الاقتصاد المصري ضد الكسر.. قرارات قوية وإجراءات استثنائية لمواجهة الأزمة العالمية

الأحد، 15 مايو 2022 12:00 ص
الاقتصاد المصري ضد الكسر.. قرارات قوية وإجراءات استثنائية لمواجهة الأزمة العالمية
هبة جعفر

- تقليل الاستيراد واصلاحات هيكلية لتحفيز الاستثمار.. زيادة مخصصات الدعم في الموازنة الجديدة لـ 356 مليار جنيه 
 
يمر العالم بظروف اقتصادية استثنائية في ظل الحرب الروسية الأوكرانية التي تسبب في ارتباك دولى، حيث تعانى كافة الدول بشكل كبير من تبعات انتشار فيروس كورونا وتسببه في انهيار اقتصادات كبري، مما رفع من نسب التضخم وتسببت في زيادة الأسعار، وهو ما أثر علي اقتصاد الدول الناشئة ومنها مصر، التي اتخذت عدة قرارات خلال الفترة الماضية لحماية الاقتصاد المصري وعدم التأثر القوي بالموجة الاقتصادية العاتية، فضلاً عن حماية الجنيه أمام الدولار، ومنها قرار رفع سعر الفائدة بنسبه 1% في اجتماع استثنائي للجنة السياسات النقدية، ومنع استيراد العديد من السلع الاستفزازية، وأن يكون الاستيراد بالعملة الاجنبية من خلال البنك المركزي للقضاء علي السوق السوداء للدولار ورفع أسعاره، فضلاً إجراء اصلاحات هيكلية لتحفيز الاستثمار.
 
وخلال اجتماع عقده الرئيس عبد الفتاح السيسي الثلاثاء الماضى مع المجموعة الوزارية الاقتصادية لمتابعة عمل المجموعة وإجراءات التعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على مصر، أكد طارق عامر محافظ البنك المركزي أن الاقتصاد المصري استطاع أن يستوعب التداعيات العالمية الحادة من جراء الأزمة الروسية الأوكرانية، وما استتبعها من تغييرات في السياسات النقدية العالمية، حيث تمكنت الدولة من الحفاظ على المسار المالي والاقتصادي الآمن، والوضع النقدي المتزن، وكذلك استقرار احتياطات النقد الأجنبي بعد وفاء الدولة بجميع الالتزامات الدولية.
 
ووجه الرئيس السيسى خلال الاجتماع باستثناء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام من الإجراءات التي تم تطبيقها مؤخراً على عملية الاستيراد وذلك بالعودة إلى النظام القديم من خلال مستندات التحصيل، كما وجه بتشكيل مجموعة عمل برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية كل من محافظ البنك المركزي، ووزير المالية، ووزيرة التجارة والصناعة، وجهات الاختصاص الأخرى، للقيام بالمتابعة الدورية والتقييم المنتظم لمنظومة إجراءات الاستيراد ومدى تلبيتها لاحتياجات عملية الإنتاج.
 
ومن ضمن الإجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية، زيادة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية إلى 356 مليار جنيه فى مشروع الموازنة العامة الجديدة؛ بما يُسهم فى مساندة القطاعات والفئات الأكثر تضررًا من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، على نحو يُساعد فى الحد من آثارها السلبية، التى تتشابك فيها موجة تضخمية غير مسبوقة فى أعقاب جائحة كورونا، مع تحديات الأزمة الأوكرانية.
 
ووفقاً لما أعلنه الدكتور محمد معيط، وزير المالية خلال إلقائه البيان المالى للموازنة الجديدة للعام 2022/2023 بمجلس النواب الأسبوع الماضى، إنه تم تخصيص 400 مليار جنيه لباب الأجور بمشروع الموازنة الجديدة بزيادة تقترب من 43 مليار جنيه عن التقديرات المحدثة لموازنة العام المالى الحالى لتمويل حزمة تحسين دخول 4.5 مليون موظف من العاملين بالدولة التى كان قد وجَّه بها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتضمنت زيادة العلاوات الدورية والخاصة والحافز الإضافي بتكلفة سنوية 26 مليار جنيه، وتبكير صرفها مع مرتبات شهر أبريل الماضى، بتكلفة إضافية تتجاوز 7 مليارات جنيه عن الفترة من أبريل حتى يونيه 2022، وزيادة حد الإعفاء الضريبي الشخصي من 9 آلاف جنيه إلى 15 ألف جنيه، والإجمالي من 24 ألف جنيه إلى 30 ألف جنيه بزيادة 25% بتكلفة سنوية 7 مليارات جنيه، لافتًا إلى أنه تم تخصيص 5 مليارات جنيه لتعيين 60 ألفًا من المعلمين والأطباء والصيادلة وتلبية الاحتياجات الأخرى بمختلف قطاعات الدولة، ومليار جنيه لإجراء حركة ترقيات العاملين بالدولة، إضافة إلى زيادة حافز الجودة لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات والمراكز والمعاهد والهيئات البحثية.
 
كما تم تخصيص 191 مليار جنيه لصناديق المعاشات، بما يسمح بتمويل زيادة المعاشات بتكلفة سنوية 38 مليار جنيه، وتكلفة إضافية 8 مليارات جنيه عن الفترة من أبريل حتى يونيه 2022، بشكل يستفيد منه 10 ملايين من أصحاب المعاشات، والمستحقين عنهم، وتخصيص 90 مليار جنيه لدعم السلع التموينية ورغيف العيش لضمان توافرها لنحو 71 مليون مواطن، و22 مليار جنيه لزيادة المستفيدين من «تكافل وكرامة» و«الضمان الاجتماعى» لأربعة ملايين أسرة، و 3.5 مليار جنيه لتوصيل الغاز الطبيعى لنحو 1.2 مليون وحدة سكنية، و7.8 مليار جنيه لتمويل مبادرات الإسكان الاجتماعى، و 10.9 مليار جنيه للتأمين الصحى وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة، مع استمرار التوسع التدريجي بمنظومة التأمين الصحى الشامل بالمحافظات، و 18.5 مليار جنيه للأدوية والمستلزمات الطبية، مشيرًا إلى استمرار دعم مبادرات «100 مليون صحة للقضاء على فيروس سي» و«القضاء على قوائم الانتظار» ورفع كفاءة المستشفيات، وإطلاق المبادرة الرئاسية لزيادة أسرة العناية المركزة وحضانات الأطفال.
 
كما تم تخصيص 310 مليارات جنيه للصحة، و476.3 مليار جنيه للتعليم الجامعى وقبل الجامعى و79.3 مليار جنيه للبحث العلمى، على نحو يُسهم فى تعزيز الإنفاق على التنمية البشرية.
 
وأكد معيط أن الحكومة تعمل على تحقيق مستهدفات طموحة في الموازنة الجديدة، فى ظل مشهد عالمى استثنائى شديد الاضطراب، حيث يبلغ إجمالي الإيرادات المستهدفة بمشروع الموازنة الجديدة 1.5 تريليون و18 مليار جنيه، بينما يبلغ إجمالي المصروفات المتوقعة 2 تريليون و71 مليار جنيه، موضحاً "نستهدف تسجيل فائض أولى بمقدار 132 مليار جنيه بنسبة 1.5% وخفض العجز الكلى إلى 6.1% من الناتج المحلى الإجمالي، مقارنة بعجز كلى 12.5% فى نهاية يونيه 2016، ووضع معدل الدين فى مسار نزولي مستدام ليصل لأقل من 75% من الناتج المحلى خلال الأربع سنوات المقبلة، ونستهدف خفض معدل الدين إلى 84% من الناتج المحلي مقارنة بنسبة 103% فى نهاية يونيه 2016".
 
كما قالت الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية أن الأزمة  العالمية تسببت في نقصٍ مَلحوظٍ في الـمَعروضِ الدولي من السلعِ في الأسواقِ الدوليّةِ في ظِل توقّف أو عدم انتظام سلاسِل الإمدادِ العالـميّةِ، بما ترتّب على ذلك من ارتفاعاتٍ غير مَسبوقةٍ في أسعارِ الزيت الخام والغاز الطبيعي والسلع الزراعيّة الاستراتيجيّة، فضلًا عن ارتفاع أسعار الـمعادن الأساسيّةِ التي تدْخُلُ في كثيرٍ من الصناعاتِ مما أثّر سلبًا على حجمِ الـمُعاملاتِ التجاريّةِ الدوليّةِ، وعلى دورانِ عجلةِ الإنتاج الصناعي في العديدٍ من الدول، مضيفه أن ذلك فضلًا عما يَشهدُه العالم من اضطراب في أسواقِ الـمالِ الدوليّةِ في ظِل تراجُع الـمُؤشّراتِ الرئيسةِ لِلتداول ورأس الـمال السوقي، كذا الاتجاه الانكماشي لِتدفّقاتِ الاستثمارِ الأجنبي الـمُباشِر وتَفضيِلها للـملاذاتِ الآمنةِ، والتوظيف الداخلي في الدولةِ الأُم.
 
واستعرضت الدكتورة هالة السعيد أمام مجلس النواب، عددًا من الـمُؤشّرات الكميّة التي تم رَصدُها وفقًا لتقديرات الـمُؤسّسات الدوليّةِ ووكالاتِ التصنيفِ الائتماني الدولي، والتي تفيد بتَوقّعْ تراجُع مُعدّل نمو الاقتصاد العالـمي من 5.9% عام 2021 إلى 4.4% عام 2022 وفي بعض التقديرات إلى 3.6%، ثم إلى 3.2% عام 2023، وكذلك توقّعْ تصاعُد مُعدّل التضخّم العالـمي إلى 6.2% عام 2022 بعد أن كان قاصِرًا على 4.4% في عام 2021، و2.8% فقط في عام 2020.
 
وفى تعليقه على ما يحدث، قال الدكتور أحمد معطي، الخبير الاقتصادي، إنه لولا برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نفذته مصر؛ لما أصبح اقتصادها مستقرا في مواجهة الأزمات التي يعاني العالم منها، مؤكدا أن "برنامج الإصلاح الاقتصادي هو السبب في تماسك الاقتصاد المصري في هذه الفترة وتحقيق معدلات نمو موجبة، رغم أن الدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية لديها انكماش في إنتاجها المحلي، أي أنّ إنتاجها أصبح يقدر بالسالب".
 
وأشار معطى لـ"صوت الأمة" إلى أنّ العمل في مصر لم يتوقف وما زال مستمرا، حيث تعمل في جميع الجوانب، مشددًا على أهمية استغلال الإشادات الدولية بالاقتصاد المصري لجذب استثمارات جديدة، وهو ما أكده رئيس الجمهورية، حيث وجه بالتركيز على الاستثمارات الخاصة والاستثمارات الخارجية، ففي الشهر الماضي زادت الاستثمارات الخليجية في مصر، وهو ما يدل على ثقة كبيرة في الاقتصاد المصري، كما توسّعت أمازون في مصر.
 
ولفت معطى إلى أن إعلان مجلس الذهب العالمي زيادة البنك المركزي المصري احتياطيه بنحو 44 طنا، ليرتفع احتياطي مصر من الذهب إلى 125 طنا من الربع الأول للعام الجاري، بما يعادل 19.4% من إجمالي احتياطي مصر، هو خبر إيجابي لمصر، حيث جعل ترتيبها على مستوى حيازة الذهب تتقدم من المركز الحادي والأربعين عالميا إلى الثالث والثلاثين عالميا، وأصبحت الرابعة عربيا في حيازة الذهب، وهو ما يؤكد على قدرة مصر على إدارة الأزمات.
 
وحول قرار الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة بنسبة نصف في المائة، وتأثير ذلك على مصر، قال الدكتور أحمد معطي: "من المتعارف عليه أن الفيدرالي الأمريكي عندما يرفع الفائدة تضطر البنوك المركزية لأغلب الدول العالم إلى رفع الفائدة تباعاً خوفاً من سحب الاجانب والمستثمرين اموالهم من هذه الدول بهدف استثمارها في الفائدة الامريكية، لذلك قررت دول الخليج رفع الفائدة بعد دقائق من القرار الأمريكي، وهو ما يطلق عليه سياسة التبعية، لكن في مصر فإن السياسة النقدية التي يسير عليها البنك المركزي هى سياسة الترقب واختبار الأسواق، بمعنى ان المركزي المصري ينتظر ويراقب السوق، فإذا حدث سحب للأموال فقد يضطر إلى رفع الفائدة"، مشيرا إلى ان السياسة النقدية المصرية أفضل من غيرها بكثير.
 
من جانبها قالت رانيا يعقوب رئيس إحدى شركات الأوراق المالية، إن قرار الفيدرالي الأمريكى، بزيادة معدلات الفائدة، جاء في إطار خطة أمريكية للسيطرة على معدلات التضخم غير المسبوقة في الاقتصاد الأمريكى، وهى خطة معلنة ولم تكن مفاجئة، موضحة أن الأسواق الناشئة ستكون المتأثر الأكبر، ومن بينها مصر، نتيجة ارتباطها بالدولار الذي يواصل ارتفاعه أمام جميع العملات بصورة كبيرة انعكاسًا لهذا القرار، متوقعة أن يتجه البنك المركزى المصرى إلى اتخاذ قرار بزيادة سعر الفائدة خلال الاجتماع المقبل، وهو نفس الاتجاه الذي ستسير عليه معظم البنوك المركزية على مستوى الدول المحيطة، مشيرة إلى أن البنك المركزى قد يلجأ إلى رفع الفائدة للحفاظ على جاذبية أسواق الدين.
 
واتفق معها طارق متولى الخبير المصرفى، الذى توقع اتجاه البنك المركزى، إلى رفع أسعار الفائدة 1%، موضحاً أن تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، قد تسجل مواصلة معدلات التضخم الارتفاع عن أكثر من 10.50% في شهر فبراير الماضى، بعد الانعكاسات السلبية على الاقتصاد، التي ظهرت تداعياتها السلبية في شهرى مارس وإبريل الماضيين، بعد ارتفاع أسعار السلع الغذائية على المستوى العالمى وعلى رأسها أسعار القمح والنفط والزيوت.
 
من جانبه، توقع الخبير المصرفي محمد بدرة، أن يواصل البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة، رغم ارتفاع معدل التضخم العام إلى 8% إلا أنه مازال هناك فجوة مع الفائدة التي تعرضها البنوك وتصل إلى 11%، بجانب التأثير السلبي لزيادة الفائدة على عبء الدين العام للموازنة، خاصة في الأعباء التي تتحملها الموازنة في الوقت الحالي نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
 
ومع الارتباك في المشهد الاقتصادي تأثر الذهب بارتفاع أسعاره بشكل غريبة علي خلاف المتوقع وبنسبة أكبر من البورصات العالمية، وانتشرت الشائعات بغلق سوق الذهب ووقف التعامل عليه، وفي أوقات زيادة أسعار الذهب، واتجاه السوق نحو تحقيق مزيد من الارتفاع ورغبة البعض في شراء الذهب لتحقيق مكاسب مستقبلية، يكون هناك مفاضلة بين الشراء في صورة مشغولات ذهبية أم سبائك أو جنيها ذهبية.
 
ونفى رفيق عباسي، رئيس شعبة المشغولات الذهبية باتحاد الصناعات، كل ما قيل بشأن غلق سوق الذهب في مصر، وقال "المتسبب في هذه الشائعة شخص غير مسئول استهدف حدوث ارتباك في السوق المصرى، رغم يقين الجميع أن سوق الذهب في مصر يخضع للعرض والطلب، كما أن مصر ليس بها بورصة للذهب، وتخضع للبورصة العالمية للذهب".
 
من جانبه قال أمير رزق، عضو شعبة الذهب والمجوهرات بغرفة القاهرة التجارية، إن حركة الإقبال على شراء السبائك والجنيهات الذهب حاليًا تشهد إقبال متزايد من قبل المستهلكين أكثر من المشغولات الذهبية الاخري، موضحاً أن المستهلكين يقبلون على شراء السبائك الذهبية لاتخاذه كملاذ آمن، وأن التعاملات في أسواق الذهب في مصر مستمرة، ولم يوقف أي محل بيع وشراء الذهب.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة