العائدون من داعش.. هكذا انتزعت مصر سمومهم وأوقفت مدهم

الأحد، 17 أبريل 2022 01:00 ص
العائدون من داعش.. هكذا انتزعت مصر سمومهم وأوقفت مدهم
محمد فزاع

 
القاهرة لم تنتظر تسلل الإرهابيين إلى الحدود المصرية وبادرت بضربهم في عقر دارهم وتجفيف المنبع من الخارج 
وقف المد التكفيري والتنظيمي والتمويل الخارجي أحبط خطط الاغتيالات والتخريب في الداخل 
 
 
عانت دول العالم أجمع من ظاهرة «العائدين» خلال العقود الماضية، ابتداءً من أفغانستان وألبانيا والبوسنة والهرسك والعراق واليمن، ثم آخرها داعش، وباتت ظاهرة العائدين قنابل بشرية تهدد دول العالم، وأصبحت بوابات لانطلاق مصانع للإرهاب المسلح.
ولا يقتصر انتشار الجماعات الإرهابية بالأعمال التخريبية من تفجير وقتل فحسب، لكن يكمن الخطر الأكبر في انتشار أفكارها ومقراتها التي يوكل إليها جلب العناصر المتشددة، ويجري زرع الأفكار المتشددة والإرهابية فيهم ويوهمونهم بالخلافة وأهميتها في تحرير العالم من الفساد والظلم والمحرمات، ثم يطلقونهم في الدول للعبث فسادا.
في مصر شاهدنا منذ سنوات تأثير الجماعات الإرهابية المتطرفة على أمن واستقرار البلاد، ومررنا بأعمال إرهابية مروعة راح ضحيتها المئات من أبناء الشعب المصري المدنيين والعسكريين، ومن جانب آخر رأينا بسالة وشجاعة حراس الوطن الذين يضحون بالغالي والنفيس من أجل والحفاظ على أمن البلاد وسلامة مواطنيها وأرضها.
وفور عرض مسلسل «العائدون» للفنان أمير كرارة، تصدر اهتمام المواطنين، إذ يرصد بطولة وبسالة الأجهزة الأمنية المصرية في التصدي المسبق للجماعات الإرهابية بالخارج، قبل أن يأتوا للبلاد ويعيثون فيها خرابا، وفي الحلقة الثامنة تحديدا، ظهر ملف العائدين من داعش، وباختصار هم الأشخاص الذين ينتمون للتنظيم فكريا وتنظيميا أو الذين ذهبوا للتدريب والقتال ثم عادوا لنشر الفوضى وتنفيذ أعمال إرهابية في البلاد وتجنيد الشباب للعمل معهم تحت مسمى راية الإسلام.
قصة المسلسل جاءت من أحداث حقيقة، حدثت بالفعل في الفترة من 2018 إلى 2020، بحسب الكاتب والسيناريست باهر دويدار، حيث يقول إن "الموضوع كان فيه خطر كبير محدق بالعالم كله وليس مصر فقط، ولم يكن يتنبه له أحد، إلا الأجهزة الأمنية في مصر التي كان عندها من الرؤية ما يكفي لأن تنتبه لهذا الخطر لمواجهته".
البداية من أفغانستان
ومصطلح "العائدون" ليس بجديد لأن هناك مئات الأشخاص العائدين إلى البلاد من المتطرفين منذ تسعينيات القرن الماضي، وخاصة بعد حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي وسقوط الاتحاد السوفيتي على يد هذه الجماعات المتطرفة التي كانت ترعاها الولايات المتحدة وتمولها لإسقاط السوفيتي والتي كان يشارك بها مجموعة يسمون "المجاهدين العرب"، وعند انتهاء الحرب عاد بعض المصريين إلى القاهرة وبعضهم ذهب إلى أوروبا ثم عادوا إلى القاهرة وبعضهم جرى القبض عليهم في الخارج وتم تسليمهم إلى السلطات المصرية.
يقول الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أحمد سلطان، أنه كان هناك إرهابيين ذهبوا إلى ليبيا وسوريا والعراق للتدريب ثم عادوا لمصر، وبعضهم كلفوا بمهام منها اغتيالات لشخصيات كبيرة والمشاركة في الأعمال الإرهابية والمسلحة في الداخل لمحاولة إسقاط الدولة وإقامة إمارات جهادية بالمنطقة، مثل جماعة حسم ولواء الثورة، والذين كان منهم الإرهابي محمود هاني قبلان، الذي تدرب في سوريا، موضحاً أن خطط "العائدين من داعش" تبدأ من التدريبات ثم العودة لتكوين خلايا وشبكات تعمل في وقت معين، ولكن يقظة الأجهزة الأمنية المصرية وعمليات التتبع الدائم للعناصر أحبطت المؤامرات وأدت للقبض على العديد منهم وبعضهم قتلوا في اشتباكات مع الجيش والشرطة.
وأوضح سلطان أن الجزء الأكبر من العائدين كانوا يفضلون الذهاب إلى سيناء والمناطق التي بها أعمال قتال دائرة، وأعطوا زخما كبيرا للتنظيمات التي نشأت عام 2013، خاصة تنظيم "أجناد مصر" الذي أنشأه أحد العائدين من الخارج، وغيره من التنظيمات مثل "المرابطون"، ولكن كان تأثيرهم محدودا لنجاح الأمن في تحييد الجزء الأكبر من الإرهابيين، والجماعات المتطرفة جميعا انتهت بتفكيك أغلبها من الأمن والسيطرة عليها.
ضربات استباقية
تعمل الأجهزة الأمنية في ملف العائدين، منذ السبعينيات والثمانينيات، وتعاملت مع خلايا تنظيمية مثل التكفير والهجرة وغيرها من الجماعات الإرهابية والمتطرفة، ما منح الأجهزة خبرة طويلة في التصدي لمخططاتهم.
وأكد الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، عمرو فاروق، أن الأجهزة الأمنية المصرية لم تنتظر عودة العناصر إلى مصر، بل كان لهم متابعة بالخارج، ومنهم هاني السباعي وياسر سري وأحمد النجار وعادل عبد الحليم، وهناك الكثير من العناصر أيضا جرى القبض عليهم في الخارج مثل أبو عمر المصري، الذي ألقي القبض عليه في ألبانيا بتنسيق مع الأجهزة الأمنية الألبانية والأمريكية وترحيله إلى مصر ومحاكمته.
وتتعامل الأجهزة الأمنية بخبرة مع ملف الإرهابيين المصريين في الخارج، عملا بمبدأ تجفيف المنبع من الخارج، إذ يشكل وجود هذه العناصر بالخارج أداة ضغط على السلطات المصرية ويجري توظيفهم في أعمال إرهابية، ومن خلالهم يتم استقطاب عناصر من الداخل المصري وتجنيدهم، مثل ما حدث مع تنظيم القاعدة في السودان عندما توصل إلى تفاهمات مع الجماعات الإرهابية الأخرى وبدأ في شن عمليات إرهابية تستهدف العديد من القيادات المصرية والشخصيات العامة في مصر.
1000 عنصر إرهابي 
وأوضح فاروق أن عدد العائدين من داعش إلى مصر بين 2014 و2016 نحو 1000 عنصر إرهابي، وكانوا هؤلاء الأشخاص يمثلون امتدادا فكريا وتنظيميا لـ"داعش" ما يهدد الأمن المصري، وتبدأ هذه العناصر بالعمل تحت استراتيجية الاستقطاب والتجنيد في إطار غير معلن، ما يصنع ما يعرف بـ"الخلايا النائمة"، خاصة أن بعضهم لا يكون مدرجا على قوائم الأجهزة الأمنية بمصر وغير معروفين نتيجة لحالة السيولة التي كانت تشهدها مصر في هذه الفترة من الزمن"، مؤكداً أن "الدولة المصرية رصدت كل التحركات المتواجدة في الخارج وطرق تمويلهم، وتم القبض على عدد كبير من سماسرة داعش داخل القاهرة، وحصر كل المصريين المتواجدين في المعسكرات الخارجية الإرهابية،  وبهذه الطريقة يجري تجفيف منابع الإرهاب ووقف المد التكفيري والتنظيمي ووقف عمليات التجديد وكذلك وقف عمليات التمويل الخارجي، وأيضا عند اختراق هذه الجماعات في الخارج يتم التعرف على خططهم للمنطقة العربية ككل وليس مصر فقط".
تهديد مستمر للعالم
وأشار تقرير صادر عن لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2019، إلى أن عدد المقاتلين الأجانب الذين انضموا لتنظيم "داعش" في سوريا والعراق بلغ حوالي41490 شخصًا، وعلى الرغم من مقتل أعداد منهم خلال عمليات مكافحة الإرهاب إلا أن التقديرات ترجح أن ثلث هؤلاء الأشخاص سيصبحون عائدين، الأمر الذي يعكس ضخامة أعداد الظاهرة والتهديدات الأمنية المرتبطة بها.
وانتمى المقاتلون الأجانب الذين انخرطوا في التنظيم إلى جنسيات متعددة، فتُشير التقديرات إلى انتمائهم إلى حوالي 80 دولة من مختلف دول العالم، فمنهم من وفد من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومنهم من جاء من شرق أوروبا، ومنهم من انتقل من آسيا الوسطى، ومنهم من انتمى إلى دول أوروبا الغربية.
ولم تقتصر ظاهرة العائدين من "داعش" على الرجال فقط، بل اشتملت على النساء أيضًا؛ فيما تشير تقديرات أممية إلى أن هناك نحو 40 ألف طفل من عناصر تنتمي إلى التنظيم يعيشون في مخيمي الهول وروج ومعظمهم تحت سن الـ12 عامًا، ناهيك عن وجود حوالي 12 ألف طفل من عائلات داعش في سجون العراق.
وتقول الباحثة تقي النجار، إن هناك عدد من المسارات المحتملة للعائدين من "داعش" ومنها المسار الأول وهو يشير إلى استمرار بعضهم في البقاء في المعاقل الرئيسية للتنظيم، سواء في إطار الوجود كخلايا نائمة لتقديم الدعم للتنظيم في الساحتين العراقية والسورية، أو في إطار الوجود في السجون العراقية والسورية في ضوء عمليات مكافحة الإرهاب المستمرة التي تسعى إلى القضاء على فلول "داعش".
وتضمن المسار الثاني والذي أشار إلى انتقالهم إلى فرع آخر من فروع التنظيم سواء في إفريقيا أو آسيا، وتكمن خطورة انتقال هؤلاء في ثلاثة عوامل رئيسة؛ يتعلق أولها بتعزيز قدرة التنظيمات الإرهابية على الصمود أمام الضغط العسكري، وينصرف ثانيها إلى تطوير استراتيجيات قتال تلك التنظيمات على المستويين العملياتي والتكتيكي، وذلك في ضوء الخبرات التي اكتسبها هؤلاء من مناطق الصراع المختلفة، ويتصل ثالثها إلى تحول هؤلاء إلى حلقات وصل بين التنظيمات الإرهابية الداخلية والخارجية.
وتطرق المسار الثالث والذي أشار إلى انتقالهم إلى بلدانهم الأصلية، وهنا تظهر جملة الإشكاليات المتعلقة بعودتهم سواء كانت إشكاليات قانونية، أو تهديدات أمنية، أو تحديات مجتمعية مرتبطة بدمجهم في المجتمعات محل استقبالهم؛ إذ إن هناك جملة من التهديدات المحتملة المرتبطة بهؤلاء حال عودتهم، تنصرف إلى تهديد السلم والأمن الإقليمي والدولي.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق