذا أدركنا أن البترول هو محور الصراعات الدولية ليس اليوم لكنه منذ أن بدأ البترول في الظهور، فهو الواجهة القوية للدول الكبرى تحديداً التي تستخدمه لتحقيق مصالحها الخاصة، أيا كانت التداعيات السلبية لهذا الاستخدام، لإنها في النهاية لا تفكر الا في نفسها، ولا يعنيها الدول أو الشعوب الأخرى، واقرب مثال على ذلك موقف الولايات المتحدة الأمريكية المتشددة في الأزمة الأخيرة، فهى تدرك المعاناة الأوربية في غياب الغاز الروسى، لكنها مستمرة في موقفها، لإنها أمنت موقفها البترولى في الداخل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق