المزاح بين زويل وعبد القادر

الأربعاء، 02 نوفمبر 2022 08:50 ص
المزاح بين زويل وعبد القادر
حمدي عبد الرحيم يكتب:

المزاح مع غير أهله مضر وقد يؤدي لأمور لا تحمد عقباها ومعناها ضرورة بل حتمية احترام ثقافة الآخر فما تظنه أنت مجرد مزاح هو عند الآخر تهديد

من حسن حظ المكتبة العربية أن العالم الكبير الراحل الدكتور أحمد زويل لم يسكره فوزه بجائزة نوبل فينسى ما عليه للمكتبة العربية، ولذا كتب لنا أطيافًا من سيرته الذاتية لا ليفاخر ولكن ليعلم الباحثين عن مجد العلم الصبر على عبقات الطريق.

كتب زويل رحلة حياته ورحلة علمه تحت عنوان "عصر العلم"، ونشرت دار الشروق الكتاب في العام 2005 ليكون دجاجة تبيض ذهبًا، فقد أعيد طبع الكتاب مرات ومرات، والنسخة التي بين يدي هي من الطبعة العاشرة التي صدرت في العام 2010، وظني أن طبعات قد طرحت في السوق بعد الطبعة العاشرة.

كتب مقدمة الكتاب الأستاذ نجيب محفوظ وكانت مقدمة عجيبة جدًا، فهي سطور بسيطة ولكن حشوها الصدق، فقد قال محفوظ أنه لم يتمكن من قراءة الكتاب الذي يقدمه ( طبعًا لظروفه الصحية في ذلك الوقت) مكتفيًا بسماع تلخيص طيب قام به الكاتب الصحفي الأستاذ أحمد المسلماني، وقدم محفوظ التحية للكاتب والكتاب والتهنئة للقارئ العربي.

وقد ذكرني بالكتاب ما قام به أحمد عبد القادر لاعب كرة القدم بالنادي الأهلي.

وإذا بدأنا القصة من أولها سنجد زويل قد كتب في كتابه: "من المألوف مثلًا أن يمزح مصري مع صديقه المصري بقوله "هقتلك" وهو بالطبع لا يقصد المعنى الحرفي لتلك الكلمة، ويرد عليه صديقه بكلمة أكثر من هذا القبيل، فالأمر لا يعدو أن يكون مزاحًا وقد حدث للمرة الأولى والأخيرة أيضأ أنني قلت لصديق أمريكي ونحن نحتسي القهوة، قلت له مازحًا "هقتلك"، فما كان منه بعد أن سمع ما قلته بالإنجليزية إلا أن نظر إليّ نظرة فهمت منها كل شيء، وقرأت في عينيه وتعبيرات وجهه ما دار في ذهنه في تلك اللحظة، فقد أعتقد أنني أقصد ما أقول، أو أقول ما أقصد، ولم يفهم أنني أمزح معه ليس إلا، وربما دار في مخيلته أو قال في سره: إن هذا الفتي جاء من الشرق الأوسط ولا بد أنه فاعلها، وخاصة أننا كنا نعيش في الجو المتوتر من الستينات والسبعينيات بظروفها المعروفة، وفطنت في هذا الوقت إلى ضرورة تجنب المزاح الذي يمكن أن يساء فهمه أو تأويله وأن أتأقلم مع مفردات ولغة هذه الثقافة الجديدة".

ما معنى الفقرة السابقة؟

معناها أن المزاح مع غير أهله مضر، وقد يؤدي لأمور لا تحمد عقباها، ومعناها ضرورة بل حتمية احترام ثقافة الآخر، فما تظنه أنت مجرد مزاح هو عند الآخر تهديد صريح بالقتل.

ثم يذكر زويل واقعة لافتة تظهر مدى الاختلاف بين الثقافات، فيقول: "في أحد الدروس المعملية التي كنت أشرف عليها، كان هناك فتى وفتاة تصادف أن جلسا إلى منضدتين متجاورتين في المختبر، وأخذا يجريان التجربة المعملية مثلهما مثل بقية الطلاب، وبينما هما في انتظار خطوة المعايرة بالمحلول فإذا بهما يأخذان في تبادل القبلات بحرارة أمامي وأمام جميع الطلاب في المختبر، ولم أصدق ما رأيته بعيني في تلك اللحظة، فمثل هذا التصرف يستحيل أن تراه في مصر، أما هنا في أمريكا فإن هذين الاثنين كانا يقبلان بعضهما بعضًا اثناء إجراء التجارب المعملية، غير عابئين بمن حولهما من الناس، ولم يكن لدي أدني فكرة عن كيفية التصرف إزاء مثل تلك المواقف، وتزاحمت في رأسي البدائل : أأطردهما من الحصة؟

أما أبعدهما عن بعضهما البعض؟

أما ماذا عليّ أن افعل؟

وأخيرًا ذهبت إلى الأستاذ المشرف لكي أسأله النصح، فما كان منه إلا أن أخذ يردد حسنًا يا أحمد .. أنت تعرف.. أنهم.. أنهم كانوا يقومون بذلك هنا.. ذلك هنا.. وعندئذ فهمت الرسالة".

ترى ما هي الرسالة التي فهمها زويل؟

إنها رسالة الاختلاف، ذلك التلامس الحميم هو في مصر كارثة، ولكنه عندهم أمر عادي بل طبيعي لا يلفت نظر أحد ولا يستهجنه أحد، لو رضى زويل بما يراه لكان زائفًا، لأن ثقافته لا ترضى بهذا الفعل، ولو تصرف بعنف، فقد يفاجأ برد أعنف، ولذا فقد تصرف بحكمة وشكا إلى عالم بالأمور فقال له ببساطة: هذا يحدث عندنا دائمًا!

ما علاقة لاعب كرة القدم أحمد عبد القادر بكل ما سبق؟

عبد القادر سجل هدفًا لفريقه في مباراته مع فريق اتحاد المنستيري التونسي في دور 32 لبطولة إفريقيا للأندية ابطال الدوري، فقام بالاحتفال بهدفه بطريقة اثارات لغطًا وزادت من حدة احتقان الشارع الكروي الذي لا ينقصه الاحتقان والتحزب غير الرياضي، لقد أغمض عبد القادر عينيه وأشار إلى وريد يده اليمني بأصابع يده اليسرى كأنه يحقن نفسه.

هنا قال بعضهم: إن اللاعب يشجع على تعاطي الحقن المخدرة.

وقال آخرون: بل هو يعاير أحدهم من المنافسين!

وقال فريق ثالث: هو يقلد احتفالًا يقوم لاعب كرة سلة أمريكي معناه "أن أعصابي محقونة بالثلج وأنا لا أتأثر بالضغوط".

وعندما زادت حدة اللغط تدخل الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة المخدرات وعلاج الإدمان، فقال:

 أحمد عبد القادر من اللاعبين المميزين وقدوة للجميع، لكن للأسف احتفاله بالهدف جاء غير موفَّق على الإطلاق.

وأضاف: "أتمنى عدم تَكرار هذا الاحتفال في الملاعب المصرية مرة أخرى، لأن هذا الشكل له تأثير سلبي على مرضى الإدمان".

القصة شرحها زويل ولكنها لم تصل لعبد القادر، فلا أطمع أن يقرأ عبد القادر كتاب زويل ولكن أطمع في أن يتولى بعضهم إدارة تلك المواهب ولو بالنصح لكي لا تفعل ببراءة ما يؤخذ عليها، فقد سبق لنجم الزمالك والمنتخب الوطني جمال عبد الحميد أن أحتفل راسمًا علامة دينية، فكتب أحد النقاد، وأظنه الكبير نجيب المستكاوي مقالًا، أتذكر عنوانه "جمال ماردونا" ونصح جمال بعدم تكرار تلك الطريقة، فلم يفعلها جمال مرة ثانية، وهناك نجم الأهلي والمنتخب الوطني هاني رمزي الذي عندما كان لاعبًا في المانيا أشار للجمهور إشارة ظنها هو إشارة تحية، بينما فهمها الألمان على أنها تحية نازية، فقامت الدنيا ولم تقعد، ولولا مسارعة النجم المصري بإثبات حسن نيته لتم عقابه وفق القانون الألماني الذي يجرم النازية.

احترام الآخر والتعايش معه، أمر حسن، ولكن الأحسن أن يعبر كل منا عن بيئته وعن ثقافته حتى وهو يحتفل بهدف في مباراة كرة قدم.

 

 

 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق