العلمين.. 3 سنوات شاهدة على تحويل أرض الألغام إلى مدينة ساحرة على شاطئ المتوسط

الثلاثاء، 16 أغسطس 2022 10:27 ص
العلمين.. 3 سنوات شاهدة على تحويل أرض الألغام إلى مدينة ساحرة على شاطئ المتوسط

 

"الحب" و "الحرب"، على ما بينهما من تناقض لغوي واصطلاحي، إلا أنهما يبقيان منذ أن وطأت قدم أبو البشرية آدم لظهر البسيطة، متلازمان كتلازم أصابع اليد الواحدة، لا يفترقان ولا ينفلت واحد منهما عن الآخر.

وفي البلاغة العلاقة بينهما وطيدة أيضاً كما هي في الواقع، فما بينهما يمكن تعريفه على أنه جناس ناقص، يحدث نغماً موسيقياً يثير النفس وتطرب إليه الأذن، ويؤدّي إلى حركة ذهنية تثير الانتباه عن طريق الاختلاف في المعنى.

الحب والحرب يمثلان قمة المشاعر الإنسانية، ومن رحمهما ولدت أم القصائد التي أثرت الأدب العربي، وخاصة فيما هو منسوب لشعراء العرب الأوائل الذين كانوا يتألقون ويتنمقون بقدرتهم الفائقة على الوصف الدقيق ونقل صورة حية للحرب والحب في قصيدة واحدة بل وفي بيت واحد.

يقول الفارس الشاعر صاحب واحدة من السبع المعلقات العربية الأشهر عنترة بن شداد في وصف جمال محبوبته عبلة: "فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم".. هنا يجسد انشغاله بجمال محبوبته وهو في وسط المعركة، لدرجة أنه ظن أن السيوف اللامعة ثغرها البسام وراح يقبلها كما يمني النفس بأن يقبل شفاه عبلة.

وعلى أرض العلمين الجديدة، لم يجتمع الحرب والحرب فقط، بل كل المتناقضات التي لا تخطر على بال بشر، فمن ذا الذي يقول إن هذه المدينة التي شهدت بدلاً من الحرب حربين هما الأشهر والأكبر في تاريخ البشرية، وبدلاً من المعركة عشرات، وبدلاً من الضحايا والشهداء مئات، ستشهد بعد مرور الزمن طفرة عمرانية وسياحية وتكنولوجية، وتتحول طبول المعارك لطبول محبة وبهجة ونزهة لأهل مصر وزوارها من مختلف الدول، وبدلاً من الحفل عشرات، وعدد لا حصر له من مظاهر الترفيه والبهجة.

بدأت الحكاية في الأول من مارس 2018 عندما أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً بإنشاء مدينة العلمين، على مساحة ما يُقارب من الخمسين ألف فدان، وكان المخطط وقتها أن تستوعب مليوني نسمة للإقامة في قطعة تتعانق على سطحها روعة المعمار وعبقرية البناء وحداثة الأساليب المستخدمة في الديكور والتصميم والتنظيم، بعبق من التاريخ الذي ما زال يفوح من جنباتها، فيبهج الزائرين ويشعرهم أنهم في مدينة لا تضاهيها مثيلة في أي من بلدان العالم.

منذ أن تطئ قدماك أول الطريق المؤدي لمدينة العلمين، ستشعر بتغير في لون الصحراء ينبأك بأنك مقبل على رحلة طويلة في تاريخ الأجداد وحكايات الأبطال الذين ضحوا بحياتهم لنحيا اليوم مرفوعي الرأس، مبتهجين بما يتحقق على أرض هذه البقعة الساحرة من أرض المحروسة.

يعود تاريخها إلى العصر الروماني حيث كان يقع على أرضٍها قديماً مدينة ليوكاسبيس، وهي مدينة ساحلية رومانية قديمة، وصل عدد سكانها إلى 15 ألف نسمة آنذاك، ويتميز وسط المدينة بوجود كاتدرائية رومانية وقاعة كبيرة تم تحويلها إلى كنيسة، مثلت القرية قديماً مركزاً تجارياً بين مصر وليبيا والواردات الكريتية، وقد تم تدمير المستعمرة القديمة عام 365 بموجة تسونامي ناتجة عن زلزال وقع خارج ساحل كريت، ولم تتم إعادة بناء البلدة، بسبب حالة الاضطراب التي كانت عليها الإمبراطورية الرومانية آنذاك،  وتم فقد أثر ليوكاسبيس حتى عام 1986، حين قامت مجموعة من المهندسين الذين كانوا يعملون على بناء الطرق في مارينا العلمين، بالكشف عن منازل ومقابر قديمة. ولقد تم تصنيف 200 فدان من الأرض المحيطة كمنطقة أثرية، وبدأت عمليات التنقيب عن الآثار في فترة التسعينيات من القرن الماضي.

خلفت الحرب العالمية الثانية في منطقة العلمين ما يقرب من 17.5 مليون لغم، وكان من أهم مشكلات وعوائق إزالة الألغام في مصر، هو تعدد أنواعها المضادة للأفراد والدبابات التي زرعتها كل من (قوات الحلفاء والمحور) في صحراء مصر الغربية خلال الحرب العالمية الثانية، وتحركها من أماكنها بسبب الكثبان الرملية، والتغيرات المناخية على مدى نصف قرن، إضافة إلى المخاطر الناتجة عن زيادة حساسية انفجار الألغام، بسبب تقادمها أو بسبب العوامل الجوية، مع عدم توافر معدات حديثة متقدمة تكنولوجياً لاستخدامها في عملية إزالة الألغام، وكذا التكلفة المالية المرتفعة التي تحتاج إليها عمليات الإزالة، خصوصاً مع عدم إدراج مصر على خريطة العمل الدولية لمكافحة الألغام.

وبناءً عليه كانت أكثر الخسائر فداحة التي لحقت بمصر جراء عدم إزالة الألغام لسنين، هو تعطيل زراعة مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة في الصحراء الغربية، رغم توافر المياه اللازمة لها في مناطق مثل الحمام والعلمين، بجانب تعطيل إقامة مشروعات التنمية في الساحل الشمالي وبعض مناطق مرسى مطروح، بالإضافة إلى تعطيل مشروعات منخفض القطارة كأحد المشروعات العملاقة لتوليد الطاقة بسبب اعتراض الألغام طريق القناة، بجانب اعتراض عمليات التنقيب عن البترول.

ونتيجة إدراك القيادة السياسية المصرية أهمية تلك البقعة الاستراتيجية من الأرض المصرية باعتبارها البوابة الغربية للحدود مع الشقيقة ليبيا، وكذا ما تمثله من موقعاً استراتيجياً على ساحل البحر المتوسط وكذا عمق الصحراء الغربية بما تحمله من ثروات، فقامت باتخاذ كل الإجراءات اللازمة من خلال تكليف القوات المسلحة بالمضي قدماً في إزالة الألغام الأرضية، تمهيداً لجعلها بوابة مصر الغربية على أفريقيا.

وبالفعل احتفلت مصر عام 2017 بالانتهاء من إزالة الألغام والأجسام المتفجرة من مساحة تصل إلى حوالي 32 ألف فدان، منها 3050 فداناً تستخدم كمشروعات سكنية وعمرانية في مدينة العلمين الجديدة، والمساحة الباقية على جانبي ترعة الحمام تم استغلالها لأغراض الزراعة والتعدين من منطقة الساحل الشمالي الغربي.

وتعتبر «العلمين الجديدة» بداية عصر جديد من المدن الذكية الحديثة القائمة على أرفع الأسس التكنولوجية المتطورة، حيث تدار معظم الخدمات فيها بشكل رقمى حديث، كما أنها مبنية على رؤية متقدمة تتيح لسكانها حياة متكاملة معيشية ومهنية وترفيهية وغيرها.

وتبلغ المساحة الإجمالية للعلمين الجديدة 49 ألف فدان، ويبلغ عدد السكان المُستهدفين فيها نحو مليونى نسمة، ويجرى تنفيذ مرافق منطقة الإسكان الاجتماعى المميز، وتضم المرحلة الأولى منها 15 برجًا شاطئيًا، وتضم أيضًا جامعة العلمين للعلوم والتكنولوجيا، والأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا، ويجرى تنفيذ 4 كبارى مشاه وكبارى البوغاز، و40 عمارة إسكان متميز بمنطقة الداون تاون، وأعمال حماية الشواطئ، وقد تم تنفيذ الممشى السياحى على الكورنيش بطول 14 كم.

المدينة مكونة من ثلاث شرائح إسكانية، شريحتين سياحيتين استثماريتين أحدهما تقع على ساحل البحر المتوسط وأخرى جنوب طريق اسكندرية مطروح الدولي أما الشريحة الثالثة فهي المنطقة التاريخية والأثرية بمقابر العلمين، كمقابر الكومنولث والمقابر الإيطالية والمقابر الألمانية ومتحف العلمين العسكري، ومتحف مارينا العلمين، فضلا عن مرسى اليخوت ببورتو مارينا ومنتجع مارينا العلمين وواحة المغرة والنصب التذكاري لنافورة العلمين والمقام بمدينة سيدني الاسترالية تخليداً لذكرى الجنود الذين لقوا حتفهم في عام 1942 خلال معارك الحرب العالمية الثانية بمدينة العلمين المصرية وصممه المهندس المعماري الأسترالي فيل تارانتو.

وتضم المدينة مبنى للرئاسة ومقرًا صيفيًا لمجلس الوزراء مجهزًا بالكامل لإدارة شئون البلاد ومناقشة مختلف الملفات والمشروعات بكفاءة عالية، إضافة إلى أبراج سكنية وإدارية شاهقة تزين ساحل البحر الأبيض المتوسط، كما تضم عدة مشروعات سكنية متنوعة ومختلف الخدمات، من تعليم وترفيه وصحة وأنشطة تجارية، وكلها باتت واقعًا ملموسًا مثلما رُسمت فى اللوحات التى عُرضت فى بداية التنفيذ قبل 3 سنوات.

وتتميز «العلمين الجديدة» بالبحيرات الداخلية التى تطل عليها الأبراج، وشبكة طرق فريدة على مستوى التصميم والجودة وكفاءة التنفيذ.

يميز مدينة العلمين عن غيرها، أنها تصلح للزيارة طوال فصول السنة، ففي الصيف ساحرة وفي الشتاء أشد سحراً وإبهاراً، ويقصدها في هذا الموسم على وجه التحديد العديد من سائحي مصر.

وفى شهر أكتوبر، تقيم مصر حفل تأبين سنوي لضحايا معركتي العلمين الأولى والثانية، التي درات بين قوات دول الحلفاء والمحور، ويحضره ممثلون عن دول الكومنولث، على رأسهم انجلترا وفرنسا وكندا واليونان والهند، وممثلين عن دولتي ألمانيا وإيطاليا، ومحافظ مطروح ممثلاً عن رئيس جمهورية مصر العربية، بمشاركة عدة شخصيات عسكرية وأمنية مصرية، وعشرات من وفود الدول المختلفة، وعدد من المحاربين القدماء الذين شاركوا ميدانيا في معارك الحرب العالمية الثانية بمنطقة الصحراء الغربية، ومجموعة من أسر الجنود ضحايا الحرب العالمية. تتضمن مراسم الاحتفال وضع أكاليل الزهور على مقابر الجنود يصاحبها إطلاق الأبواق العسكرية الانجليزية والإيطالية والألمانية وعزف لمقطوعات موسيقية وأناشيد القساوسة وقراءة ترانيم على المقابر.

 تضم مدينة العلمين الجديدة مجموعة من الأبراج والمبانى الفندقية والسكنية التى تم إنشاؤها، قى سباق مع الزمن ليرى المواطنون حلم العلمين الجديدة خلال فترة زمنية قليلة.

ولأنها مدينة لكل المصريين، كانت وحدات الإسكان الاجتماعى ذات التصميم الجديد أول ما انتهى تنفيذه فى مشروع مدينة العلمين الجديدة، وجرى حجزها بالكامل بعد أقل من ساعة من فتح باب الحجز إلكترونيًا، ويجرى تسليم حاجزى المرحلتين الأولى والثانية وحداتهم حاليًا.

ونفذت وزارة الإسكان عدة مشروعات سكنية أعلى، حيث نفذت وطرحت وحدات «دار مصر» و«سكن مصر»، وهما لشريحتين تتوسطان محدودى ومتوسطى الدخل.

كما أنجزت تنفيذ منطقة الأبراج الشاطئية وباعت وحداتها بأسعار بلغت نحو ٥٥ ألف جنيه للمتر السكنى فى المتوسط، وكذلك توجد وحدات تبيعها شركتا تسويق عقارى كبيرتان لصالح هيئة المجتمعات بخلاف الأبراج، مثل مشروعات «مزارين» بأسعار متوسط 20 ألف جنيه للمتر ومشروع الحى اللاتينى، بخلاف مركز الريادة والأعمال الذى سيضم خمس أبراج مبدئيًا بارتفاعات 200 متر، وبرجًا أيقونيًا بارتفاع 250 مترًا، ليكون المبنى الأعلى بساحل البحر المتوسط بالكامل.

اكتملت المنطقة الشمالية فى مدينة العلمين الجديدة، والتى تعرف بالمنطقة الشاطئية، لتكون نواة لاكتمال تنمية نصفها الآخر، الذى سيطرح على المستثمرين بعد تنمية 7 كيلومترات على طول الشاطئ كمرحلة أولى، ومن ثم سيجرى إكمال النصف الآخر.

وفى المنطقة الجنوبية للمدينة تم العمل على إنشاء مركز للأعمال من خلال الأبراج التى ستنفذها الشركة الصينية (سى سيك)، على أن تكون نواة لمركز أعمال ريادى كبير، حتى تصبح المنطقة بالكامل نواة لتنمية سواحل مصر على البحر المتوسط.

وتم تدشين منطقة أبراج جديدة فى المنطقة الجنوبية لمدينة العلمين الجديدة، وانتهت مرحلة تأهيل الموقع وتركيب الأسوار الخاصة بالشركة المنفذة، فى استثمار جديد ممول بالكامل من خلال هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، دون شركاء، وهذه الاستثمارات تقدر بنحو 30 مليار جنيه نفذ بها 5 أبراج.

وخلال الفترة الماضية، أصبحت مدينة العلمين قبلة للحفلات التي يقيمها كبار فنانين مصر والوطن العربي، فما من نجم يريد أن يجذب الجمهور المصري والعربي حوله الآن إلا ويتجه للعلمين ليقيم حفله به، ولعل خير شاهد على ذلك حفلات النجوم عمرو دياب وكاظم الساهر وغيرهم.

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق