حلم العودة

الإثنين، 18 يوليو 2022 11:51 ص
حلم العودة
ياسر الهوارى

 
كانت الطائرة على وشك الهبوط فوق ممر مطار القاهرة، حاملة علي متنها راكب من طراز خاص، استاذ مرموق في العلوم السياسية، وسياسي رفيع المقام، وفوق كل ما سبق صديق عزيز راقي الأخلاق ابتعد لسنوات سبع عن وطنه عاش فيها في بلاد الأغراب متعلقاً بأمل العودة الي وطنه.
 
كنت في شرف استقبال الدكتور عمرو حمزاوي مهتماً بهذا الإستقبال لأسباب متعددة أهمها مكانة الصديق والاستاذ، والفرحة العارمة بالعودة التي طال انتظارها، وبعدها انني عشت تلك اللحظات بتفاصيلها كاملة كتجربة شخصية، مرت علي سنوات الإغتراب كمن يغترف بيديه جمرات النار مع كل ليلة وكل يوم، أرى في سقف الغرفة قبل نومي مشاهد حياتي السابقة رؤي العين، ومع كل صورة عابرة أري فيها جزء من وطني العزيز، تمر ذكريات الطفولة والمراهقة والشباب يمثلها كل ركن وكل حفنة تراب علي أرض مصر في إشتياق للعودة، منتظراً اللحظة التي استقل فيها طائرة مصر للطيران المتجهة إلى القاهرة العزيزة، يملؤني الشجن كلما سمعت صوت محمد قنديل العذب وهو يغني "يا مهون".. تفر دموعي العزيزة قسراً عن سماع "وتروح بلدك يا غريب، وتقابل عالبر حبيب مستني يقولك سلامات".
 
لحظة اقتراب العودة كانت في جمال نهاية اشتياق العاشق بقرب اللقاء، مرت الساعات ثقال، والدقائق طوال، مرت كما لم تمر علي لحظات طويلة من قبل، قاربت على الشهور العشرة منذ العودة وحتى اللحظة تشرد جوارحي للحظات أتأمل فيها الشوارع والسماء، استمع لصوت المؤذن عذب الصوت القريب من بيتي ويتردد السؤال بداخلى "هل انا في مصر حقاً؟".
 
انظر من نافذة السيارة متأملاً الشوارع والبيوت، صفحة النيل محاولاً إقناع نفسي بأنني في حالة اليقظة لا المنام، كانت مصر تعيش بداخلي في كل لحظة مرت علي خارجها، أراها في كل شيء واتنفسها مع الهواء، أخطئ في أسماء الشوارع لتحل محلها الاسماء التي اعتادت علي الجريان على لساني.
 
في رحلتي الأخيرة إلي بيروت، تلك الرحلة الإضطرارية التي التقي فيها بأسرتي الصغيرة مرة وحيدة في السنة، كانت الطائرة تخطو بتلك السرعة المملة علي ممر الإقلاع ومن مكاني بجوار النافذة ظهرت طائرة مجاورة تحمل شعار مصر للطيران، أجد نفسي بتلقائية شديدة التقط صورة من النافذة وانشرها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" مع تعليق وتمني أن تكون تلك الجارة العزيزة هي رفيقة رحلتي القادمة إلى القاهرة التي لم تخرج من داخلي يوماً، واذا بالحلم يتحقق.
 
لحظة عبور الأجواء المصرية كعابر سبيل منتقلاً من دولة إلي أخرى دون الهبوط فوق تراب مصر المقدس بمثابة فرحة طفولية في قلب رجل جاوز منتصف العقد الخامس من عمره، قد انتقلت من نظرات عابرة من فوق السحاب إلى وجود فوق الأرض وبين البشر ووسط الأهل والأحباب.
 
أما بعد..
تلك كانت تجربة شخصية اكتبها وأتحدث بها على لسان كثيرين، من المرات القلائل التي لا أترفع فيها عن الاعتقاد أن ما كتبته في السطور السابقة وبرغم انها شخصية، ولكنها ليست حصرية وأن الكثير ممن طالت بهم وحشة الغربة يشعرون بما شعرت، يتنفسون عشقاً لوطنهم كما تنفست، ينتظرون لحظة احتضان الوطن كما فعلت.
 
أن صفحة جديدة تنتظر أن تُفتح، وصفحة مؤلمة قديمة تنتظر أن تُغلق.. فقط يحتاج الأمر إلى ثقة متبادلة واحساس عميق بضرورة تُطوي وأن تحتل قضية مُنتظري العودة المكانة التي يستحقها وتليق بمصر التي تبحث عن أبنائها المخلصين المنتظرين.. فقط يتبقى أن يبادر الوطن في النداء على أبنائه، وتتسع مصر لنا جميعاً.. وتسعد بنا جميعاً.
اللهم استجب لدعائي واجعل لحظات الفرح أقرب إلى منتظرينها من حبل الوريد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق