70 عاماً على الثورة التى أعادت مصر إلى أهلها

السبت، 16 يوليو 2022 10:00 م
70 عاماً على الثورة التى أعادت مصر إلى أهلها
مصطفى الجمل

23 يوليو أسست لحياة كريمة أتمتها دولة 30 يونيو.. قادت ثورة في الاستصلاح الزراعي والصناعي وحررت الشعوب من قيودها ودعمت حركات التحرر

 

لولاها ما كان يتسنى لشعب مصر أن يسترد كرامته وحقه في أرضه، وأن يحكم نفسه بنفسه، لها من الفضل علينا الكثير الذي يغفر لها ما تبعها من أخطاء قام بها بعض رجالاتها الذين انحرفت مساراتهم بعض الشيء بقصد أو بدون.

حتى أن يرث الله الأرض وما عليها ستظل ثورة 23 يوليو 1952 محل نقد من بعض الذين كانوا يرون في الحكم الملكي رفاهية في كافة القطاعات لا نهاية لها، ولكنها في حقيقة الأمر واحدة من أفضل الثورات التي غيرت مجرى التاريخ ليس في مصر وحدها بل في العالم كله.

ثورة قام بها شعب وضع ثقته في رجال شباب من خيرة رجال القوات المسلحة ضد الجهل والفقر والاستعمار والاستغلال لمقدرات الوطن.

ثورة لولاها ما رأينا حاكم لمصر يحمل جنسيتها، فرحه من فرحهم وهمه من همهم، يصيب فيحيون ويخطأ فينتفضون لتصحيح المسار، يخلص لهم النوايا فيخرجون كالنمل في الشوارع لإجباره عن العدول عن التنحي بعد خسارة معركة حربية كبيرة يسأل عنها أولاً وأخيراً، ويغض عنهم الطرف فيخرجون كالنمل أيضاً ليجبروه على التنحي وترك مقاليد الحكم لمن يعرف مصر ولا يعرف عن مصر فقط.

بعد نجاح الثورة أذيع البيان الأول للثورة والذي لخص أسباب الثورة وأهدافها، وفرض الجيش على الملك فاروق التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد، ومغادرة البلاد في 26 يوليو 1952، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش وتم ترحيل الملك وأسرته إلى إيطاليا على متن يخته الخاص «المحروسة»، ثم ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية في 1953، وكلف مجلس قيادة الثورة علي ماهر باشا بتشكيل الوزارة بعد إقالة وزارة الهلالي باشا بعد يوم من تشكيلها ثم قام الثوار بالاتصال بالسفير الأمريكي لإبلاغ رسالة إلى القوات البريطانية بأن الثورة شأن داخلي.

كان من أسباب قيام الثورة استمرار الملك فاروق في تجاهله للأغلبية، فضلا عن الاضطرابات الداخلية والتدخل الأجنبي في شئون البلاد والصراع بين الإخوان المسلمين وحكومتي النقراشي وعبد الهادي، وقيام حرب فلسطين وتوريط الملك للبلاد فيها دون استعداد مناسب ثم الهزيمة وسوء الحالة الاقتصادية في مصر وغياب العدالة الاجتماعية.

قامت الثورة على ستة مبادئ أساسية وهي القضاء على الإقطاع، والاستعمار وسيطرة رأس المال، وبناء حياة ديمقراطية سليمة، وبناء جيش وطني، وتميزت هذه الثورة أنها كانت ثورة بيضاء لم ترق فيها الدماء، وقدمت وجوها وطنية شابة في مصر، وحظيت الثورة بتأييد شعبي جارف من ملايين الفلاحين والعمال وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة وعلى أثر نجاح الثورة اتخذ قرار بحل الأحزاب وإلغاء دستور 1923 والالتزام بفترة انتقال حددت بثلاث سنوات يقوم بعدها نظام جمهوري جديد.

وتبنت الثورة فكرة القومية العربية، وساندت الشعوب العربية المحتلة للتخلص من الاستعمار، كما سعت إلى محاربة الاستعمار بكل صوره وأشكاله في أفريقيا وآسيا، وكان لمصر دور رائد في تأسيس جماعة دول عدم الانحياز.

ثورة 23 يوليو هي التي أسست أول جمهورية في مصر، لتأتي ثورة 30 يونيو 2013 بعدها بعشرات السنوات لتحقق ما بدأته من إنجازات في كافة القطاعات وتبني جمهورية جديدة.

ثورة 23 يوليو، هي التي أسست لمفهوم العدالة الاجتماعية في مصر، فهي التي قضت على الإقطاع والملكية والتفرقة بين أبناء الشعب المصري، هي التي أسست لتكوين جيش وطني حقيقي قادر على حماية الدولة المصرية وحماية الأمن القومي المصري بمفهومة الشامل واستطاعت تحقيق التكافؤ بين أبناء الشعب المصري وهى التي بدأت في انشاء الصناعات القومية الكبرى كالحديد والصلب والغزل والنسيج وجعلت القرار المصري قرار حر لا يتدخل فيه أي من القوى الخارجية مثل قرار تأميم قناة السويس وبناء السد العالي.

ثورة 23 يوليو كانت بداية الشرارة لحركات التحرر في أغلب دول العالم مثل ثورة الجزائر وكوبا وغيرها ووضعت بذرتها على مستوى العالم أجمع.

ثورة 23 يوليو أسست الحياة الكريمة للمواطن المصري، فكان يتم توزيع خمسة أفدنة للفلاح، الذي أصبح له أولوية خاصة بعد ثورة 30 يونيو، ودشن من أجله مبادرة حياة كريمة الأكبر في تاريخ البشرية، والتي تهدف إلى رفع كفاءة القرى المصرية بالكامل والاهتمام بـ60 مليون مواطن مصري.

ثورة 23 ملكتنا من ثرواتنا، فبنينا السد وأممنا القناة وأقمنا المصانع واستصلحنا في أراضينا لنملك قوت يومنا وقرارنا، وأصبح لنا أن نقول لا في وجه من يستحق ونمد يد العون لكل من وقف بجوارنا، لا ننسى أشقائنا ولا نتخلى عن مستجير.

غيرت الثورة أوضاع مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية تغييرا جذريا، فكانت لصالح الأغلبية العددية من المصريين، فدعمت المصريين وخاصة الطبقة التي عانت من الظلم والحرمان والعدالة الاجتماعية، كما كان تشكيل الضباط الأحرار لا يمثل اتجاها سياسيا واحدا، بل ضم مختلف الاتجاهات السياسية، كما حظيت بتأييد شعبى واسع، والتي حققت نقلة نوعية لمصر.

لم تكن ثورة سياسية في مجال واحد، بل كانت ثــورة في كافة القطاعات، فكانت سبباً مباشراً في زيادة الرقعة الزراعية عن طريق استصلاحها، وبعد أن تمكن الضباط الأحرار من مقاليد الحكم، نفذوا مشروعات استصلاح للأراضى الصحراوية فى مشروعين كبيرين هما مشروع مديرية التحرير ومشروع الوادى الجديد اللذان أضافا إلى مصر مساحات مزروعة إلى مساحتها التقليدية فى الوادى والدلتا، وحرصا على أحوال الفلاحين الاجتماعية ومساعدتهم على الاستصلاح في الأراضي التي تملكوها عملت الثورة على توفير الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية لأهل الريف فأنشأت الوحدات المجمعة بالريف لرفع الوعى العام بين الفلاحين.

قادت ثورة يوليو مجالات التصنيع من منطلق أن الصناعة هى الطريق نحو تحقيق النهضة، فكانت المشروعات الصناعية العملاقة فى مجال صناعة الحديد والصلب والكيماويات والدواء والإنتاج الحربى، فتحققت لمصر قاعدة صناعية مكنتها من الوفاء باحتياجاتها المتزايدة من الإنتاج، كما تم الاهتمام بصناعات التعدين والبتروكيماويات.

آمنت الثورة ورجالها بالتعليم وأهميته فى بناء الأمم، وقبل التعليم إعداد أجيال على تربية مؤمنة بالوطن ومقدراته، فقامت سياسة الثورة فى التعليم على الجمع بين التربية والتعليم لإعداد المواطن إعداداً سليماً والأخذ بمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين فى التعليم بعد أن جعلته مجانياً.

أنشأت حكومة الثورة وزارة للتعليم العالى عام 1961، وأتمت الخطوة بتطوير الاهتمام بالبحث العلمي، فأنشأت لأول مرة فى مصر وزارة البحث العلمى لتنسيق الجهود بين مختلف المعاهد والهيئات ومراكز البحوث العلمية، كما تأسس المركز القومى للبحوث الذى صدر به قانون رقم 243 لسنة 1956، وأنشأ فى عام 1956 أيضاً المجلس الأعلى للعلوم، ويكفي أن حكومة الثورة قد خصصت لأول مرة فى تاريخ الشرق العربى عيداً للعلم.

كما اهتمت الثورة يوليو بالثقافة، فتم إنشاء وزارة الثقافة والإرشاد القومى عام 1958 والتى حرصت على الاهتمام بالتأليف والترجمة والنشر، ونشر دور الثقافة والمكتبات العامة، كما عملت وزارة الثقافة على رعاية النهضة الفكرية بتشجيع المجلات الأدبية والعلمية فضلا عن تشجيع الفرق المسرحية والفنون الشعبية.

تولت وزارة الثقافة والإرشاد القومى أيضاً الإشراف على الإعلام وأجهزته المختلفة ، وتم افتتاح التليفزيون المصرى يوم 21 يوليو 1960 ، كما اهتمت الثورة بالصحف وأصدرت الصحف التى تحمل فكر الثورة مثل مجلة التحرير وجريدة الجمهورية، كما أنشأت وكالة أنباء الشرق الأوسط التى بدأت عملها الإخبارى فى 28 فبراير 1956 كأول وكالة إقليمية فى منطقة الشرق الأوسط، واستندت ثورة يوليو إلى الهيئة العامة للاستعلامات كجهاز إعلامى منذ إنشائها عام 1954 من أجل تنفيذ مهام سياسية محددة توسعت بعد ذلك لتشمل مهاما وقضايا اجتماعية كتنظيم الأسرة ومحو الأمية ورعاية الطفل والتنمية، هذا فضلا عن الأدوار التى تقوم بها مكاتب الهيئة الداخلية والخارجية.

كان الإصلاح الاقتصادي هدفاً من أهداف ثورة 23 يوليو تماماً كما كان هدفاً من أهداف ثورة 30 يونيو، فكان تطوير البنية الأساسية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية السبيل الأوحد لتحقيق ذلك، فشهدت البلاد نهضة واسعة وسلسلة من المشروعات القومية العملاقة في مختلف القطاعات لاسيما مشروعات البنية التحتية، ومن بينها شبكة الطرق والكباري الواسعة.

لم تكن ثورة 23 يوليو 1952 نقطة تحول جوهريَّة في التاريخ المصري فقط، بل كانت مُنطلقًا لكل الثورات، وحركات التحرر الإقليمية والعالمية، بفضل «مجلس قيادة الثورة» الذي كان يتكون من 13 عضواً برئاسة اللواء أركان حرب محمد نجيب، وضم تشكيل تنظيم الضباط الأحرار كل من جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وعبد الحكيم عامر، ويوسف صديق، وحسين الشافعي، وصلاح سالم، وجمال سالم، وخالد محيي الدين، وزكريا محيي الدين، وكمال الدين حسين، وعبد اللطيف البغدادي، وعبد المنعم أمين، وحسن إبراهيم.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة