صفقات «الدبيبة» غير المشروعة في ليبيا

السبت، 31 ديسمبر 2022 07:00 م
صفقات «الدبيبة» غير المشروعة في ليبيا
محمود علي

- رئيس الحكومة المنتهى ولايته يناور للبقاء في السلطة باتفاقات سرية وتسليم ليبيين إلى واشنطن
 
جمود سياسي تشهده ليبيا خلال الفترة الماضية، على وقع الفشل في التوافق حول القاعدة الدستورية التي تجرى على أساسها الانتخابات المؤجلة لأجل غير مسمى منذ ديسمبر 2021، فرغم انتهاء المدة المحددة لخارطة الطريق التي أعلنها ملتقى الحوار الليبي في أواخر عام 2020 والتي بموجبها تنظم الاستحقاقات خلال 18 شهراً على أقصى تقدير؛ لا زالت الأزمة تراوح مكانها، بل ومن خلف الستار تعقد صفقات تبقي من على رأس السلطة سنوات وسنوات.
 
ومؤخراً بدأ رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايته "عبد الحميد الدبيبة" في خطوات تسليم مسؤولين في النظام الليبي السابق بقيادة الراحل معمر القذافي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لمحاكمتهم في قضية سقوط طائرة في مدينة لوكربي الإسكتلندية قبل 34 عاماً.
 
القضية التي وصفت بأنها أعنف حادث إرهابي في ثمانينات القرن الماضي، قُتل على إثرها جميع ركاب وطاقم الطائرة البالغ عددهم 259 راكبا على متن طائرة بوينغ 747 كانت متجهة من لندن إلى نيويورك، بينما تسبب سقوط الطائرة بعد تفجيرها في مقتل 11 آخرين بعد تحطم منازلهم في لوكربي.
 
ولاقت الخطوة التي اتخذها رئيس حكومة الوحدة (منتهية الولاية منذ ديسمبر 2021 على خلفية الفشل في تنظيم الانتخابات) بتسليم ضابط الأمن الليبي السابق أبو عجيلة مسعود إلى الولايات المتحدة غضباً عارماً في الأوساط الليبية، حيث نظم محتجون مظاهرات في الشارع الليبي تطالب بإعادته إلى ليبيا، لاسيما وأن قضية لوكربي أغلقت تماماً منذ عام 2003 بموجب اتفاقية وقعت بين الإدارة الليبية حينذاك والحكومة الأمريكية تنص على انتهاء كافة الدعاوي المرفوعة ضد ليبيا في هذا الشأن مقابل دفع الأخيرة تعويضات لأسر الضحايا قدرت 2.7 مليار دولار.
 
وفي ديسمبر عام 2020، أعادت الولايات المتحدة الأمريكية فتح قضية لوكربي مرة أخرى، ووجهت اتهامات إلى ضابط الأمن الليبي السابق أبوعجيلة مسعود بصنع القنبلة التي فجرت الطائرة، وهي خطوة وصفت من جانب المراقبين بأنها غير قانونية وقد تكون اتخذت من الجانب الأمريكي في هذا الوقت بالتحديد، نظراً لهشاشة السلطة في ليبيا، لاسيما مع الانقسام التي تشهده البلاد مؤخراً حيث يوجد حكومتان، واحدة في الغرب انتهت ولايتها يترأسها الدبيبة وتسيطر على العاصمة طرابلس، وأخرى في الشرق برئاسة فتحي باشاغا نالت الثقة من البرلمان الليبي في مارس الماضي وتتخذ من مدينة بنغازي مقراً لها.
 
وفي نوفمبر 2021، أكدت حكومة الدبيبة استعدادها لتسليم أبو عجيلة مسعود إلى الولايات المتحدة وإعادة فتح قضية لوكربي مرة أخرى، الأمر الذي أثار غضب الشارع الليبي الذي وصف الخطوة بأنها تطوع من قبل حكومة الوحدة لزيادة تمكينها من الحكم في ليبيا، خاصة في ظل التشكيك الكبير في شرعيتها مع انتهاء الفترة المحددة من خارطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي في جنيف وتنص على أن مهمة حكومة الوحدة هو الإشراف على الانتخابات وانتهاء ولايتها مع انقضاء الفترة المحددة لتلك الخارطة.
 
لم ينته الجدل المصاحب لعملية تسليم أبو عجيلة إلى الولايات المتحدة هنا رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على الحادث، خاصة وأن الخطوة شكك الكثير في قانونيتها داخل ليبيا، لاسيما بعد مشاركة قوة يعتبرها البعض متشددة في خطف ضابط الأمن الليبي السابق من منزله في طرابلس بظروف غامضة ومن ثم نقله إلى مصراتة إحدى مدن الغرب الليبي واقتياده من جانب قوة أمريكية نقلته إلى مالطا ثم إلى واشنطن حيث مقر المحكمة التي نظرت في أولى جلساته 13 ديسمبر الماضي.
 
ويبدو من التحليلات التي تناولت عملية تسليم المشتبه به في صنع القنبلة التي أدت إلى تفجير قضية لوكربي أن الدبيبة اتخذ الخطوة بناء على صفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، تسلم بموجبها حكومة الوحدة كل المطلوبين في القضية للولايات المتحدة مقابل استمرار اعتراف الأخيرة بشريعتها كسلطة تنفيذية مؤقتة تدير البلاد، الأمر الذي سيمثل ضغطا على المنافسين لحكومة دبيبة على السلطة، وقد يعطيها دفعة للبقاء في حكم العاصمة طرابلس لفترة من الزمن، الأمر الذي يشير بوضوح إلى صعوبة إجراء الانتخابات قريباً مع تفاقم الخلاف بين مجلسي النواب والدولة مؤخراً بشأن القاعدة الدستورية التي ستجرى على أساسها الاستحقاقات الانتخابية.
 
وما يؤكد هذه التحليلات أن الدبيبة كان يخطط لتسليم مسؤولين سابقين آخرين إلى واشنطن، حيث نقلت صحيفة الجارديان البريطانية عن مسؤولين في العاصمة طرابلس قولهم "إن الفكرة الدائرة التي كانت في رأس حكومة الوحدة هي أرسال بوعجيلة المريمي أولًا إلى الولايات المتحدة ومن ثم نقل عبد الله السنوسي رئيس المخابرات السابق في نظام القذافي، حيث امتدت المناقشات في هذا الخصوص لأشهر"، لكن يبدو ووفق الجارديان فأن الدبيبة تراجع عن تسليم السنوسي في اللحظات الأخيرة، خوفًا من الغضب الشعبي بعد تسليم المواطن أبو عجيلة المريمي، ونقلت عن نفس المصادر قولها "بعد ذلك شعر المسؤولون بالقلق".
 
وعبر عبد المنعم المريمي "نجل شقيق بوعجيلة مسعود المريمي"، والمتحدث باسم العائلة عن استغرابه من "ارتباط اسم عمه بقضية لوكربي التي أغلقت منذ سنوات"، وقال لـ"صوت الأمة" إن "العائلة وكلت محامي مؤقت لمتابعة حالته القانونية بالولايات المتحدة الأمريكية وتوعيته بحقوقه"، وطالب حكومة الوحدة والدولة الليبية بتغطية نفقات مكتب المحاماة المقرر تخصيصه للدفاع عن بوعجيلة، مشيراً أن "حكومة الدبيبة هي من سلمته ومطالبة الآن بتخصيص محامين للدفاع عنه وتغطيه نفقات ذلك".
 
وقال عبد المنعم المريمي إن "الاتفاقية الموقعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وليبيا في عام 2003 تنص على غلق كافة الدعاوي المرفوعة من الجانب الأمريكي بخصوص قضية لوكربي"، معبراً عن استغرابه من فتح القضية مرة أخرى بعد سنوات على إغلاقها، وتابع " كان هناك وعود من حكومة الوحدة بتسهيل إجراءات السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل متابعة حالة عمي بو عجيلة مسعود ولكن للأسف تراجعت، ونحن كعائلة نؤكد أن بو عجيلة مسعود لم يكن يوماً مرتبط بهذه القضية وليس له علاقة من قريب أو من بعيد بصنع القنبلة، وننفي كل الأحاديث المترددة في الإعلام أن عمي قام بصنع القنبلة التي استخدمت في تفجير الطائرة وسقوطها في مدينة لوكربي قبل 34 عاماً".
 
من جانبه هدد نجل رئيس المخابرات الليبية السابق اللواء عبدالله السنوسي بإغلاق كافة المؤسسات الحيوية في الجنوب الليبي، حال عدم الإفراج عن والده ورفاقه، موجهاً إنذار "أخير إلى كافة المؤسسات حتى الهواء سنمنعه عنكم"، وقال إن "الدبيبة ليس له شفافية ولا مصداقية بالنسبة لنا في الجنوب، فقد جربناه مرارًا وتكرارًا".
 
وزادت القضية الأخيرة من الوضع المتوتر في ليبيا، بعد فشل كل الحوارات التي رعتها الأمم المتحدة في وقت سابق لإجراء الاستحقاق لانتخابى، في ظل غياب أي أفق للتوافق بين مجلسي النواب والدولة حول شروط الترشح للتنافس على رئاسة البلاد.
 
وبعد نحو شهر من تعليق مجلس الدولة التواصل مع مجلس النواب على خلفية قرار الأخير بإنشاء مقر للمحكمة الدستورية في مدينة بنغازي، عاد الحديث مجدداً عن إطلاق حوار يجمع قيادات المجلسين من جديد في خطوة ينتظر أن ينتج عن أي مؤشرات تقضي على الجمود السياسي السائد منذ فترة ليست بالقليلة.
 
وأعلن خالد المشري وعقيلة صالح رئيسا مجلسا الدولة والنواب، عن اتفاقهما على عدم إصدار القانون الخاص بإنشاء المحكمة الدستورية في بنغازي، موضحان أن اتفاقهما جاء استشعارا منهما للمسؤولية الوطنية، وتقديرا للظروف الحالية التي يمر بها الوطن، ورغبة في إنجاز الاستحقاق الدستوري كأساس للعملية الانتخابية.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق