يوسف أيوب يكتب من واشنطن.. الامن الغذائى وتأمين مصادر الطاقة يسيطران على القمة الامريكية الافريقية.. ادارة بايدن تحاول اعادة الثقة المفقودة لدى الافارقة.. وكبح جماح التكالب الدولى على القارة السمراء

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2022 03:40 م
يوسف أيوب يكتب من واشنطن.. الامن الغذائى وتأمين مصادر الطاقة يسيطران على القمة الامريكية الافريقية.. ادارة بايدن تحاول اعادة الثقة المفقودة لدى الافارقة.. وكبح جماح التكالب الدولى على القارة السمراء
رسالة واشنطن - يوسف أيوب

الرئيس الامريكى يغازل افريقيا بالدعوة الى ضم الاتحاد الافريقى لقمة العشرين وتشكيل مجموعة عمل خاصة
 
بعد ثمانية اعوام عادت القمة الأمريكية الإفريقية لتنعقد فى دورتها الثانية وسط كثير من التحديات والازمات الدولية التى القت بظلالها على القارة السمراء بداية من فيروس كورونا الذى اثقل كاهل الاقتصاد الافريقى وليس انتهاء بالحرب الروسية الاوكرانية التى احدثت تغيرات جذرية فى الاقتصاد العالمى وكانت افريقيا اكثر المتأثرين بها، خاصة فى قضية الامن الغذائى وتأمين احتياجاتها من مصادر الطاقة.
 
فى اغسطس ٢٠١٤ عقد الرئيس السابق باراك اوباما القمة الامريكية الافريقية الاولى، وها هو جو بايدن الرئيس الاميركي الحالى يتذكر القارة السمراء ويدعو لعقد القمة الثانية على مدار ايام ثلاثة ١٣ و١٤ و١٥ ديسمبر الجارى فى العاصمة واشنطن، فى محاولة من الادارة الامريكية الحالية للتغلب على ازمة الثقة الافريقية فى الادارة الامريكية، فالرهان الحالى هو كيف تستعيد واشنطن ثقة الافارقة بها، خاصة ان بايدن يريد بناء شراكة جديدة، لكنها شراكة لم تتحول حتى اليوم الى افعال على الارض، وهو اكبر تحدى يواجه بايدن وهو يستقبل قادة وزعماء القارة السمراء.
 
وقبيل انعقاد القمة أعرب بايدن عن تطلعه للعمل مع الحكومات الإفريقية والمجتمع المدني وتجمعات المهجر في الولايات المتحدة والقطاع الخاص من أجل مواصلة تعزيز الرؤية المشتركة بشأن مستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية، كما أعربت نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس عن الأهمية التي توليها واشنطن لتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية، وعبرت عن ترحيبها بالقادة الأفارقة الذين سيشاركون في القمة التي تعكس التزام أمريكا تجاه شركائها الأفارقة في إطار من الاحترام المتبادل والمصالح والمبادئ المشتركة، لافتة إلى أن القمة تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين والشراكة بين القطاعين العام والخاص للاستفادة من خبرات القطاع الخاص، ووصفت إفريقيا بأنها القارة الأسرع نموا في العالم، وعبرت عن التزام أمريكا بأن توفر لشركائها الأفارقة كافة الأدوات المتاحة ومنها تمويل التنمية والقروض والدعم الفني ودعم الإصلاحات التشريعية.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أن القمة تعكس التزام الولايات المتحدة المتواصل تجاه إفريقيا وأهمية العلاقات الأمريكية الإفريقية، وتعمل على زيادة التعاون القائم على الأولويات المشتركة بين الجانبين، مشيرة إلى أن إفريقيا ستعيد تشكيل المستقبل ليس فقط مستقبل الشعوب الإفريقية بل وأيضا مستقبل العالم، وأن إفريقيا ستحدث فرقا في مواجهة أكثر التحديات إلحاحا وفي اغتنام الفرص المتاحة أمام الجميع، مشيرة الى أن القمة ستبنى على القيم المشتركة بين الجانبين من أجل تعزيز التزام اقتصادي جديد بين الجانبين ودعم السلام والأمن والحوكمة الرشيدة، وإعادة التأكيد على الالتزام بالديموقراطية وحقوق الإنسان ودور المجتمع المدني، والعمل المشترك لتعزيز الأمن الصحي الإقليمي والدولي وتعزيز الأمن الغذائي ومواجهة الأزمات المتعلقة بالتغيرات المناخية وتعزيز الروابط مع المهجر وتدعيم التعليم والقيادات الشابة.

عودة الاهتمام الامريكى بافريقيا
 
ما يدور فى واشنطن الان يشير الى رغبة حقيقية لدى ادارة بايدن لعودة الاهتمام بافريقيا وقضاياها، حتى وان لم يقم بايدن بزيارة افريقيا بالشكل المأمول، لكنه يعول على شراكة اقتصادية تكون المنطلق لعودة واشنطن الى افريقيا التى تشهد صراعا دوليا حولها من قوى كبرى تريد ان تحتفظ بالقارة لها، لذلك يحاول بايدن تناسى الماضى والبدء من اليوم، على ان تكون البداية بهذه القمة وربما العمل على تشكيل مجموعة عمل افريقية داخل الادارة الامريكية لاثبات الجدية امام زعماء افريقيا، وايضا ربما مغازلة افريقيا من خلال الحديث عن عقد القمة الثالثة فى دولة افريقية.
 
فارق السنوات الثمانية بين القمتين يشير إلى تغيرات سيطرت على واشنطن التى تعانى من مازق الحرب الروسية الاوكرانية وما استتبعتها من حالة تملل اوربية من السياسة الامريكية التى يراها الشركاء الاوربيين انها ليست حاسمة لصالح انهاء هذه الازمة.
الرهان الامريكى الجديد على افريقيا يتطلب التغلب على مخاوف الافارقة من عدم جدية الولايات المتحدة، واعتبار البعض لها شريكا لا يعتمد عليه بصفة عامة، خاصة انه بعد القمة الاولى لم تقم واشنطن بوضع آلية للمتابعة، وهو اكبر مآزق يواجه ادارة بايدن فى القمة الثانية، لذلك تسعى واشنطن الى العمل على الارض لاعادة الثقة الافريقية مرة اخرى وهو امر شديد الصعوبة لكن تأمل واشنطن ان تتجاوز هذا المأزق من خلال مشروعات وقرارات تعتبرها بداية لعهد جديد من الشراكة الامريكية الافريقية.

الانضمام الى مجموعة العشرين 
 
ووفقا لمسئولين امريكيين فان بايدن سيطالب خلال القمة بدخول الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين، وستتم مناقشة الأمر مع الهند التي تتولى رئاسة المجموعة خلال العام المقبل، كما سيعمل بايدن على تشجيع الشراكات والاستثمارات المستقرة والموثوقة التي يتعين على الولايات المتحدة تقديمها والتي تمكّن الشركات في أفريقيا والولايات المتحدة من الازدهار.
وتعول ادارة بايدن على ما قام به وزير الخارجية أنتون بلينكن خلال الاشهر الماضية خلال زيارته لعواصم افريقية، وللتأكيد الى انها لم تترك افريقيا، بل كانت واشنطن قريبة منها وستزداد مساحة القرب تباعا وفقا لاستراتيجية امريكية جديدة تساهم فيها الوكالة الامريكية للتنمية الدولية بدور فاعل من خلال العمل على ضخ طاقة جديدة في العلاقات بين الجانبين، اعتمادا على زيارات سابقة واتفاقات قديمة يجرى العمل على احياءها وتطويرها لتعزيز المصالح بالنسبة إلى كل المسائل ابتداء من الأمن الغذائي ومكافحة الفساد وصولا إلى تمكين المرأة.
 
ونشرت الخارجية الامريكية قبل ايام تقريرا عن الشراكة مع افريقيا قالت فيه انه منذ يونيو 2019، ساعدت الحكومة الأمريكية في إبرام أكثر من 800 اتفاق تجاري واستثماري بين الطرفين عبر 45 دولة أفريقية، تقدر قيمتها بنحو 50 بليون دولار من الصادرات والاستثمارات، وتم تنفيذ هذه الاتفاقات من خلال مبادرة ’ازدهار أفريقيا‘، وهي مبادرة أمريكية تستفيد من خدمات وموارد 17 وكالة حكومية أمريكية لزيادة التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية، كما دخلت الولايات المتحدة والدول الأفريقية في شراكات عديدة لمواجهة التحديات العالمية، وستقومان بالبناء على تلك العلاقات خلال القمة، وتتضمن بعض النقاط البارزة موضوع تغيُّر المناخ، حيث تتحمل أفريقيا العبء الأكبر من تغير المناخ، فهناك 16 دولة من أصل 20 دولة أكثر عرضة للتأثر بالمناخ تقع في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكجزء من خطة العمل المتعلقة بخطة الطوارئ الرئاسية للتكيف والقدرة على الصمود التي أطلقتها إدارة بايدن، تتعاون الولايات المتحدة مع البلدان والمجتمعات الأفريقية من أجل حماية البنى التحتية وأنظمة المياه والصحة والغذاء من تأثيرات المناخ.
 
 وفى مجال الصحة العالمية قالت الخارجية الامريكية ان وتظنين تدخل في شراكات عبر القارة الأفريقية من خلال برامج مثل خطة الرئيس الأمريكى للطوارئ للإغاثة من الإيدز ومبادرة الرئيس لمكافحة الملاريا، وقد ساعدت الاستثمارات الأمريكية في أفريقيا على تعزيز النظم الصحية، وزيادة المرونة الاقتصادية، والتصدي لوباء كورونا وجدرى القرود وإيبولا وغيرها من تهديدات الصحة العامة، كما تبرعت الولايات المتحدة بأكثر من 194 مليون جرعة لقاح لدول منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بالشراكة مع مبادرة تسهيل الوصول العالمي للقاح كوڤيد19 والصندوق الأفريقي لاستجلاب اللقاحات.
 
وفى الأمن الغذائي قالت الخارجية الامريكية ان وتظنين تعمل مع الحكومات المحلية والمنظمات الزراعية في جميع أنحاء القارة للحدّ من الجوع في العالم، والاستثمار في المرونة والابتكار في قطاع الزراعة. وقد تم توسيع نطاق برنامج أميركي، يسمى ’الغذاء من أجل المستقبل‘ مؤخرًا في أفريقيا، والآن يوجد 16 دولة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من بين الدول الـ 25 الحالية المستفيدة من البرنامج، وقال وزير الخارجية بلينكن “إن هناك الكثير الذي يتعين على الدول الأفريقية والولايات المتحدة القيام به معًا عبر العديد من المجالات، بما في ذلك بعض المجالات التي ربما لم نكتشفها بعد.” وأضاف “كشركاء، فإن هذا الأفق لنا أن نصنعه.”

مواجهة التغلغل الصينى الروسى الفرنسى فى افريقيا 
 
ولا تغفل ادارة بايدن بطبيعة الحال الاهتمام الدولى بافريقيا خاصة من جانب الصين وفرنسا وروسيا ودول اخرى عملت ولا تزال اعمل على ضخ مزيد من الاستثمارات فى الدول الافريقية، اخذت فى الاعتبار ان هذه القوى لها حضور قوى فى الداخل الافريقية ربما زاد عن تاريخ التواجد الامريكى، لكن ما تعول عليه واشنطن هو اهتمامها بقضايا التحول الديمقراطى فى القارة السمراء والاهتمام بالشباب والمراة باعتبارهم من القوى الفاعلة الحقيقية على الارض، وهو ما ظهر فى كثير من الاحداث السياسة التى شهدتها القارة الى مدار السنوات الماضية.
ويرى كثير من المراقبين للقمة الامريكية الافريقية ان تواجد القادة الافارقة فى واشنطن يمثل فرصة سانحة امام بايدن ليعيد التأكيد امامهم على النهج الامريكى الجديد تجاه القارة، لكن هذا لن يكون كافيا الا اذا تزامن مع اجراءات فعلية وقرارات واقعية على شاكلة دراسة الإصلاحات المطلوبة فى السياسة الامريكية واقتراح التغييرات الحقيقية للنظام الدولي والمؤسسات الدولية التي يطالبون بها، خاصة توسيع عضوية مجلس الامن ومنح افريقيا مقعدين دائمين، وهو مطلب قديم وقفت ضده واشنطن لسنوات طويلة، فى حين ان بايدن المح سابقا الى انه مستعد للقبول به.
 
ويؤكد المراقبين خاصة من الجانب الافريقى انه على بايدن عدم تقديم وعود لا يمكن لواشنطن الوفاء بها، بل الافضل الحديث بصورة أقل عن التوقعات المبالغ فيها، مشيرين إلى ان القمة بمثابة فرصة هائلة لتنفيذ الالتزامات ذات النوايا الطيبة التي قطعتها إدارة بايدن على نفسها حتى الآن، ومن أجل تحقيق ذلك يتوجب على الولايات المتحدة أن تحصد الفوائد السياسية والاقتصادية من خلال العمل بشكل رمزي وإستراتيجي وعملياتي. وبإمكان إدارة بايدن تمهيد الطريق لشراكة جديدة من خلال العديد من المبادرات غير المكلفة.
السؤال الان.. هل تستطيع ادارة بايدن تهدئة القلق الافريقي وكبح جماح التكالب الدولى على القارة السمراء؟.. هذا سؤال يتردد كثيرا ليس فقط في واشنطن وانما فى عواصم افريقية وحتى اخرى غربية تتابع المشهد عن قرب، فالكثير من المتابعين للقمة يرون ان التحرك الامريكى الاخير تجاه القارة السمراء هو تغيير استراتيجى امريكى تحاول من خلاله واشنطن كسب اصدقاء جدد تعويضا عن بعض الخسائر التى سببتها الحرب الروسية الاوكرانية. لكن يظهر هنا سؤال اخر، ما هو موقف الدول الافريقية؟.

مطالب القادة الافارقة 
 
بالحديث عن الموقف الافريقي نعود قليلا الى قمة المناخ cop27 التى عقدت فى شرم الشيخ نوفمبر الماضى، فقد كانت اللهجة الافريقية من خلال كلمات ومداخلات الرؤساء شديدة القسوة ليست على واشنطن بمفردها وانما على كل الدول الكبرى، فقد كان لسان حال الجميع ان افريقيا يكفيها ما حدث لها لعقود طويلة تعرضت خلالها لظلم كبير سواء فى التجاهل او تحميلها فواتير ليست لها علاقة بها، مثل فاتورة الخبر الروسية الاوكرانية وايضا قضية التغيرات المناخية التى تسببت فيها الدول الصناعية الكبرى وتحملت افريقيا مخاطرها دون ان تجد من يشاطرها هذه المخاطر، لذلك فان الدول الافريقية لن تكون سعيدة خلال القمة بالاستماع الى وعود بقدر سعيها الى اجراءات ملموسة ليس لتعويض ما فات ولكن لاشراك افريقيا فى القرار الدولى وان يتحمل الجميع المسئولية وليست افريقيا بمفردها، التى تواصل اليوم عملها لتحقيق التنمية المستدامة.
وعلى هامش القمة، يعقد اليوم الثلاثاء منتدى المجتمع المدني بعنوان "الشراكة الشاملة من أجل تعزيز أجندة 2063"، ويمثل منصة مشتركة بين كبار الممثلين الحكوميين والمجتمع المدني، ويتيح الفرصة لمنظمات المجتمع المدني أن تدلي برأيها فيما يتعلق بالفئات المهمشة في الحياة العامة وحقوق العمال ومكافحة الفساد وتعزيز المحاسبية، كما يعقد على هامش القمة، منتدى قادة شباب إفريقيا والمهجر، حيث يشدد على الالتزام بتعزيز الحوار بين المسئولين الأمريكيين والأفارقة في المهجر وتوفير منصة لشباب القادة الأفارقة من أجل التوصل إلى حلول مبتكرة للتحديات الراهنة، ويتضمن المنتدى عدة جلسات حول التعليم العالي وتنمية وتطوير القوى العاملة والصناعات المبتكرة وتحقيق العدالة البيئية.
ويعقد منتدى قادة الأعمال الأمريكيين والأفارقة غدا الأربعاء تحت عنوان "الشراكة من أجل مستقبل أكثر ازدهارا لخلق فرص عمل وتحقيق النمو المستدام والشامل على جانبي المحيط الأطلنطي".
وستتضمن القمة جلسات تشمل مجتمع الجاليات والقادة الأفارقة الشباب، الصحة العالمية والأمن الغذائي، تغير المناخ والطاقة، استثمارات البنية التحتية.
 
وخلال منتدى الأعمال بين الولايات المتحدة وأفريقيا في القمة، سيناقش رؤساء الدول الأفارقة وقادة الأعمال والحكومات الأميركيون والأفريقيون سبل تعزيز الشراكات ذات المنفعة المتبادلة لخلق فرص العمل ودفع النمو الشامل والمستدام.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق