العيل بيجي برزقه.. أخطر مقولة في الموروث الثقافي المصري: مصر زادت 50% في 15 سنة

السبت، 03 ديسمبر 2022 11:00 م
العيل بيجي برزقه.. أخطر مقولة في الموروث الثقافي المصري: مصر زادت 50% في 15 سنة
محمود علي

- مصر زادت 50% في 15 سنة.. المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: 250 ألف نسمة زيادة في 56 يوماً فقط

- الزيادة السكانية تهدد مستقبل الأسر وقدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية بالجودة المناسبة
 
دراسة صادمة كشف عنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تناولت تأثير الثقافة الشعبية على الزيادة السكانية، التي تهدد مستقبل مصر التنموى والاقتصادي والاجتماعى.
 
الدراسة التى تناولت قياس تأثير الثقافة الشائعة بين المواطنين على معدلات الإنجاب، واعتمدت بشكل كبير على المناطق الريفية، انتهت إلى من بين الموروثات الثقافية قناعة الأزواج والزوجات بأن "العيل بييجي برزقه".
 
وأجرى جهاز الإحصاء مقارنة بين المحافظات الأكثر تسجيلا لتراجع معدلات المواليد والمحافظات الأقل تسجيلا للمواليد في الفترة من "2016-2020"، وأظهرت الدراسة أن المحافظات الأكثر تسجيلا للمواليد 87.4% من النساء فيها يوافقن على أن "العيل بييجي برزقه"، مقابل 76.5% من النساء في المحافظات الأكثر تسجيلا لتراجع المواليد يوافقن على هذه المقولة.
 
ومن بين نتائج الدراسة أيضا، كان إنـجاب طفلين هو العدد المرغوب والأكثر شيوعاً في المحافظات الأكثر انخفاضا حيث نـجد أن 44 % من النساء يرغبن في أسرة من طفلين، بينما في المحافظات الأقل انخفاضا فنجد أن إنـجاب أربع أطفال يمثلان عدد الأطفال المرغوب فيهم وبنسبة تصل إلى 36.5 %، وغالبية النساء بالمحافظات الأكثر انخفاضا لا يفضلن إنـجاب طفل ذكر إذا كان لديهن بنات فقط بنسبة تصل إلى 77.4 %، مقابل 54.3 % للنساء بالمحافظات الأقل انخفاضا.
 
ويعتقد النساء بالمحافظات الأكثر انخفاضا أن الفترة المثالية بين المواليد يجب أن تكون أربعة سنوات بنسبة 19.3%، وانخفضت النسبة إلى 12.1% بالمحافظات الأقل انخفاضا، ونحو 51% من النساء بالمحافظات الأكثر انخفاضا تعتقدن أن السيدة يجب أن تنتظر ثلاث أعوام قبل إنـجاب الطفل التالي، انخفضت هذه النسبة قليلا إلى 48.6 % بالمحافظات الأقل انخفاضا.
 
واعتمدت الدراسة على المقارنة بين أكثر المحافظات تسجيلا لتراجع المواليد وهي "بورسعيد- السويس- دمياط- القليوبية- الفيوم" والمحافظات الأقل تراجعا في عدد المواليد، وهي "المنيا- أسيوط- سوهاج- قنا".
 
نتائج هذه الدراسة، تؤكد أن أزمة الزيادة السكانية لازالت تعتبر التحدي الأبرز أمام الدولة لكي يشعر المواطن بنتائج ما ينفذ على الأرض، وهو ما دفع الدولة إلى الدفع ببرامج توعوية عديدة لمواجهة خطر الزيادة السكانية عبر الاهتمام ببرامج الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة وخفض معدلات الإنجاب بصورة تدريجية وإبطاء عجلة النمو السكاني، وهو ما أدى إلى انخفاضات قليلة لنسبة المواليد مقارنة بالأعوام الماضية، لكن لا تزال الأرقام والإحصائيات لا تعبر عن طموحات الدولة.
 
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن وصول عدد السكان داخل البلاد إلى 104 ملايين و250 ألف نسمة، بزيادة قدرها 250 ألفا خلال 56 يوماً، مشيراً إلى أن مصر تأتى في المرتبة الأولى عربياً على صعيد عدد السكان والثالثة أفريقياً، والرابعة عشر عالميا.
 
ولم تترك الدولة المصرية ومؤسساتها مناسبة على المستوى المحلي أو الدولي، إلا وحذرت من خطورة النمو السكاني المتسارع، بما أنه أحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، حتى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي دائما ما يلقي الضوء على هذه الأزمة  في خطاباته مخصصاً جانباً للحديث عن تداعيات وخطورة الزيادة السكانية على الدولة وتنميتها، ودور المجتمع والأسرة للحد منها.
 
وخلال كلمته بفعاليات الجلسة الختامية للمؤتمر الاقتصادي أكتوبر الماضي، حذر الرئيس السيسى من خطورة استمرار الزيادة السكانية، وقال "إنها أزمة تأن بها الدولة وتستمر المعاناة فيها رغم الحديث عنها طيلة العقود الماضية"، مضيفاً أن أزمة الزيادة السكانية تدفعنا للتساؤل، "هل المؤسسات الدينية والتعليمية والصحية بذلت جهود قوية لمواجهة تحدى الزيادة السكانية وتوعية المواطن بخطورة الموقف".
 
حديث الرئيس السيسي في المؤتمر الاقتصادي أشار بوضوح إلى بعض الأسباب الرئيسية التي أصبحت تعوق حل الأزمة السكانية وباتت عقبة أمام تحقيق أي تنمية، حيث قال الرئيس: "هل هناك مواطن لديه ثلاثة أطفال يقول لهم أنا بحبكم ولا أعرف على أني أشغلكم أو أعلمكم أو أطعمكم أنا غلطان، لا مبيقولش كدا، بيقول إن الدولة مشغلتكمش ولا علمتكم ولا أكلتكم".
 
وتابع الرئيس السيسي: "الذي ترك البناء الفكري يترسخ في المجتمع لم يقوم بالجهد المطلوب، ويجب وضع خريطة تنفذ"، مشيراً إلي أن "الدولة تقوم بجهد جبار في تحقيق التنمية في كافة المجالات رغم التحديات المالية والاقتصادية وصعوبة تدبير موارد الإنفاق ودعمت مشروعات الدولة توفير فرص عمل في كل منطقة".
 
وسجلت مصر خلال العقد والنصف الماضي، زيادة سكانية بلغت 30 مليون نسمة، ووفقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفعت الكثافة السكانية الكلية من 71.5 مليون نسمة عام 2006 إلى 101.8 مليون نسمة عام 2021.
 
هذه الأرقام تعبر عن مدى التحدي الذي يواجه الدولة المصرية في هذا الملف، ورغم حديث البعض عن ضرورة اعتبار الكتلة السكانية ضمن عناصر القوة الشاملة للبلاد، لكن هذا المبدأ أصبح لا ينطبق على مصر فلا يخفى على أحد أن الزيادة السكانية فاقت حدود وقدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية بالجودة المناسبة.
 
التهام الزيادة السكانية لمشروعات التنمية بشكل ملحوظ، جعل من الضروري خفض معدلات الزيادة السكانية لإحداث التوازن المفقود بين معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات النمو السكاني، وذلك من أجل الارتقاء بنوعية حياة المواطن المصري، ورغم الجهود التي تتخذها الدولة للحد من ارتفاع معدلات الزيادة السكانية، لكن المسؤولية تقع أيضا على المواطن والمجتمع بكل فئاته للعمل على مساعدة الدولة لخفض النمو السكاني.
 
ولدى المؤسسات التعليمية والصحية والدينية والرياضية، الدور الأبرز لمحاربة الزيادة السكانية عبر تنظيم دورات تدريبية وحوارات تليفزيونية وحملات إعلانية لتوعية الأسرة بتداعيات وخطورة الأمر ووجوب مساعدة الدولة في تحقيق أهدافها التنموية.
 
ويأتي مشروع "2 كفاية" ضمن التدخُّلات الرئيسية التي تتخذها  الدولة المصرية عبر وزارة التضامن للحد من الزيادة السكانية، وذلك منذ انطلاق المشروع فى مايو 2018 وحتى الآن بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان وبتمويل جزئى من صندوق الأمم المتحدة للسكان.
 
ويعد مشروع 2 كفاية ضمن برامج وزارة التضامن الاجتماعي من أجل تحقيق رؤيتها في كفالة حقوق كل طفل في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة والتغذية الجيدة والتعليم المتاح للجميع، بالإضافة إلى الرعاية الأسرية والتربية الإيجابية، وذلك لن يتأتى إلا بالاكتفاء بعدد طفلين لكل أسرة، كما تساهم الأسر الصغيرة فى تنمية الأسر المصرية، وبالتالي يساعد على الحد من الفقر، بل وتحسين المستوى الاقتصادي للأسر وأن المشروع يهدف إلى تعزيز مفهوم الأسرة الصغيرة وترسيخ المفاهيم المجتمعية الإيجابية للحد من الممارسات الخاطئة التي تدفع الأسر إلى كثرة الإنجاب، مع تأمين حقها في الحصول على المعلومات الصحيحة والفهم الصحيح للدين وفى الحصول على وسائل تنظيم الأسرة.
 
وحققت وزارة التضامن الاجتماعي بقيادة الوزيرة نيفين القباح نجاحا كبيرا في توعية الأسر بخطورة الزيادة السكانية وتقديم خدمات تنظيم الأسرة، حيث يستهدف المشروع ما يقرب من مليون سيدة في عشر محافظات، وهى المحافظات الأكثر فقراً والأعلى في معدلات الخصوبة وهى البحيرة، الجيزة، الفيوم، بني سويف، المنيا، قنا، سوهاج، أسيوط، الأقصر، أسوان، بالإضافة إلى حي الأسمرات، ويتم تنفيذ المشروع بالشراكة مع 108 جمعية أهلية بعدد 2257 قرية ونجع بالمحافظات المستهدفة، بالإضافة إلى بداية عمليات اختيار 300 جمعية أهلية جديدة بهدف التوسع في المشروع، هذا إلى جانب تجهيز 65 عيادة 2 كفاية، وتدريب الأطباء وفرق التمريض العاملين فى تلك العيادات، وتزويدها بوسائل تنظيم الأسرة التي قامت وزارة الصحة والسكان بتوفيرها بالمجان.
 
وعلى اختلاف الأنظمة سواء المتقدمة أو النامية تعتبر مشكلة الزيادة السكانية في الوقت الراهن تحدياً رئيسياً لتقدمها؛ حيث تجاوزت أبعاد هذه الأزمة الحدود الإقليمية إلى العالمية لتفرض على الجميع مواجهتها والتصدي لها؛ لاسيما وأنها تسبب ضغط كبير على سوق العمل والطاقة الاستيعابية للنشاطات الاقتصادية، حيث تؤثر معدلات الزيادة السكانية على متوسط نصيب الفرد من الموارد الطبيعية، لاسيما المياه والطاقة والأرض الزراعية، كما تؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والأمية وتحد من الاكتفاء الغذائي.
 
دراسات عديدة أعدها الكثير من الخبراء على مستوى العالم، رصدت نجاح العديد من التجارب الدولية للحد من الكثافة السكانية، وكان على رأسهم إندونيسيا وتونس، وهي دول كلها كان للمواطن فيها الدور الأكبر والأهم من أجل نجاح خطط الدولة في تخفيف سرعة النمو السكاني وتحقيق استفادة قصوى من التنمية الاقتصادية، مما أدي إلى زيادة القدرة على التصدي للفقر وبناء قاعدة لتحقيق تنمية مستدامة  وتحسين الدخل القومي مما انعكس مباشرة على نصيب الفرد منه.
 
التجربة الإندونيسية
 
وقالت دراسة نشرت عام  2020 وأعدها الخبير عمرو حسن، المقرر السابق للمجلس القومي للسكان، إن هناك بعض دول العالم حققت أعلى استفادة من تنفيذ برامج تنظيم الأسرة، ومنها اندونيسيا التي أنشأت وزارة لشؤون المرأة من ضمن مهامها متابعة برنامج تنظيم الأسرة، حيث تم وضع نظام مؤسسي يتابع ويقيم التجربة منذ عام 1999، فضلا عن ذلك عملت الدولة على التمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة ودفعها إلى التوجه نحو التعليم ومن ثم العمل، ليكون انطلاقا أساسياً في مواجهة قضية السكان.
 
وكما كانت لمؤسسات الدولة الاندونيسية دور في هذا الملف، كان هناك دعم كامل من جانب رجال الدين، حيث تبنوا قضية تنظيم الأسرة، بالإضافة إلى إشراك الأزواج بمسئولية كاملة في تنظيم الأسرة، وإعداد المقبلين على الزواج، وإعطاء برامج للإقناع بمزايا الأسرة صغيرة الحجم.
 
وأشارت الدراسة إلى التزام القطاع الخاص بالمشاركة في تحديد النسل، بما يمثله ذلك باللامركزية في تقديم الخدمات للمواطنين، لتوفير الوسائل الحديثة وإتاحتها في كل المناطق الجغرافية بالجودة المطلوبة والكفاءة العالية.
 
وكشفت الدراسة عن أن نجاح التجربة التونسية كان له أسباب عدة، أهمها التركيز على البعد التنموي، ودمج خدمات تنظيم الأسرة ضمن الخدمات الصحية الأساسية واستهدف شرائح اجتماعية متنوعة، بالإضافة إلى العمل على التثقيف السكاني للشباب، خاصة في مجال الصحة الإنجابية والثقافة الجنسية، مشيرة أن كل ذلك ساهم في خلق الاتجاهات الإيجابية لدى الشباب تجاه القضية السكانية.
 
الأمر الأخر، هو تفعيل دور المنظمات الحكومية وغير الحكومية لمخاطبة الشباب في مراحل التعليم المختلفة، بهدف فهم وجهات نظرهم كخطوة رئيسية لتعديل اتجاهاتهم وتثقيفهم  لمواجهة المشكلة السكانية، كما العمل على مقاومة الفقر ورفع سن الزواج وخفض معدلات وفيات الأطفال والاهتمام بالصحة الإنجابية، والاهتمام بالتثقيف السكاني وخلق ثقافة جنسية سليمة لدى الشباب عن طريق تناول القضايا السكانية ضمن منظومة مؤشرات التنمية البشرية (الصحة – التعليم – الدخل – الخدمات).
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق