يوسف أيوب يكتب: أوربا تواجه الاختبار الصعب.. الدفء أم الغذاء

السبت، 10 سبتمبر 2022 07:00 م
يوسف أيوب يكتب: أوربا تواجه الاختبار الصعب.. الدفء أم الغذاء

- التضخم وقلة المعروض من المواد الغذائية والغاز يحاصران الدول الأوربية ويبشران بشتاء شديد القسوة

- الازمة الروسية الأوكرانية تواصل عقاب القارة العجوز وتفرض عليها الأخبار السيئة.. والأوربيين فقدوا بوصلتهم  

 
 
الأسبوع الماضى كان شديد القسوة على أوربا، بالأخبار السيئة التي حملت إلى القارة العجوز أنباء ما سيكون عليه الشتاء القارس، الذى سيجعل الأوربيين حائرين بين تحقيق أيا من الهدفين، إما الغذاء، أو التدفئة.
 
الوضع الحالي لا ينبئ بأن الهدفين سيتحققان معاً، الا إذا حدثت معجزة سياسية تغير من مفاهيم المعجزات السياسية، وتحدث تبديلاً في الخريطة السياسية، المضطربة في الوقت الراهن، ويتوقع أن يزداد اضطرابها يوماً وراء الأخر.
 
منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، في فبراير الماضى، والأوربيين على يقين بأنهم سيكونوا أكثر المتضررين، لذلك لم يكن مستغرباً أن تبدأ فرنسا من خلال رئيسها إيمانويل ماكرون زيارات وجولات مكوكية، حاملاً معه مقترحات أوربية للحل، على أمل الخروج بأقل الخسائر، ولم تقف ألمانيا على الشط، بل دخلت في العمق على خط الحل والوساطة، لكن كل هذه التحركات لم تأت بجديد، فالأزمة تتصاعد.. عقوبة في مقابل عقوبة، وتصريح قاس للرد على تصريح أخر قاس.. هذا هو مخلص الأزمة الحالية.
 
ورغم أن أوربا تحاول تخفيف وقع العقوبات الاقتصادية الدولية والأمريكية على روسيا، لكن موسكو تتعامل مع "الغرب" ككتلة واحدة، فلا تفرق بين المواقف الأمريكية والأوربية. الجميع لديها في كفة واحدة، وهو ما زاد من صعوبة الأزمة.
 
أخر الأخبار السيئة كانت بإعلان شركة "غاز بروم" الروسية إغلاق خط الأنابيب الرئيسي لنقل الغاز إلى القارة "نورد ستريم 1" بشكل كامل عن أوروبا، وقالت الشركة إنها اكتشفت تسربًا للنفط في محطة الضخ، وأضافت في بيان: "حتى يتم حل المشاكل المتعلقة بتشغيل المعدات، تم إيقاف إمدادات الغاز إلى خط أنابيب الغاز نورد ستريم تمامًا".
 
ويعد خط أنابيب "نورد ستريم 1" شريانًا رئيسيًا ينقل إمدادات الغاز الروسية الضخمة إلى أوروبا، والذي تم من خلاله نقل 35٪ من إجمالي واردات أوروبا من الغاز الروسي العام الماضي، حيث يتدفق الغاز "نورد ستريم 1" مباشرة إلى ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، والتي تعتمد بشكل خاص على غاز موسكو لتزويد منازلها وصناعاتها الثقيلة بالطاقة.
 
هذا الخبر السئ لأوربا يضاف إلى أخبار أخرى أكثر سوءً، منها نقص إمدادات الغذاء، بسبب التوترات العسكرية، وزيادة التكلفة والتأمين أيضاً، أخذا في الاعتبار أن أوكرانيا ومعها روسيا من الموردين الرئيسيين للغذاء لأوربا أيضاً، وفى المقدمة القمح، وهو ما زاد من الأزمة الأوربية، وجعل الأوربيين في حيرة شديدة، فالشتاء على الأبواب، وامامهم أزمة لها شقين، شق الطاقة المتمثل في الغاز الذى يعتمدون عليه في التدفئة، وبدونه لا يعلم أحد ماذا سيكون مصير الأوربيين. والشق الثانى الغذاء، والمرتبط أيضاً بارتفاع الأسعار، ومعه وصول معدلات التضخم في أوربا إلى مستويات قياسية، لها تداعيات شديدة السلبية على القارة العجوز.
 
ولكى تكون الصورة أكثر قرباً لما يواجه أوربا خلال الأشهر القليلة المقبلة، يمكن العودة إلى مجموعة من الأخبار التي ساقتها لنا وكالات الأنباء العالمية على مدار الأيام القليلة الماضية، لتضعنا في قلب الصورة.
 
الخبر الأول:
 
من بريطانيا حيث أعلن اتحاد التجزئة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في المتاجر خلال أغسطس الماضى إلى أعلى مستوى منذ عام 2005، حيث قفزت الأسعار إلى 5.1٪، ارتفاعا من 4.4٪ في يوليو، جراء الحرب في أوكرانيا، مشيراً إلى أن معدل تضخم ارتفع إلى أعلى مستوياته منذ أغسطس 2008، وأن "التضخم في أسعار المواد الغذائية تسارع بقوة حيث وصل إلى 9.3٪ في أغسطس، مرتفعا من 7.0٪ في يوليو"، وأكد أن هذا "أعلى معدل للتضخم منذ أغسطس 2008".
 
وقالت الرئيسة التنفيذية لاتحاد التجزئة، هيلين ديكنسون: "أدت ضغوط التكلفة المتزايدة صعودًا وهبوطًا في سلاسل التوريد إلى ارتفاع تضخم أسعار المتاجر إلى مستوى مرتفع جديد في أغسطس.. تسببت الحرب في أوكرانيا وما تلاها من ارتفاع في أسعار العلف الحيواني والأسمدة والقمح والزيوت النباتية في ارتفاع أسعار المواد الغذائية"، مشيراً إلى أن "أسعار المواد الغذائية الطازجة تضخمت على وجه الخصوص، وارتفع إلى أعلى مستوى له منذ عام 2008، وشهدت منتجات مثل الحليب والسمن ورقائق البطاطس أكبر ارتفاع، وأن الارتفاع في أسعار المتاجر يلعب دورا في التضخم الأوسع في المملكة المتحدة، والذي يتوقع بعض المحللين أنه قد يصل إلى 18٪ في عام 2023"، وحذرت أن "الوضع قاتم لكل من المستهلكين وتجار التجزئة".
 
الخبر الثانى:
 
 من بريطانيا أيضاً، يقول أنه في مواجهة الارتفاع الشديد في كلفة الطاقة، يزداد الوضع صعوبة على المدارس الحكومية البريطانية التي تبحث عن حلول جذرية تسمح بتجنيب التلاميذ البرد الذي قد يضطرهم لارتداء معاطفهم خلال الدروس في الشتاء المقبل، وقال تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية أنه "لم تجد ريتشل ووريك التي تدير مجموعة من ثلاث مدارس في جنوب إنكلترا، سوى عبارة "ارتفاع هائل" لوصف الوضع"، مشيرة إلى أنه في الأوقات العادية، تصل ميزانيتها للغاز والكهرباء إلى 250 ألف جنيه استرليني (289 ألف يورو) في السنة، ولكن الارتفاع السريع في أسعار الطاقة منذ عام أوصل فاتورة الطاقة إلى 1,1 مليون جنيه استرليني (1,27 مليون يورو).
 
وأضافت ريتشل ووريك لوكالة فرانس برس "نحن بصدد البحث عن 900 ألف جنيه استرليني إضافية غير مدرجة في الميزانية، هذا ضغط هائل"، حيث تعاني المملكة المتحدة من تضخّم تخطّى 10%، وهو المستوى الأعلى بين دول مجموعة السبع، فيما من المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً في ظل الزيادات المتوقّعة في أسعار الطاقة، وفي حين تبدو الأُسر محمية بسقف سعر تفرضه السلطات العامة - سيزيد بنسبة 80% فى أكتوبر المقبل- لا يوجد أي إجراء مشابه يتعلّق بالشركات والمؤسّسات العامة.
 
الخبر الثالث:
 
من ألمانيا التي أقرت حكومتها حزمة مساعدات جديدة، وصفها المستشار الألماني أولاف شولتس، بأنها "الأكبر حتى الآن"، لمواجهة ارتفاع الأسعار خاصة أسعار الطاقة ومعدلات التضخم غير المسبوقة. وهي الحزمة الثالثة إلى غاية اللحظة.
 
والأحد الماضى، خلال مؤتمر صحفى للائتلاف الألماني الحاكم، كشفت الحكومة الألمانية عن قيمة حزمة المساعدات الثالثة البالغة 65 مليار يورو (64.7 مليار دولار) بهدف حماية المستهلكين والاقتصاد الوطني من تداعيات ارتفاع التضخم، واتفقت الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحكومي، بقيادة أولاف شولتس، على  تدابير تشمل على دفع 300 يورو لمرة واحدة لملايين المتقاعدين لمساعدتهم على تسديد فواتير الطاقة المرتفعة، إلى جانب تمديد خفض تكاليف وسائل النقل العام، وإعفاءات ضريبية بقيمة 1.7 مليار يورو لتسعة آلاف شركة كثيفة الاستهلاك للطاقة، حيث تخصص الحكومة الألمانية 1.5 مليار يورو لدراسة بديل للتذكرة الشهرية البالغة تسعة يورو على شبكات النقل المحلية وبين المناطق، علما بأن السعر سيكون أعلى على الأرجح، كما ستدعم الحكومة أيضا الطلاب بدفعات قدرها 200 يورو لمرة واحدة، كما ستغطي تكلفة التدفئة للأشخاص الذين يتلقون مساعدات إسكان.
 
وجاء هذا الإعلان في أعقاب حزمتين سابقتين من المساعدات يبلغ مجموعهما 30 مليار يورو، تضمنتا خفض الضريبة على البنزين ودعما كبيرا لتذاكر النقل.
كل هذا الأخبار وغيرها الكثير والكثير، تشير إلى أن أوربا في مواجهة مأزق شديد الصعوبة، فالاختيار سيكون صعباً، الطاقة لا تصل إلى اوربا، والغذاء يقل.. وهو ما يعنى أن الشتاء لن يكون فصل البحث عن الدفء للأوربيين، ولكن أيضاً الغذاء.
 
كل هذا حدث من وجهة نظرى ونظر كثيرين لسبب بسيط.. أن أوربا ربما للمرة الأولى في التاريخ الحديث لم تحدد بوصلتها ولا هدفها، لذلك تواجه اليوم وضعا مضطرباً، تعاملت مع بوابة واحدة ولم تؤمن بسياسة التنويع، لإنها كانت تؤمن من البداية أنها صاحبة القرار، لكن الواقع أكد العكس تماما، فالقوة السياسية لا تمنح بمفردها قوة القرار، لإن هناك معايير أخرى كثيرة.
 
هذا يأخذنا إلى مصر، وكيف تعاملت الدولة المصرية مع الازمات الكثيرة المحيطة بنا، وصولاً إلى الأزمة العالمية الأخيرة، فالحق يقال أن التعامل المصرى كان حريصاً منذ البداية على أن يأخذ في الاعتبار كل المعطيات الداخلية والخارجية، وصولاً إلى وضع سيناريوهات متعددة، مبنية على قراءات ومعلومات وأرقام واضحة، لذلك كانت الامتصاص المصرى للتأثيرات السلبية لهذه الازمات فاعلاً، وساعد على العبور المصرى بأقل الخسائر. 
 
والبداية كانت باقتناع مصري تام أن الأوضاع التى تتعرض لها الدولة هى نتاج أزمات عالمية أطاحت باقتصاديات دول كبرى، وأن الوقت حان لقرارات جريئة تعتمد على القدرات والإمكانيات المصرية، وان يكون المواطن شريكاً في المواجهة، وفى نفس الوقت ملزماً بالمحافظة على أمن واستقرار الدولة من أجل مستقبل الأجيال الحالية والقادمة.
 
وساعد على ذلك أن مصر تمتلك قيادة سياسية وطنية لديها رؤية شاملة وتتحرك فى ضوء خطة متكاملة تهدف إلى أن تنقل مصر إلى مصاف الدول الحديثة، رغم أي ظروف معاكسة وهذا هو أكبر تحد تواجهه الدولة، فقد استطاعت هذه القيادة ان تتعامل مع المتغيرات الدولية المتسارعة والضاغطة بأقصى قدر من الموضوعية مما أدى إلى تحجيم تداعيات هذه المتغيرات إلى أقل تأثير ممكن، باتخاذ العديد من إجراءات الحماية الاجتماعية التى تمس أوضاع الملايين من أفراد الشعب المصرى، وتنويع العلاقات الدولية من منطلق الحفاظ على الأمن القومى المصرى، وهذا هو المبدأ الرئيسي الذى لايمكن أن تحيد عنه.
 
وكان لافتاً منذ البداية أن القيادة المصرية لم تركن إلى التسليم بتأثيرات هذه المتغيرات او تستخدمها شماعة تعلق عليها أي تراجع، بل تحركت وأسرعت بوضع الخطط السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمواجهتها، ولم تكتف بانتهاج سياسة رد الفعل بل امتلكت زمام المبادأة فى العديد من المجالات مما أتاح للدولة أن تواصل خطط التنمية والتطوير دون أن تتوقف وذلك فى ظل الاقتناع بأنه من الخطأ وقف عجلة التنمية حتى لو تباطأت بفعل الظروف الخارجية قليلا.
 
فالمجمل أن القيادة السياسية كانت ولا تزال على مستوى المسئولية، كما ان المواطن الذى لمس صدق التوجهات الحكومية كان هو الأخر على قدر المسئولية، وساعد على ذلك الرؤية المستقبلية المبنية على علاقات دولية متشعبة لم تقتصر على باب واحد، وإنما أبواب متعددة، رافعة شعار او عنوان، الندية في التعامل، والمصلحة المبتادلة، وهو أمر ساعدنا كثيراً، في حين أخفقت دول أخرى في مصاف الكبرى والمتقدمة، لإنها ظلت أسيرة الماضى والأفكار القديمة، ولم تضع لنفسها خطة تبنى عليها استقلالها، ويكون لها القرار حال ان واجهت أي أزمة، لا ان تكون تابعة لتوجهات أخرى، قد تتفق معها أو تختلف، لكنها لن تحقق لها القدر الكافى من القدرة على الصمود والحياة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق