يوسف أيوب يكتب: حسن عبد الله.. مهندس سوق الصرف والنقد

السبت، 27 أغسطس 2022 06:00 م
يوسف أيوب يكتب: حسن عبد الله.. مهندس سوق الصرف والنقد

- الارتياح في الأوساط المصرفية والاقتصادية المصرية يفسره «حُسن الاختيار» وقدرات القائم بأعمال رئيس البنك المركزى 

- تطوير السياسات النقدية وتوفير مصادر متنوعة للموارد من العملات الأجنبية والتعاون الكامل مع الحكومة والتعامل بحرفية مع الازمات الدولية.. 4 أولويات 
 
التفسير المنطقى لحالة الارتياح التي سادت الأوساط الاقتصادية والمصرفية المصرية، لصدور القرار الجمهورى باختيار الأستاذ حسن عبد الله قائما بأعمال رئيس البنك المركزى، أن هذا الاختيار صادق اهله، وهو ما لا يعنى من جهة أخرى ذما أو قدحاً في الرئيس السابق للبنك المركزى طارق عامر الذى اعتذر عن الاستمرار في منصبه، وصدر قراراً جمهورياً بتعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية، ولكن كما قال عامر نفسه " أنه طلب الاعتذار عن منصبه لضخ دماء جديدة ولاستكمال المسيرة التنموية الناجحة تحت قيادة رئيس الجمهورية".
 
وهنا استعير بعضاً مما قاله هشام عز العرب، الخبير المصرفي، والرئيس السابق للبنك التجارى الدولى، وصاحب الخبرات الطويلة في العمل البنكى، حينما أكد إن اختيار حسن عبدالله قائمًا بأعمال محافظ البنك المركزي، يلقى ارتياحًا شديدًا لدى رؤساء البنوك والعاملين في أسواق المال، مع الإشارة إلى أننا نمر بمرحلة دولية شديدة الصعوبة بعد الأحداث السياسية الدولية، لذلك فأن "الموضوع معقد وبحاجة إلى خبرة، وحسن عبدالله له خبرات وتواصل دولي، تؤدي لارتياح شديد في أسواق المال"، موضحاً أنه تواصل مع اثنين مهمين من المستثمرين الأجانب الذين تخارجوا من السوق المصرى مؤخراً، لكنهم بمجرد علمهم بتعيين حسن عبدالله قائما بأعمال محافظ البنك المركزي، قالوا "احنا راجعين تاني".
 
ما قاله هشام عز العرب مرادف لكلمة الثقة، التي يتمتع بها حسن عبد الله، والتي جعلته محل اختيار القيادة السياسية، وهذه الثقة ستكون كلمة السر في نجاح مهمته، خاصة إذا أدركنا كم الحب الذى يلقاه هذا الشخص من كل العاملين بالقطاع المصرفي المصرى.
 
والمؤكد أن هذه الحالة من الارتياح تلقى بالكثير من المسئوليات على "حسن عبد الله"، المعروف في الأوساط البنكية المصرية والعربية أنه رجل مالى ومصرفى على درجة عالية من الكفاءة، بل أن بعضهم يعتبره "الجراح الماهر الذى نحتاج إليه في الوقت الراهن لوضع سياسة نقدية تتوافق مع المتغيرات الدولية التي تضغط بكل قوة ليس فقط على الاقتصاد المصرى، بل الاقتصاد الدولى بشكل عام".
 
ومن واقع قراءة بعض التصريحات لبعض ممن زاملوا حسن عبد الله في مسيرته البنكية، أو حتى تابعوا أدائه من بعيد، أنه يمتلك الكثير من المقومات، أهمها القدرة على التواصل السريع مع نظرائه في الدول الأخرى، لما يمتلكه من شبكة علاقات دولية تمكنه من ذلك، فضلاً عن درايته التامة لقواعد العمل مع المؤسسات النقدية الدولية، سواء البنك الدولى أو صندوق النقد الدولى، وغيرها من المؤسسات المصرفية العربية والإقليمية والدولية، وهو أمر بطبيعة الحال نحن في حاجة إليه، لأنه لا يخفى على أحد، أن العالم اليوم اكثر انفتاحاً على بعضه من ذي قبل، وهو ما يتطلب أن تكون الشخصية الجالسة على مقعد رئيس البنك المركزى دراية تامة لما يحدث حوله، وعلاقات تمكنه من التعامل السريع حال الحاجة إلى ذلك.
 
وبالنظر إلى توقيت اختيار "حسن عبد الله" لهذه المهمة، سنجد أنه توقيت بالغ الحرج والأهمية في ذات الوقت، ففي الداخل وارتباطاً بالظرف الوقتى، جاء الاختيار صباح الخميس، وكان موعد اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى في مساء نفس اليوم، وكانت هناك حالة من الترقب لما سيصدر عن اللجنة من قرارات خاصة بسعر الفائدة، هل ستقوم بالتثبيت أم سترفع النسبة، وكان هذا أول اختبار للرئيس الجديد للبنك، الذى نجح فيه، بعدما قررت اللجنة الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوي 11.25%، 12.25% و11.75% على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوي 11.75%.
 
وجاء هذا القرار ليزيد من ثقة المستثمرين في السوق والأداء الاقتصادى المصرى بشكل عام، وهو ما كان له دور كبير في التغيرات التي شهدتها البورصة، والتي نتجت عنها ارتفاع في الأسهم، وامتد تأثير هذا القرار إلى السوق من خلال الإبقاء على الأسعار كما هي، خاصة أن كثيرون كانوا يتوقعون ارتفاعاً في سعر الفائدة، وأن يحذو البنك المركزى المصرى حذو البنوك المركزية العربية والأجنبية التي أعلنت ارتفاعات متتالية في سعر الفائدة، لكن كان القرار المصرى الصادر عن البنك المركزى هو الإبقاء على سعر الفائدة، اتساقاً مع الهدف الذى يسعى إليه البنك خلال الفترة المقبلة والمتمثل في تحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط، أخذا في الاعتبار أن أدوات السياسة النقدية يتم استخدامها للسيطرة على توقعات التضخم، والحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب والآثار الثانوية لصدمات العرض، والتي قد تؤدي إلي ارتفاع معدلات التضخم نسبياً عن المعدلات المستهدفة.
 
ولأنه لا يغرد خارج السرب، فقد أكدت لجنة السياسة النقدية أنها ستواصل تقييم تأثير قرارتها علي توقعات التضخم وتطورات الاقتصاد الكلي علي المدي المتوسط، آخذة في الحسبان قرارتها خلال اجتماعاتها السابقة برفع اسعار العائد الأساسية، كما أكدت أن تحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستقرة على المدي المتوسط هو شرط أساسي لتحقيق معدلات نمو مستدامة، وأن أسعار العائد الحالية تعتمد بشكل أساسي على معدلات التضخم المتوقعة وليس المعدلات السائدة، لذلك فإنها ستتابع عن كثب كافة التطورات الاقتصادية ولن تتردد في استخدام كافة أدواتها النقدية لتحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط.
 
كان هذا هو الاختبار الأول لحسن عبد الله، وبالتأكيد فإن الأيام المقبلة ستشهد العديد من الاختبارات، لكن هناك ثقة في قدرة هذا الرجل بما يملكه من خبرات أن يمر منها بما يحقق النجاح للسياسة النقدية المصرية، وبشكل يفيد الاقتصاد المصرى.
 
حرج التوقيت في اختيار حسن عبد الله، أنه جاء في وقت زادت فيه الاضطرابات المالية والاقتصادية الدولية، وهنا كانت الرغبة في أن يكون بالبنك المركزى وجه يستطيع أن يتلائم مع هذه الاضطرابات وينجو بمصر منها بأقل الخسائر أن لم يكن بدون خسائر، وهنا أشير إلى ما قاله مصرفيين بأن الفترة المقبلة تحتاج إلى بعض الحكمة، وأن الاقتصاد يجب أن يعمل من أجل المواطن، وأن الناحية الاقتصادية مهمة، ولكن الفترة الحالية تحتاج لحكمة شديدة، وهو الأمر الذى يتوفر في شخصية حسن عبد الله.
 
وكان لافتاً أن أول شيء فعله القائم بأعمال رئيس البنك المركزى المصرى في أعقاب لقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسى صباح الخميس قبل الماضى، والذى شهد توجيهاً من الرئيس لحسن عبد الله، بضرورة تطوير السياسات النقدية لتتواكب مع المتغيرات الاقتصادية العالمية، والعمل على توفير مصادر متنوعة للموارد من العملات الأجنبية، وكذلك ضرورة العمل على توفير المناخ المناسب للاستثمار. بعد هذا اللقاء مباشرة، خرج حسن عبد الله ليلتقى بالدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، وهى خطوة تنم عن كيف يفكر هذا الرجل، فالحكومة هي الذراع المهم في الاقتصاد، لذلك يجب أن يكون هناك تفاهم قائم بينها وبين البنك المركزى، وهو ما أكد عليه "حسن عبد الله" بلقائه مدبولى، الذى أكد استمرار التنسيق الكامل معه كقائم بالأعمال في عدد من الملفات الاقتصادية المهمة، مع التوضيح بأن الحكومة تسير وفق خطة محددة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحفيز القطاع الخاص، عبر مشروعات الشراكة وغيرها التي تسهم في زيادة مساهمته في الاقتصاد القومي، إضافة إلى تشجيع الصناعة الوطنية، وزيادة معدلات الصادرات، فضلا عن إيلاء أهمية كبيرة للمشروعات اللوجستية لتسهيل حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس، وكلها خطوات تستهدف زيادة معدلات الاحتياطي من النقد الأجنبي بشكل كبير.
 
وفى هذا اللقاء أكد حسن عبدالله، أنه سيكون هناك تعاون وتنسيق تام مع الحكومة في عدد من الملفات المشتركة، وأن العلاقة بين الجانبين ستتسم بالتناغم لتحقيق أهداف وخطط التنمية المستدامة للدولة المصرية، فهدفنا جميعا واحد هو مصلحة الدولة المصرية في ظل هذه التحديات العالمية.
 
الشهد أننا اليوم امام اختيار صحيح في توقيت بالغ الحساسية والحرج، والكل يأمل أن يكون "حسن عبد الله" بخبراته الكبيرة وعلاقاته الممتدة داخل مصر وخارجها، قادراً على قيادة سفينة البنك المركزى إلى المسار الصحيح.
 
ومن واقع النظر إلى السيرة الذاتية للقائم بأعمال رئيس البنك المركزى، سنجد أنه بالفعل يمتلك خبرات واسعة، فقد حصل حسن عبد الله، على بكالوريوس إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية عام 1982، ثم ماجستير في إدارة الأعمال عام 1992 من الجامعة ذاتها، ويتميز حسن عبدالله بمسيرة مصرفية زاخرة بالمناصب القيادية على الصعيد المحلي والإقليمي، حيث كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة والعضو المنتدب للبنك العربي الإفريقي الدولي منذ عام 2000 وحتى 2018 ، بعد أن تدرج في المناصب به منذ تعيينه عام 1982، وعمل بعدد من الإدارات المختلفة بالبنك، عمل خلالها بفرع البنك بنيويورك عام 1988، ثم عاد مساعدا لمدير عام البنك بالقاهرة عام 1994.
 
وتولى عبد الله منصب مدير عام البنك العربي الافريقي الدولي عام 1999، وفي عام 2000، عين نائبا لرئيس مجلس الإدارة ، ثم الرئيس التنفيذي، كما شغل منصب رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية والفرنسية بهونج كونج، وعضوًا بمجلس إدارة اتحاد المصارف العربية والفرنسية في باريس، والغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة، والمجلس الاستشاري للأسواق الناشئة، كما عمل عضوًا بمجلس إدارة بعض الشركات الكبرى، على رأسها شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة، وشركة تعبئة كوكا كولا مصر، وشركة انديفور مصر، وشركة المصرية للاتصالات.
 
وكان عضوا بهيئة التدريس في لجامعة الأمريكية في القاهرة، كما كان عضوا بالمجلس الاستشاري الاستراتيجي في كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وكان عضوًا مؤسسا في المجلس الوطني المصري للتنافسية وعضوًا مؤسسا ورئيسا في جمعية مستثمري المشروعات الصغيرة، وعضوًا في مجلس أمناء المعهد المصرفي المصري.
 
وقبل اختياره لمنصبه الجديد، تولى حسن عبد الله رئاسة مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، منذ مايو 2021، وخلال هذه الفترة قاد الشركة بكفاءة واقتدار، وحققت الشركة نجاحات وتوسعات كبيرة في السوق الإعلامى المصرى، فضلاً عن إبرام شراكات مع مؤسسات إعلامية عربية ودولية.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق