لماذا مصر هي أم الدنيا؟

السبت، 26 نوفمبر 2022 05:46 م
لماذا مصر هي أم الدنيا؟
حمدي عبد الرحيم يكتب:

عرفت مصر تصدير خيرات فلاحيها منذ أقدم الأزمنة فلم تكن يومًا منكفئة على نفسها بل كانت تهتم بالشأن الإنساني العام
 
عندما كان الرئيس  الأمريكي جو بايدن من ضيوف مصر أثناء انعقاد قمة المناخ على أرض سيناء قال الرئيس الأمريكي: "إن مصر هي أم الدنيا".
 
بعضنا سعد بالكلمة بوصفها مجاملة مهذبة من رئيس أكبر دول العالم، وبعضنا تعامل معها بوصفها من المصطلحات المحفوظة التي يرددها البعض عفو الخاطر.
 
والحق أن الرئيس الأمريكي لم يكن يجامل ولم يكن يردد محفوظًا من القول.
 
فإطلاق لقب أم الدنيا على مصر، قديم جدًا وليس به من شبهات المجاملة أو التعصب من شيء لأن الذي أطلق اللقب لم يكونوا من المصريين، حتى يرد قولهم بزعم التعصب والقبلية.
 
ولقد وجدت كتابًا ناقش الأمر بهدوء وروية، ذلك هو كتاب لـ«الأساطير المتعلقة بمصر في كتابات المؤرخين المسلمين» لمؤلفه الأستاذ الدكتور عمرو عبد العزيز منير، وهو أستاذ التاريخ الوسيط بالجامعات المصرية، وهو عضو اتحــاد كُتـاب مصر، وعضو اتحاد المؤرخين المصريين وعضو اتحاد المؤرخين العرب وعضو الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، حصل على جوائز مصرية وعربية وعالمية تقديرًا لجهوده في الدراسات التاريخية، له ما يزيد على ثلاثة عشر كتابًا في التاريخ القديم والوسيط.
 
ينقل المؤلف عن  المؤرخ عن ابن الحكم وهو عميد مؤرخي مصر أن سبب تسميه مصر إلي حفيد سيدنا نوح عليه السلام، وذلك حين رغب نوح إلى ربه سبحانه وتعالى وسأله أن يرزقه الإجابة في ولده وذريته، فنادى نوح أبناءه فلم يجبه أحد إلا حفيده مصر بن بيصر بن حام حيث قال: يا جدي قد أجبتك إذ لم يجبك أبي ولا أحد من ولده فاجعل لي دعوة من دعوتك.. ففرح نوح عليه السلام ووضع يده على رأسه وقال: اللهم إنه قد أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد التي نهرها أفضل أنهار الدنيا واجعل فيها أفضل البركات وسخر له ولولده الأرض وذللها لهم وقوهم عليها.
 
اليقين الوحيد في تلك القصة أن ابن الحكم قد رواها نقلًا عن مصادر أقدم منه، وتلك المصادر نقلت عن مصادر وهكذا جرى الأمر لكي نعرف نحن أن بلدنا عريق جدًا، عرفه التاريخ منذ عهد نوح عليه السلام.
 
ثم ذهب المؤلف إلى مؤرخ تركي مسلم هو أوليا جلبي بن درويش محمد أغا ظلي المعروف بلقبه أوليا چلبي، وقد عاش جلبي في مصر ثمانية أعوام متصلة تجول بين أقاليمها لكي يكتب عنها جزءًا كاملًا من أجزاء كتابه "سياحة نامه".
 
يقول جلبي إن: «السبب في تسمية مصر بأم الدنيا، أنها تحتوي على جميع أجناس الخلق وأنواع الأمم، التي يبلغ عددها اثنين وسبعين أمة، تتكلم بمئة وأربعين لغة، كما تشمل على أقوام من التابعين للمذاهب الأربعة، فبفضل مصر هذه يعيش كل هؤلاء الخلائق، فضلًا من الله ومنة.
 
وما ذلك إلا أن كثرة أهالي مصر وسكانها من الفلاحين، أعني أنهم من أهل الكد والعمل الشاق، ومعاناة الأهوال في سبيل إسعاد الغير إذ أن هؤلاء المساكين بعملهم الدائب هذا، يجعلون مصر في بحبوحة من الخيرات والخصب، وعلى جانب عظيم من النعم ورغد العيش الذي يتمتع به الناس والحيوان فلأجل هذا سميت مصر بحق أم الدنيا، كالأم الرؤوم تعني بجميع أركان الدنيا، وتحدب عليها وتبذل لها من متاعبها وسلعها وهكذا تكون الأقاليم السبعة من الدنيا عالة عليها".
 
ما قرره المؤرخ جلبي من مكانة الفلاحين في بناء الحضارة المصرية ونسب الخيرات لهذه الطائفة على وجه التحديد له سند أكيد من التاريخ الثابت المحقق. فقد عرفت مصر تصدير خيرات فلاحيها منذ أقدم الأزمنة، فلم تكن مصر يومًا منكفئة على نفسها، بل كانت تهتم بالشأن الإنساني العام، حتى إنها كانت تقدم خيراتها لوجه الله لا تريد جزاءً ولا شكورًا.
 
ينقل الدكتور عمرو عن المؤرخ الكبير المقريزي قوله: «ومن فضائل مصر‏:‏ أنها تمير أهل الحرمين وتوسع عليهم، ومصر فرضة الدنيا يحمل خيرها إلى ما سواها فساحلها بمدينة القلزم يحمل منه إلى الحرمين واليمن والهند والصين وعمان والسند وساحلها من جهة تنيس ودمياط والفرما فرضة بلاد الروم والإفرنج وسواحل الشام والثغور إلى حدود العراق وثغر إسكندرية فرضة أقريطس وصقلية وبلاد المغرب ومن جهة الصعيد يحمل إلى بلاد الغرب والنوبة والبجة والحبشة والحجاز واليمن".
 
والأمر هنا ليس أمر أسطورة، فالأساطير نجدها في الإجابة على سؤال حاول العلماء القدماء الإجابة عليه وهو: لماذا مصر خصبة جدًا ومعطاءة جدًا؟
 
الحقيقة الثابتة لدينا في هذا المجال هى الآية الكريمة: «فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم».. هذه الآية عن مصر ووجود كلمة كنوز بها، ألهب خيال كل المؤرخين الذين بحثوا في هذا الأمر حتى أن المقريزي كان صاحب مصطلح «علم الكنوز». كما يورد الدكتور عمرو عن ابن الوردي قوله: «ويقال إن غالب أرض مصر من ذهب مدفون، حتى قيل إنه ما فيها موضع إلا وهو مشغول بشيء من الدفائن".
 
أما ابن خلدون فحاول بعقله الفذ الناقد أن يضع لأسطورة الكنوز تصورًا معقولًا، فنقل عنه المؤلف قوله: «وأما ما وقع في مصر من أمر المطالب والكنوز، فسببه أن مصر في ملك القبط منذ آلاف السنين أو يزيد من السنين، وكان موتاهم يدفنون بوجودهم من الذهب والفضة والجواهر على مذهب من تقدم من أهل الدور فلما انقضت دولة القبط ومَلَك الفرس بلادهم نقروا على ذلك في قبورهم وكشفوا عنه فأخذوا من قبورهم ما لا يوصف".
 
وبعدُ هل هناك من مجاملة؟ لا مجاملة في الأمر فحقًا مصر هي أم الدنيا.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق