حين يصبح الموقف واجباً

الإثنين، 24 أكتوبر 2022 11:14 م
حين يصبح الموقف واجباً
ياسر الهوارى يكتب:

تجبرنا الحياة دائمآ على مساراتها، لكنها في النهاية مسارات متعددة، يكون للمرء واختياره فيها دور البطولة المطلقة، ومن غير الصحيح تماماً الركون إلي فرضية أن قرارات الإنسان مفروضه عليه على غير اختياره، حتى وأن بدت الأمور على غير ذلك، واذا كان هناك ضرورة للصمت في بعض الأحيان، فإن الكلام يصبح لازماً في معظم الأحايين، وتلك مقادير البشر والموقف واجباً، وتلك احكام الحياة.
 
في لحظات الإختبارات الكبري نجد انفسنا في اختيار ما بين إيثار السلامة وبين خوض غمار معارك تطالنا فيها شظايا كلمات كالرصاص واتهامات كالصواعق، واذا ما اخذنا الاختيار الاول، نجونا بانفسنا وحافظنا على سلامتنا الشخصية علي حساب الوطن والمجتمع، أما الاختيار الآخر وهو مرهق بطبيعته، مؤلم في تفاصيلة، لكنه بكل تأكيد اختيار للجميع وبالجميع.
 
في رواية من حديث أبن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا رسول الله ! أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ فقال : أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل، سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحبُّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة شهرا.
 
وهنا يخبرنا الرسول الكريم أن إيثار السلامة ليس بالعمل المحبب إلى الله عز وجل، وأن الاجتهاد واجب، واذا كان النفع والضر والصواب والخطأ هي مسألة نسبية بامتياز، فإن قرار اختيار اتخاذ مواقف ما في لحظات الاختيار تحتاج إلي شجاعة الرجال وعزم اصحاب الهمم والبصيرة.
 
نحن اليوم امام مفترق طرق خطير، يقف فيه الناس على مشهد انقسام غير مسبوق في تاريخ امتنا الضارب في عمق التاريخ، فاما الخوف من مزايدة تأتي معظمها من اصحاب المصلحة في استمرار الوضع كما هى عليه، وأولئك مثلهم كمثل أمراء الحرب الذين يتكسبون من استمرار المعارك بلا هدف الا تكديس ثروات من بقاء أوضاع يعني بقائها الحياة نفسها عند آخرين، او من معدومي الرؤية السياسية، او من مخلص في مشاعره يصعب عليه التخلي عن جزء من أحلامه حتي في مقابل تنفيذ أجزاء أخرى واقعية، ولا حتى من قبيل أن السياسة هي فن الممكن والمتاح، وللصنف الاخير علينا واجب الصبر حتى وأن غضبنا لأنفسنا أحياناً، أما الصنف الثاني عدم الالتفات إليه وتركه للتجربة تستكمل ما ينقصه ولا ضرر من كلامه او نفع، أما الصنف الأول-أمراء الحرب-فإن التصدي لتخريبهم فرض واجب على كل ذى ضمير، واعتبار تجريحهم وتخوينهم وتشويههم المتعمد في كل من يختلف معهم في الرأي بكل الطرق وبكل ما تتيحه إمكاناتهم وبكل الأساليب المنحطة، وسام شرف على صدر من تناله ألسنتهم وأياديهم.
 
الهدف الاساسي لأمراء الحرب وضع سيف الإرهاب الفكري والمادي والمعنوي على كل من يجرؤ على الكلام في الشأن العام سواهم، والخوف من اتخاذ مواقف تؤدي إلى الخروج من الوضع الحالى، وهنا يصبح اتخاذ المواقف والاجتهاد فيها وعدم الالتفات إلي هؤلاء واجباً وضرورياً.. 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق