التحركات المصرية تنقذ ليبيا من «متاهة» دستورية

السبت، 14 يناير 2023 08:56 م
التحركات المصرية تنقذ ليبيا من «متاهة» دستورية
محمود علي

- اجتماعات القاهرة بين مجلسى النواب والدولة تمهد الطريق للانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومواجهة الفوضى 

- عقيلة صالح والمشرى يتفقان على الإسراع في إنجاز القاعدة الدستورية للانتخابات.. واللجوء إلى الاستفتاء الشعبى على المواد الخلافية 
 
نجحت مصر في لم شمل الفرقاء الليبيين خلال الأسبوع الماضي، بجمع رئيسي مجلسي النواب عقلية صالح، والدولة خالد المشري في القاهرة من أجل حلحلة الأزمة الليبية، والتوافق حول قاعدة دستورية تمهد في القريب العاجل لانتخابات رئاسية وبرلمانية تنقل البلاد، من مرحلة الفوضى إلى الاستقرار.
 
وخرج الاجتماع الذي كان برعاية مصرية وفي حضور رئيس مجلس النواب حنفى جبالى، بتوافق مجلسا النواب والدولة الليبيين على إحالة الوثيقة الدستورية للمجلسين لإقرارها طبقا لنظام كل مجلس. ويأتي اجتماع الفرقاء الليبيين في القاهرة ليبلور جهود مصر الحثيثة خلال الفترة الماضية، لإنجاح المسار السياسي في ليبيا وتوحيد المؤسسات التنفيذية والتشريعية وحل الميليشيات وطرد المرتزقة والقوات الأجنبية.
 
وما يعطي الاتفاق بين مجلسي النواب والدولة زخما سياسياً، تأكيد الجانبان على أن اجتماع القاهرة سيكون تمهيد للقاءات عديدة لوضع خارطة طريق واضحة ومحددة تعلن لاحقا؛ لاستكمال كل الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية سواء التي تتعلق بالأسس والقوانين، أو المتعلقة بالإجراءات التنفيذية، وتوحيد المؤسسات.
 
والأهم من ذلك الثقة الواضحة في تصريحات المسؤولين الليبيين أن محطة القاهرة ستكون نقطة انطلاق للتوافق حول الكثير من الأمور العالقة الأخرى، ما يعني أن أي خلافات حول مواد القاعدة الدستورية لن تكون عائق أمام الليبيين في سبيل إجراء الانتخابات، وهو ما أكده رئيس مجلس الدولة خالد المشري عندما قال إنه «في حالة عدم توافق مجلسي النواب والدولة على القاعدة الدستورية فإنّه سيتم الاستفتاء شعبيا على المواد الخلافية بالوثيقة الدستورية»، مشيراً إلى أن «الوثيقة الدستورية تتضمن سلطة تشريعية من غرفتين وهما مجلسا النواب ومقره بنغازي ومجلس الشيوخ، ومقره طرابلس لإحداث توازن سياسي».
 
الأمر لم يقف على حديث المشري، بل قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إن اجتماع القاهرة سيفتح الطريق أمام اجتماعات أخرى سيتم عقدها مع رئيس مجلس الدولة داخل ليبيا لاستكمال التوافق، مؤكدا أنه تم الاتفاق مع رئيس مجلس الدولة على الإسراع في إنجاز القاعدة الدستورية للانتخابات.
وقبل اتفاق مجلسي النواب والدولة، دخلت ليبيا جمود سياسي وحالة من عدم الاستقرار على وقع الفشل في التوافق حول القاعدة الدستورية التي تجرى على أساسها الانتخابات المؤجلة لأجل غير مسمى منذ ديسمبر العام قبل الماضي.
 
ورغم انتهاء المدة المحددة لخارطة الطريق التي أعلنها ملتقى الحوار الليبي في أواخر عام 2020 والتي بموجبها تنظم الاستحقاقات خلال 18 شهراً على أقصى تقدير؛ فشلت القوى السياسية الليبية في التوافق ووضع كافة العراقيل جانبا من أجل إجراء الانتخابات، لذلك فإن اجتماع القاهرة أزال كل الخلافات التي من شأنها أن تقوض الحل الليبي، وأسس على نقاط التوافق مجنبا البنود الخلافية التي قد تمر عبر الاستفتاء من جانب الشعب.
 
وكان خالد المشري وعقيلة صالح اعلنا مؤخرا عن اتفاقهما على عدم إصدار القانون الخاص بإنشاء المحكمة الدستورية في بنغازي الذي كان عائق أمام عودة الحوار بينهما مرة أخرى، موضحان أن اتفاقهما جاء استشعارا منهما للمسؤولية الوطنية، وتقديرا للظروف الحالية التي يمر بها الوطن، ورغبة في إنجاز الاستحقاق الدستوري كأساس للعملية الانتخابية.
 
وأشادت المؤسستين الليبيتين بجهود مصر في دعم ليبيا للخروج من المأزق الراهن، حيث أكد البيان المشترك الصادر عن عقيلة والمشري في اخر اجتماع القاهرة توجيه «الشكر لجمهورية مصر العربية قيادة وشعبا لاحتضانها وتوفيرها الأجواء المناسبة لإجراء مباحثات المسار الدستورى التى أفضت إلى هذ الاتفاق».
 
وقال المشري إن مصر الشقيقة الكبرى باحتضان اللجان المشتركة منذ فترة طويلة في وقت لم يكن لهذه اللجان أن تجتمع في ليبيا، مشيرا إلى أنه بفضل هذا الجهد ذللت الكثير من المصاعب، وأصبح لقاء اللجان ميسرًا، واستطاعت هذه اللجان في عدد من جولات الحوار واستضافة كريمة من الجمهورية المصرية في الغردقة والقاهرة أن تصل إلى وثيقة دستورية واضحة المعالم تؤدي بنا إلى المرور إلى القوانين الانتخابية.
 
من جانبه أشاد المستشار عقيلة صالح بالجهود التى بذلتها القيادة المصرية لتجاوز ليبيا والليبيين أزمتهم، مضيفة أن قيادة مصر حكيمة وشجاعة انحازت لمصلحة الليبيين، وأوقفت التدخل الأجنبي في الشأن الليبي، وشجعت الليبيين علي التقارب نحو توافق ليبي، تمهيدا للذهاب الي صناديق الاقتراع وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، ودافعت بكل جهدها للعمل بكل جدية وصدق  للدفاع عن سيادة ليبيا، ووقف التدخل الأجنبى، واحتضنت ورعت أرضها الخالدة، لقاءات مختلفة بين جميع الأطراف بهدف الوصول لحلول نهائية للانقسام السياسى الذى أثر سلبا على حياة المواطن الليبى.
 
وأضاف عقيلة، «مصر الشقيقة تبذل كل ما في وسعها لاحترام إرادة الليبيين وتقرير مصيرهم بأياديهم لتحديد من يحكمهم، وذلك عبر التشجيع الدائم والمستمر على تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل سريع»، مشيراً إلي أن مصر استضافت اجتماعات الليبيين فى  وقت كان من الصعب تحقيق ذلك داخل ليبيا ، وتواصلت مع جميع السياسيين والعسكريين لإنهاء حالة الصراع ، وهو ما ساهم في حدوث  تقارب كبير بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.
 
ولاقى اتفاق الفرقاء الليبيين في القاهرة ترحيب واسع في الداخل والخارج، حيث رحبت مصر بالتوافق على إحالة مشروع الوثيقة الدستورية للمجلسين لإقرارها بهدف استكمال الإجراءات المتمثلة في القوانين الانتخابية والإجراءات التنفيذية وتوحيد المؤسسات الليبية، معتبرة ذلك «خطوة مهمة على صعيد المضي قدما صوب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن في أقرب وقت»، واشادت وفق بيان صدر عن وزارة الخارجية، بدور مجلسي النواب والدولة في اضطلاعهما بمسؤولياتهما، مشددة على أن مسار اللجنة الدستورية المكونة من المجلسين، والذي انطلقت جولاته من القاهرة في أبريل الماضي برعاية الأمم المتحدة، «هو المسار الرئيسي الذي يجسد إرادة الشعب الليبي باعتباره جاء بملكية ليبية خالصة من جانب المؤسسات الليبية ذات الاختصاص، وبهدف استيفاء جميع الأطر التي تتيح تنفيذ التسوية السياسية نحو المستقبل».
 
كما أعربت مصر عن التطلع لاستكمال المجلسين لباقي مهامهما في الفترة المقبلة، مؤكدة أن مصر ستظل داعمة لخيارات الشعب الليبي، ومساندة لدور المؤسسات الليبية، بما يفضي إلى تحقيق أمن واستقرار ووحدة ليبيا، وخروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من أراضيها، والحفاظ على سيادتها ومقدرات الشعب الليبي، تنفيذا لقرارات مجلس الأمن ومخرجات مساري باريس وبرلين ذات الصلة.
 
كما رحب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، بالتقارب بين مجلسي النواب والدولة، بشأن الوثيقة الدستورية، برعاية مصرية، معربا عن أمله في أن يستتبع هذا «التطور خطوات عملية وجادة تفضي إلى إعلان خارطة طريق وطنية واضحة ومحددة لاستكمال الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية»، وقدم أبوالغيط الشكر لمصر على رعايتها اجتماعات اللجان المعنية بالمسار الدستوري الليبي في مصر على مدار عام ونصف العام بشكل مكّن من إعداد هذه الوثيقة وإحالتها للمجلسين لإقرارها طبقا لنظام كل منهما.
 
وناشد أبوالغيط جميع الفاعلين الليبيين بدعم حالة التوافق الحالية بما يؤمن إجراء انتخابات وطنية شاملة في أقرب وقت ممكن، وجدد دعمه المتواصل لكل «مسعى جاد ونزيه يهدف إلى بعث الحيوية والفاعلية في العملية السياسية بليبيا، وينهي المراحل الانتقالية التي طال أمدها في البلاد، ويؤسس لحالة الاستقرار الدائمة، والشروع بعملية البناء والإعمار والتنمية». كما رأى المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا وسفيرها ريتشارد نورلاند، أن نقاشات قادة مجلسي النواب والأعلى للدولة، في القاهرة "لا تترك أي سبب لتأجيل وضع تاريخ مبكر لانتخابات برلمانية ورئاسية".
 
وعلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على اتفاق مجلسي النواب والأعلى للدولة في القاهرة، وقالت إنها تدعم  بـ"قوة" على الإسراع في التوصل إلى اتفاق كامل ونهائي؛ مطالبة المجلسين على الإسراع في التوصل إلى اتفاق كامل ونهائي، بما في ذلك حول القضايا الخلافية، بغية استكمال الخطوات الضرورية لإجراء انتخابات وطنية شاملة ضمن إطار زمني محدد، وجددت تأكيدها على أنه من واجب القادة السياسيين إبداء التزام حقيقي ومتواصل إزاء تحقيق سلام دائم، من خلال البناء على الاتفاقات السابقة لمجلسي النواب والأعلى للدولة، بهدف حل الأزمة السياسية عبر إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.
 
وشددت البعثة على أن هنالك «حاجة ماسة إلى تسوية وطنية لإطلاق مسار واضح يفضي لتنظيم الانتخابات في العام 2023، والإعلان عن عهد جديد لليبيا ولجيرانها وللمنطقة»، وقالت: «من المهم بالنسبة للشعب الليبي ومن حقه اختيار قياداته، واستعادة الشرعية لمؤسسات الدولة دون مزيد من التأخير»، وأكدت استعدادها دعم المبادرات «المخلصة الهادفة إلى تحقيق توافق وطني يمهد الطريق لحل ليبي-ليبي للأزمة السياسية التي طال أمدها».
 
وفي الداخل الليبي يسعى المجلس الرئاسي جاهدا لنبذ الانقسام عبر الدعوة إلى مصالحة وطنية تشارك فيها جميع أطياف ليبيا، وهو ما دفعه إلى عقد ملتقى تحضيري لمؤتمر المصالحة في طرابلس الأسبوع الماضي شارك فيه رئيس المجلس الرئاسي ونائبيه بحضور ممثلين عن الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وعدد من الوزراء والمسؤولين ومشايخ وأعيان وشخصيات فاعلة في ليبيا.
 
وطالب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي خلال الملتقى «بالضغط على كل الأجسام السياسية في ليبيا من أجل تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بين كافة الأطراف"، مؤكدا أن حل الأزمة في ليبيا يكمن في «رأب الصدع وجبر الضرر، والعفو والمصالحة»، مرجعًا فشل محاولات الحل السابقة إلى تجاهل الحل وحرق المراحل والقفز على مطالب الشعب إلى مطالب الساسة، ما زاد من تعقيد المشهد ورفع الكلفة الاقتصادية والاجتماعية في الوطن.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق