الترسانة نادي العمال.. ليفربول مصر

السبت، 31 ديسمبر 2022 06:00 م
الترسانة نادي العمال.. ليفربول مصر
فريق نادي الترسانة- أرشيفية
محمد طعيمة

- مؤسس النادي والإعلام ربطوه بالأرسنال الإنجليزي لتشابه الاسم وجهة الإنشاء لكن جغرافية النشأة وطبيعة الجمهور واللاعبين تماثله بليفربول ابن المدينة العمالية
 
نادي ولد فقيرا، مع ذلك ظل لثلاثة عقود مؤثرا رياضيا وكرويا.. ومجتمعيا؛ ومع جيله الذهبي؛ حسن الشاذلي ورفيقيه مصطفي رياض وبدوي عبدالفتاح، أصبح ثالث ثلاثة، كثيرا ثانيها.. وأحيانا أولها.
 
سياسيا واجتماعيا، ترجمت بدايات الأندية توازنات القوى المجتمعية؛ فبموازاة القطاع الجغرافي الأكثر حداثة واستقبالا لمنجزات العصر، العاصمة الثانية.. الإسكندرية، بتنوعها الحضاري/كوزموبوليتها، حيث أول ستاد وأول فريق ونادي مصري؛ وثلاثي محافظات القناة.. بمركزيتها الجيوسياسية التي رسخها الممر المائي الأهم لقرون، وأيضا كوزموبوليتها؛ توزعت العاصمة، حيث النخب السياسية المركزية، بين الأهلي القاهري وبين الزمالك والترسانة الجيزاويين؛ اللذان ولدا قاهريان، الأول باسم نادي القاهرة للألعاب الرياضية، اختصارا "المختلط"، والثاني نادي الترسانة الرياضي في ورش عمال الري ومن أجلهم، وفق تصريح قديم لمؤسسه؛ وفي الخلفية "السكة الحديد"، كلها أسسها أجانب.
 
الفرشة
 
ربط الضابط البريطاني النادي، حين ولادته، بنظيره الإنجليزي "الأرسنال" حامل نفس المسمى "الترسانة". لم أعثر على الاسم الأول للمؤسس "سلاوتر"، إن كان هذا هو لقبه؛ لا على المواقع الأجنبية المدققة، ولا على نظيرتها المصرية، ولا على أي معلومات عنه، ولم ترد سفارة بلده على طلبي التعريف به.
تصفه المصادر الأجنبية بضابط بحري بريطاني عمل في مصر "تحت الحماية"، والعربية بمدير الترسانة البحرية المصرية؛ لهذا اختار المرساة رمزا والأزرق، لون موج البحر، لقميص الفريق.
 
الترسانة البحرية أسسها محمد علي عام 1812؛ حين كان يبني أول إمبراطورية مصرية حديثة لخدمة خريطة حدودها، اختار لها "أرض كابش" على نيل رملة بولاق؛ ومع تآكل الإمبراطورية ثم الاحتلال، تحولت عمليا وقانونا إلى "الورش الأميرية للترسانة"، وبعد ثورة يوليو لـ"الشركة المصرية العامة لورش الري"، وإن ظلت محتفظة بمسماها الأول ولو اختصارا "الترسانة".
 
لم تشارك النخبة السياسية والاجتماعية في تأسيس النادي، عكس الزمالك والأهلي، نشأ للعب كرة القدم؛ هما ولدا "اجتماعيين" وعرفاها بعد ست سنوات، وأتى لاعبوهما من موظفي وطلبة مدارس العاصمة وأبناء طبقتها الوسطى العليا المحدودة.
 
نادي إشتراكي
 
منذ النشأة، 1921، اعتمد سلاوتر على عمال ورشه، ثم أولادهم ومواهب حارات الرملة وشبرا. عرف الأزرق ثلاثة أجيال منهم: كامل عبدربه، عبدالحميد محرم، علي رياض، محمد شمس، موسى العِظم، على عثمان، كوكو؛ ثم.. حمزة عبدالمولي، سيد بلبل، محمد شميس، حمدي عبدالفتاح، ومجموعة سودانيين؛ فالأخير الذهبي.. الشاذلي ومصطفى رياض وحمدي عبدالفتاح وصلاح عبدالفتاح وإبراهيم الخليلي والدهشوري حرب، وكما كان هدافو مصر منه كان أيضا حراس منتخبها: أحمد بهاء وطلعت والرشيدي. عرفوا بالشواكيش، لأنهم اعتادوا الدق/الضغط على الخصم، بشراسة هي روح الكرة الحديثة.
 
لم يكن سلاوتر، كما الشائع، مديرا للترسانة؛ يدقق كامل عبد ربه، أحد كباتن الجيل الأول للفريق الأزرق، المعلومة: "منذ البداية، وفق لائحة التأسيس، كان رئيس النادي هو رئيس ورش الري، هكذا كان الأجنبي الأول ثم تلاه المصريون" حتى ستينيات ثورة يوليو.
 
تلا سلاوتر في الرئاسة: مستر أنطونيوس، مهندس ري مراد فهمي.. لاحقا وزير الري، مهندس ري عبدالحميد إسماعيل.. ناقل النادي لميت عقبة، صلاح الشاهد.. مدير التشريفات الملكية لفاروق ثم كبير الأمناء مع عبدالناصر فالسادات، إبراهيم الخليلي.. أول لاعب يتولى الرئاسة، محمود كامل ياسين "شيخ مشايخ الطرق الصوفية"، اللواء عبدالمنعم الحاج، حسن فريد، أحمد جبر، طارق السعيد.
 
في حوار عبدربه نعايش بدايات النشأة الفقيرة؛ العمال/اللاعبون "يسوون أرض "كابش" من الطوب والزلط، ويأتون للتدريب بالجلباب والبيجامة، وغرف الملابس خشبية"، "نادي اشتراكي، العمال جزء من مجلس إدارته". من هنا كانت إرهاصات شعبية الفريق "بتاع الغلابة".
 
سيحتفظ النادي بلبنة الجماهيرية حين انتقاله لمنطقة البالون، لا يحدد "عبد ربه"، ولا غيره، متى؟ لكننا نعرف أن الانتقال الأخير، لميت عقبة، كان عام 1958، مع سعي الدولة لعدالة المنافسة بإدخال النخبة السياسية في إدارته، فعظم قوته وبني عصره الذهبي.
 
نبهنا الزميل طاهر عبدالرحمن لدراسة ميدانية فريدة عن جمهور الكرة، نشرتها الأهرام 28 يناير 1965، أجراها الراحل سيد عويس بين ديسمبر 1964 ويناير 1965؛ انتهى فيها إلى أن الأزرق هو الثالث شعبية، متقدما على فرق لها جغرافيتها، بالترتيب: الترسانة، الاتحاد السكندري، الإسماعيلي، المصري، اتحاد السويس.
 
أرقام قياسية
 
النشأة العمالية للنادي، لم تحد من شراكته في بطولات العاصمة، والمملكة. ثاني نادي يفوز بكأس مصر 1923، أعرق بطولة، بعد المختلط، وكررها عام 1929؛ ووصيفا عامي 1938 و1950. وكأس السلطان حسين عامي 1928 و1930. ودوري القاهرة، الدوري العام إعلاميا، موسم 33- 1934، ووصيفا للبطل.. المختلط/فاروق والأهلي: 1930 -31، 1933 -34، 1947 -48، 1949 -50.
 
جردية وافرة للأزرق نجدها على ويكي بريف الألماني، مع رصد لديربي ميت عقبة، الترسانة والزمالك، وهو محل اهتمام مواقع أجنبية تؤرخ لكرة العالم. كان الأزرق وصيفا لأول نسخة دوري عام المملكة، التي ذهبت للأهلي برئاسة أحمد عبود؛ المؤسس الثاني للأحمر، والذي تصفه وثائق بريطانية بـ"رجلنا الأول في مصر". الموسم التالي لعبا، مع تساويهما بـ 23 نقطة، مباراة فاصلة انتهت للأهلي 2- 1؛ واقتنص الشواكيش الوصافة ثلاث مرات آخري: 59-60، 63-64، 74-75؛ والمركز الثالث ستة مرات، والرابع مرة. وبدأ في التراجع عقب اعتزال الجيل الذهبي، وغادر العشرة الكبار لأول مرة 79 -80.
 
هبط للدرجة الثانية 81 – 82، وعاد بعد موسم، وتفاوت ترتيبه بين السادس والـ11، واستفاق بموسم 86 – 87 حاصدا الثالث، ليشارك في البطولة العربية وينهيها رابعا. هبط ثانية 91 – 92، عاد الموسم التالي ثم هبط ثالثة، عاد وهبط رابعة، عاد 95 – 96 وصمد حتى 04- 2005 وهبط خامسة بعد ثلاثة مواسم، وهكذا.
 
هو الآن يتراوح بين مراكز تقيه الهبوط للأدنى، ولا تؤهله للممتاز. ليست مصادفة أن يخفت بريقه مع تحولات اقتصادية عامة، وظهور فرق شركات ومؤسسات بلا ظهير جماهيري.
 
للترسانة كومة أرقام قياسية صامدة: الأكثر تهديفا في تاريخ المسابقة الكبرى، الأعلى تهديفا في موسم: 71 هدفًا في 1963-1964، 11 هدافا، الأكبر في تتالي اللقب لخمس مرات: مرة السوداني حمديتو أحمد وعبد النبي محمود، مرتان مصطفى رياض، ثلاث لحمدي عبد الفتاح، وأربع للشاذلى.
 
معسكر عبدالناصر
 
ستينيات القرن الماضي، تدخلت الدولة لتعظيم المنافسة "المختلة" في الجغرافيات الرياضية الثلاث الكبرى، وبالتبعية عموم الجمهورية؛ في العاصمة.. تولى صلاح الشاهد، كبير الياوران، رئاسة الترسانة؛ وفي الثغر الفريق أول سيلمان عزت، قائد القوات البحرية، رئاسة الاوليمبي؛ وفي القناة.. عثمان أحمد عثمان، رئيس أكبر شركة مقاولات، رئاسة الإسماعيلي؛ لتقويتها أمام الأهلي والزمالك والاتحاد والمصري.
 
نعلم كيف أنقذت الدولة الأهلي حينها، فعلتها أيضا مع الترسانة؛ يروي صلاح عبدالفتاح، مهاجم جيل الأزرق الذهبي، أنه كان مع زميله إبراهيم الخليلي، نوفمبر 66، في زيارة رئيس النادي بمكتبه في  قصر عابدين، وسمعا ضجة وصول عبدالناصر، الأهلاوي، فطلبا مصافحته، ووافق الشاهد على استئذانه. يقول عبدالفتاح: كنا في بداية الموسم، تعادلنا في مباراتين وهزمنا بلقاءين؛ الريس فاجئنا: إنتوا نتايجكم وحشة ليه يا ولاد! علق كبير ياورانه: عاوزين يتأدبوا يا فندم! وجه عبدالناصر بإدخال "عامر" لهم في معسكر.
 
جُمع 20 لاعبا اليوم التالي ونقلوا لمعسكر بالكلية الفنية العسكرية، وابلغوا أنهم لن يغادروه حتى الفوز في أربع مباريات متتالية؛ هزموا السكة والأوليمبي والمحلة والزمالك، والأخير يرأسه وقتها حسن عامر، شقيق المشير عامر.
 
ليفربول لا أرسنال
 
ربط مؤسس النادي والإعلام، الترسانة بالأرسنال الإنجليزي، لتشابه الاسم وجهة الإنشاء؛ لكن جغرافية النشأة، وطبيعة الجمهور واللاعبين وتأثير تحولات الاقتصاد قبل نصف قرن، تماثله بليفربول ابن المدينة العمالية؛ وما يمر به الأزرق منذ 1979، يذكر بـ الفترة التاتشرية، عهد حكم النيوليبرال مارجريت تاتشر، التي تراجع فيها الريدز وانتعش بعدها؛ نأمل أن يلحق به الأزرق.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق