طوفان من الكلام

الأحد، 03 يوليو 2022 10:00 ص
طوفان من الكلام
حمدي عبد الرحيم يكتب:

خبط العشواء هو ما يحدث لنا فنحن نرى الحادثة بأم أعيننا ثم يأتي دور الذين شغلهم الشاغل تفتيت اليقين فتبدأ حفلات الكلام ليصرفنا عن حقيقة الحادثة

لم يخلق الله أمة بدون يقين، لأن اليقين ضرورة حياتية، وقد تزامن بدء الوجود الإنساني على كوكب الأرض مع بدء اليقين، ولكن بعضهم يحلو له التلاعب باليقين، بعد التلاعب به يمهد الطريق لتفتيته فإذا تفتت النواة الصلبة لليقين أصبحت الأمة أي أمة مثل بالون أخرق يسبح في الفضاء الكوني تاركًا نفسه لكي يتلاعب به الريح.

انظر حولك وسل نفسك: أين يقيني؟

حال أغلبناـ إلا من رحم ربي ـ لا يسر حبيبًا ولا حتى عدو، وذلك لأننا نعيش حالة من غيبوبة التنويم المغناطيسي، فلا نرى الذين يفتتون يقيننا ويتلاعبون به فإذا هو مسخ مشوه.

والقصة تبدأ من الكلام، نسمع كلامًا فوقه كلام تحته كلام، كلام كثير جدًا مترامي الأطراف شاسع المساحة لا يحده حد ولا يقف له منطق، هنا تنهار مقاومتنا فنبدأ في ترديد ما صبوه في أذاننا وكأنه الحقيقة المطلقة فينطبق علينا المثل الذي ذكره ابن منظور في اللسان، عندما قال:" وَمِنْ أَمثالهم السَّائرة: وهو يَخْبِط خَبْطَ عَشْوَاء، يضرَبُ مَثَلًا للسَّادِرِ الَّذِي يَرْكَبُ رَأْسَهُ وَلَا يَهْتَمُّ لِعاقِبَتِهِ كالنَّاقَة العَشْوَاء الَّتِي لَا تُبْصِرُ، فَهِيَ تَخْبِطُ بيَدَيْها كلَّ مَا مَرَّت بِهِ".

خبط العشواء هو ما يحدث لنا، فنحن نرى الحادثة بأم أعيننا ثم يأتي دور الذين شغلهم الشاغل هو تفتيت اليقين فتبدأ حفلات الكلام الذي يصرفنا عن حقيقة الحادثة وعن مغزاها وعن كيفية علاجها وإزالة آثارها.

هناك حادثة تشغل الرأي العام المصري، راحت ضحيتها فتاة في مقتبل عمرها وفي ريعان شبابها، وكلنا شاهد الواقعة وحزن لها، وعندما حاول المخلصون منا وضعها في سياقها تمهيدًا لعلاج جذورها، بدأ بعضهم معركة مفتعلة مطلقًا قنابل الدخان التي تعمي الأبصار عن مسرح الحدث.

قنبلة دخانهم كانت الحجاب!

لا حول ولا قوة إلا بالله، ما علاقة الحجاب بالقتل؟

هل لم تقتل المحجبات بل والمنتقبات؟

شيخ تقوم له الدنيا وتقعد بدأ حفلة قصف يقيننا فقال: إن غير المحجبة كأنها تسهل للقاتل فعلته بعريها!

ما هذا العبث؟

ثم يقوم له شيخ آخر تقوم له الدنيا ولا تقعد فيرد بتطرف عكس تطرف الشيخ الأول، فينفي فرض الحجاب من أصله!

ما الذي وقع علينا نحن غير الغرق في طوفان سام من الكلام الذي هو في حقيقته قنابل دخان لا أكثر ولا أقل.

هناك جهات مسئولة ومعنية ولا عمل لها غير حفظ نظام حياتنا وصون القانون وضمان تنفيذه، فلماذا لا نتركها تعمل في صمت؟

مسئولو تلك الجهات هم بشر من البشر، ويجب علينا أن نساعدهم بأن نتركهم يعملون في هدوء وسكينة واطمئنان، ولكن الذين يريدون تفتيت اليقين يمارسون ضغوطًا تنار تحت وطأتها الجبال، كلهم يتحدث حديث العارف الخبير المطلع على ما هو فوق العرش وعلى ما هو تحت الثرى، وأحاديث هؤلاء رائجة، ولا تجد منصة إعلامية أو موقع تواصل إلا وقد نقل عنهم، وعلى ذلك يصنعون من الحبة قبة وكأن كل بنات مصر معرضات للقتل متى غادرت الواحدة منهن غرفة نومها.

وإذا تجرأت وسألت أحدهم عن مصدره رد عليك من بين أسنانه قائلًا: سمعت!

والآن يحضرني حديث رسولنا الكريم الذي رواه أبو هريرة عليه الرضوان قال: عن النبي – صلى الله عليه وسلم –: " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة