يوسف أيوب يكتب من واشنطن على هامش القمة الأمريكية الأفريقية الثانية: مصر مفتاح الحل

السبت، 17 ديسمبر 2022 08:00 م
يوسف أيوب يكتب من واشنطن على هامش القمة الأمريكية الأفريقية الثانية: مصر مفتاح الحل

- الرئيس السيسى يحول القاهرة إلى قلب أفريقيا النابض ولسانها المدافع عن حقوقها فى المحافل الدولية
 
مع ختام القمة الأمريكية الأفريقية لأعمالها الخميس الماضى بالعاصمة واشنطن، عادت القارة السمراء إلى صدارة المشهد الدولى مجددا، بعدما باتت محط انظار القوى الدولية الكبرى، وهو ما يضعها فى المكانة التى تستحقها بعد عقود من الإهمال واستنزاف الموارد.
 
القمة التى عقدت فى ظرف دولى شديد الحساسية، ووسط مساعى أمريكية لاعادة صياغة استراتيجيتها وتبديل اماكن تمركزها ولو لوقت محدد، كشفت ايضا عن ظهور قواعد واسس جديدة فى العلاقات الدولية تمنح القارة الافريقية بكل ما تمتلكه من قوة بشرية هائلة وثروات مهدرة، جعلته يعانى الانهاك لسنوات عقود طويلة، تمنحها فرصة تاريخية للتواجد الفعال على الخريطة السياسية العالمية، خاصة وأن قمة واشنطن أخذت حاجة الجميع للدول الافريقية، وانه لا بديل عن الانفتاح عليها والتعامل معها بشكل يلائم قدراتها وامكانياتها.
 
ووسط كل هذه التحولات التى تشهدها القارة الافريقية، تظهر بقوة "مصر" فى مكانة خاصة استطاعت ان تفرضه لنفسها وسط دول القارة، بما تمتلكه من مكانة تاريخية وموقع جيوسياسي، والاهم من ذلك قيادة ممثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى، قادرة على تحويل المكانة والموقع إلى آلية لخدمة قضايا القارة والدفاع عن مصالحها.
 
المتابع للقمة الامريكية الافريقية وما شهدته من فعاليات ولقاءات وكلمات للقادة سيجد ان هناك شبه توافق على أن مصر هى التى تملك المفتاح لاى تحرك مستقبلى يخص القارة. منها ينطلق المستقبل وعبرها تمر الافكار والحلول.
 
واتجهت الانظار خلال القمة إلى مصر، بوصفها الفاعل الرئيسى فى القارة السمراء، وصاحبة اكبر تجربة تنموية فى سنوات قليلة، قادها الرئيس السيسى، حيث تنظر الدول الافريقية لمصر على انها نموذج ليس فقط للاستقرار والتنمية، وانما لقدرة الدولة على التوسع خارجيا لصالح تحقق الاستقرار والتنمية للدول الشقيقة، فقد استطاعت مصر ان تقدم نموذج لكيف تكون الدولة سندا ودعما للاشقاء.
 
ويتذكر الجميع الثامن من يونيو ٢٠١٤ جيدا حينما ادى الرئيس عبد الفتاح السيسى الاثنين الدستورية رئيسا لمصر، ففى خطابه رسم من خلاله ملامح الرئاسة المصرية، والتى تضمنت العمق الافريقى لمصر، حيث قال الرئيس السيسى: "أما مصر الأفريقية رائدة تحرر واستقلال القارة السمراء، فإنني أقول لمن يحاول فصلها عن واقعها الأفريقي، لن تستطيع فصل الروح عن الجسد، فمصر أفريقية الوجود والحياة، وأقول لأبناء الشعب المصري العظيم ـ الذي قامت حضارته العريقة على ضفاف نهر النيل الخالد ـ لن أسمح لموضوع سد النهضة أن يكون سببًا لخلق أزمة أو مشكلة أو أن يكون عائقًا أمام تطوير العلاقات المصرية سواء مع أفريقيا أو مع إثيوبيا الشقيقة، فان كان السد يمثل لإثيوبيا حقها في التنمية، فالنيل يمثل لنا حقنا في الحياة.. النيل الذي ظل رمزًا لحياة المصريين منذ آلاف السنين والى جانب استمراره كشريان حياة المصريين علينا أن نعمل ليصبح واحة للتنمية والتعاون فيما بين دول حوضه، وكما شهدت علاقات مصر الأفريقية تطورا تاريخيا بدءً من مساندة حركات التحرر والاستقلال ومروراً بدعم أشقائنا الأفارقة من خلال التعاون الفني لبناء الكوادر الأفريقية في شتى المجالات، فإن تلك العلاقات يتعين أن تتطور لتحقيق الشراكة في التنمية في شتى المجالات الصناعية والزراعية والتجارية، فمصر بوابة العالم إلى أفريقيا ونافذة أفريقيا على العالم".
 
منذ هذا التاريخ بدأت مصر تستعيد علاقتها القوية والراسخة مع افريقيا، وشهدت العلاقات المصرية الإفريقية زخماً قويا يزداد يوما وراء الاخر، يعززه إرادة سياسية على أعلى المستويات بالارتقاء بالعلاقات مع دول القارة في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية والصحية والاستثمارية، وهو ما انعكس في التنسيق والتشاور المتواصل لتحقيق التكامل والوحدة ومواجهة التحديات التقليدية وغير التقليدية التي تواجه عالمنا المعاصر، مرتكزين في ذلك على عزيمة وإرادة صلبة لتعزيز الجهود المبذولة لتوحيد الصف الإفريقي في مواجهة الصراعات التي تشهدها مناطق مختلفة من العالم وتأثيراتها على مسيرة التنمية في الدول الإفريقية.
وواصلت مصر التشاور على المستوي الثنائي مع كافة دول القارة الإفريقية حول الشواغل والقضايا التي تواجهنا، وتابعت وتفاعلت من خلال دورها الرائد في القارة الإفريقية مع التطورات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم، كما قامت مصر بالعديد من التحركات الدبلوماسية للحفاظ على حقوق دول القارة ومكتسباتها، وهو الأمر الذي انعكس من خلال حجم الزيارات المتبادلة واللقاءات رفيعة المستوي بين مصر والدول الإفريقية على المستوي الرئاسي والمستوى الوزاري وكبار المسئولين، سواء في الإطار الثنائي أو تلك التي تمت على هامش اجتماعات المنظمات الدولية والإقليمية والتجمعات الإفريقية أو المحافل متعددة الأطراف، واستندت تحركات مصر في القارة الإفريقية إلى خطوات استراتيجية مدروسة وبرنامج زمني لتنفيذ المشروعات التنموية اتساقاً مع الخطط التنموية للدول الإفريقية، بجانب تكثيف الجهود لتعزيز الإستثمارات المتبادلة وزيادة معدلات التبادل التجاري مع الأشقاء الأفارقة، لاسيما بعد دخول إتفاقية التجارة الحرة القارية حيز النفاذ، فضلاً عن المساهمة في بناء قدرات الكوادر الإفريقية في مختلف المجالات وبما يدعم جهود تحقيق التنمية المستدامة في ربوع القارة الأفريقية ويلبي تطلعات شعوبها في النماء والرخاء والازدهار.
 
إعادة تمركز مصر بقوة مع قارتها السمراء
 
ووضع الرئيس السيسى عناصر عديدة تتكامل وتتناغم لضمان إعادة تمركز مصر بقوة مع قارتها السمراء ليس فقط ارتكاناً على الرصيد الكبير الذي يوفره البعدان التاريخي والجغرافي، ولكن وبالتوازي مع ذلك لبناء وترسيخ أسس تعاون مشترك بين مصر ودول القارة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وشعبيا وأمنياً وانسانياً، تعاون بناء ومشترك توظف فيه مصر قدراتها البشرية وخبراتها وامكاناتها ومكانتها الدولية لتعظيم مصالح الشعب المصري وشعوب القارة الإفريقية، وهو ما ظهر اثره فى تجاوب قادة وزعماء القارة مع الرؤية المصرية التى صاغت خريطة مستقبل القارة بخطط واقعية طموحة ترتقي لطموحات شعوب دول القارة في عملية إعادة تمركز ممنهجة تربط صفحات التاريخ وخرائط الجغرافيا بخريطة مستقبل، ولم تكن قمة المناخ cop27 بعيدة عن التحركات المصرية الداعمة لطموح وتطلعات القارة السمراء، فقد قطعت مصر طيلة السنوات الثمانية الماضية وما زالت خطوات ملموسة وبناءة على الصعيد المحلى والدولى فى طريق العمل المناخى لمواجهة أزمة تغير المناخ التى تشكل تهديدا لكافة مناحى الحياة، ولم يقتصر دور مصر فى مواجهة تغير المناخ على سلسلة الإجراءات الواسعة داخليًا، بل عملت أيضا على مساندة مصالح الدول الإفريقية الجارة والشقيقة، والدفع بهم نحو إجراءات التكيف مع تغير المناخ، باعتبارهم شركاء الموطن فى القارة السمراء.
 
ونجحت مصر فى توقيع اتفاقية استضافة مركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات، كما أطلقت مصر برئاسة الرئيس السيسى خلال رئاستها للاتحاد الإفريقى، منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية عقب بدء سريان اتفاقية التجارة الحرة القارية المنظمة لها، والتى كانت ضمن الأولويات التى أعلن عنها الرئيس خلال رئاسة مصر للاتحاد، وتسارعت الدول الإفريقية لإقامة تكتل اقتصادي بحجم 3,4 تريليون دولار يجمع 1.3 مليار شخص ليكون أكبر منطقة للتجارة الحرة منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية، وهو ما يقدم فرصة ذهبية لإحداث تحول اقتصادى وتنموى فى القارة السمراء.
 
ونجحت مصر فى الفوز باستضافة وكالة الفضاء الإفريقية، حيث اتخذ المجلس التنفيذى للاتحاد الإفريقى قرارا باستضافة مصر لوكالة الفضاء الإفريقية.
ويأتى هذا القرار بمثابة تقدير للثقة التامة فى قدرة الوكالة على خدمة القارة بأسرها على صعيد تكنولوجيا الاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء لدفع جهود التنمية الوطنية والإقليمية الإفريقية وفقا لأجندة إفريقيا 2063.
 
وانتهجت مصر سياسة تقوم على الالتزام الكامل بالقوانين الدولية، خصوصا القانون الدولى الإنساني، والبحث عن مساحات التعاون واستكشاف الفرص مع الدول والشعوب الأخرى، وكان من نتاج هذه التحركات ان ارتقت العلاقات مع دول القارة السمراء الى مرتبة متقدمة على أجندة صانع القرار المصري، وهذا الأمر تجلى في مشاركة الرئيس السيسي في القمم الافريقية بالاضافة الى لقاءاته مع القادة والزعماء الافارقة فى القاهرة والعواصم الافريقية والدولية المختلفة، فضلا عن استنهاض الهمة المصرية في إقامة المشروعات الحيوية للأفارقة مثل سد تنزانيا، وهو ما دفع مصر لتكون فى سنوات قليلة قلب جديد للقارة الافريقية، وتكللت هذه الجهود بمنح الافارقة ثقتهم فى الرئيس السيسى لتربيته رئاسة الاتحاد الافريقى عام ٢٠١٩ لتعبر مصر من خلال هذه الرئاسة عن رغبتها فى التقارب مع كافة الدول الافريقية وتحملها لمسئولياتها إزاء نظيراتها ودعمها للمصالح الافريقية سواء داخل القارة على المستوى الثنائى وكذلك على المستوى الجماعى وعبر منظماتها الإقليمية والإقليمية الفرعية، أو من خلال المشاركة فى الفاعليات الدولية التى تتم عبرها مناقشة قضايا القارة وعلاقاتها مع المجتمع الدولي، وقدمت مصر خلال هذا العام العديد من المبادرات، كما عملت على تقديم الدعم إلى الدول الافريقية فى العديد من المجالات، ومن أهمها المجال الأمنى والعسكري، حيث حرصت على تطوير قدرات الجيوش الافريقية خاصة فى مناطق الاضطرابات فى الساحل الافريقي، وكان إنشاء منظمة لمكافحة الإرهاب فى دول التجمع، يكون مقرها القاهرة، من أهم ثمار التحركات المصرية، كما سعت مصر إلى تطوير بنية السلم والأمن الافريقى ودعمت مبادرة «إسكات البنادق» التى تعد جزءاً مهماً من أجندة 2063 لتطوير القارة، وأولت إنشاء القوة الافريقية الجاهزة أهمية كبيرة، واقترحت إنشاء وحدة خاصة لمكافحة الإرهاب تحت مظلة القوة الأفريقية الجاهزة، حيث تمثل قضايا انتشار الجماعات الإرهابية والصراعات فى مناطق مختلفة فى القارة الإفريقية إحدى أهم القضايا التى حاولت مصر تقديم مبادرات للحد من تداعياتها ومنع تفاقمها.
 
وخلال الفترة الماضية اتخذ الرئيس السيسى عدد من الخطوات المهمة التى تستهدف إعلاء مصلحة أفريقيا وتغيير وجهة نظر العالم كله تجاه هذه القارة السمراء واعتبرها شريكا فى التنمية، ليس ذلك وفقط بل سعى أيضا إلى تعزيز التعاون بين مصر والدول الأفريقية، وبين الشعوب الإفريقية وبعضها البعض، وتركزت هذه الخطوات فى الدفاع عن مصالح أفريقيا ورفع صوتها من أجل الحق العادل فى السلام والاستقرار والتنمية، فلم يترك الرئيس السيسى مجالًا او فاعلية دولية إلا وتحدث خلالها عن هموم القارة الأفريقية، من بينها ميونخ للأمن في ألمانيا من أجل السلام في إفريقيا، وقمة التيكاد فى طوكيو، وقمة السبع فى باريس وقمة التعاون بين مجموعة العشريين، وغيرها من القمم الدولية.
 
الصديق وقت الضيق
 
يدرك الافارقة اهمية مقولة "الصديق وقت الضيق"، لذلك فانهم يحملون كل التقدير لمصر على مساعدتها لهم فى الازمات منها ازمة فيروس كورونا الذى كان شاهدا على الدور القوي الذي تقوم به مصر اتجاه دول القارة الأفريقية، فلم تنغلق مصر على نفسها بل وضعت وضعت إنقاذ شعوب أفريقيا هدف أمام أعينها، وقاد الرئيس السيسي سلسلة قمم عبر الفديوكونفرانس من أجل وضع استراتيجية لمحاربة فيروس كورونا المستجد ومن بينها تخفيف أعباء الديون على الدول الأفريقية ودعمها اقتصاديا، وخلال مشاركه فى احدى جلسات قمة العشرين تقدم الرئيس السيسي بمبادرة موجهة لدول مجموعة العشرين لدراسة تخفيف أعباء الديون المستحقة على الدول الأفريقية، سواء بإعادة الجدولة أو التأجيل أو الإعفاء، بالتنسيق مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، كالبنك الإسلامي للتنمية والبنك الأفريقي للتنمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب المانحين من الدول الصناعية الكبرى.
كما سلكت مصر طرق عديدة للعمل على إنقاذ أفريقيا من الوباء القاتل وخاصة فى ظل تواضع إمكانياتها، منها مشاركه الرئيس السيسى فى مؤتمر القمة المصغر عبر وسائل الاتصال لمجموعة من القادة الأفارقة أعضاء هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي، والتى شهدت الاتفاق بين قادة أفريقيا على إنشاء صندوق لتوفير الموارد اللازمة لدعم جهود مكافحة وباء كورونا في أفريقيا ومجابهة التبعات الاقتصادية المتوقعة على الدول الإفريقية، وذلك على غرار الجهود الأفريقية السابقة لمكافحة انتشار وباء الإيبولا بعدد من الدول الأفريقية.
 
كما حرصت مصر على التعاون مع عدد من الدول الإفريقية فى المجال الاقتصادي، لزيادة الاستثمارات المصرية وفتح الأسواق الإفريقية أمام المنتجات المصرية، واستكمال اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية، وكذلك المساعدة فى تطوير البنية التحتية فى عدد من الدول الأفريقية، وتشير الارقام الرسمية الى ان الاستثمارات المصرية فى إفريقيا عام 2020 وصلت إلى 6 مليارات دولار، كما برزت بعض الاتفاقيات بين مصر ودول افريقية للتعاون فى مجال الربط الكهربائى ومشروعات السكك الحديدية، فضلاً عن التعاون المشترك بين مصر وعدد من الدول الافريقية فى قطاع الزراعة والموارد المائية والرى والمرتبطة بحفر الآبار ومواجهة الفيضانات والجفاف وبناء السدود.
 
وفى المجال الطبي، أطلقت مصر فى سبتمبر 2019 مبادرة لفحص مليون مواطن إفريقى للكشف عن فيروس التهاب الكبد الوبائي.
 
صوت أفريقى قوى فى المحافل الدولية
 
ومن يتابع التحركات المصرية بداية من ٢٠١٤ وحتى اليوم سيجد ان افريقيا دوما حاضرة وبقوة فى الخطاب المصرى، والشاهد أن مصر اثبتت قولا وفعلا أنها افريقية الانتماء وأكثر المدافعين عن حقوق الافارقة، بعدما حمل الرئيس السيسى منذ ٢٠١٤ وحتى اليوم لواء الدفاع عن حقوق القارة السمراء فى التنمية والامن والاستقرار.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق