رئيس دينية الشيوخ: مراعاة المقام أمر نابع من طبيعة الدين الإسلامى

الأحد، 19 مارس 2023 06:47 م
رئيس دينية الشيوخ: مراعاة المقام أمر نابع من طبيعة الدين الإسلامى
منال القاضي

أكد الدكتور يوسف عامر، نائب رئيس جامعة السابق، ورئيس اللجنة الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ، أن مراعاة المقام أمر نابع من طبيعة الدين الإسلامي الذي هو عماد حضارتِنا. 
 
وأوضح عامر خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الدولي الخامس لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات جامعة الأزهر بالإسكندرية الذي انعقد تحت عنوان: «مراعاة المقام وأبعاده التداولية في الفكر العربي والإسلامي» أن مراعاة المقام تقتضي أنْ يكونَ الكلامُ مُناسبًا لما يَتطلبُهُ الموقِفُ، وهذا أمرٌ مراعًى في القديمِ وفي الحديثِ، لكنَّ حظَّه من المراعاة في حضارتِنا حظٌّ وافٍ،
 
وقال: إن نظرة في بعض علومِنا تُبيّنُ هذا أجْلَى بيانٍ؛ فعلمُ البلاغةِ -مثَلًا- هو العلمُ الذي يُعرّفُ الدارسَ كيفَ يجعلُ كلامَهُ مُطابقًا للمَقَامِ الذي هو فيهِ، ويتجلي هذا أيضًا في علمِ تفسيرِ القرآنِ الكريمِ، الذي لا تَنفدُ معانيهِ ولا تنتهي معارفُه؛ إذ مِن وُجوهِ إعجازِه أنّ الآيةَ الواحدةَ منه وإنْ نزلَتْ بمناسبةِ واقعةٍ معينةٍ إلا أنَّ لفظَها عامٌّ، يتسعُ مدَدُ المعاني فيهِ لوقائعَ لا تدخُلُ تحتَ حصرٍ يستخرجُها المفسِّرُ المجتهدُ بثاقِبِ نظرِهِ مراعيًا المَقَامِ الذي هو بصددِه، خاصة وأن مراعاة المَقَامِ أمرٌ نابعٌ من طبيعةِ الدينِ الإسلاميِّ الذي هو عِمادُ حضارتِنا، فالدينُ الإسلاميُّ هو الرسالةُ الخاتمَةُ لكلِّ البشرِ، وهذا يقتضي أنْ تكونَ متجاوزةً لحدودِ الزمانِ والمكانِ والأشخاصِ والأحوالِ والطباعِ واللغاتِ، مشيرًا إلى أنه يتحتم  على علمائِنا مراعاةُ المقامِ مرتيْنِ؛ مرةً حينَ النظرِ في المَقاماتِ التي تنزَّلتْ فيها التشريعاتُ والأحكامُ؛ لتحصيلِ الفهْمِ العميقِ لها، والوعيِ الشاملِ بها، ومرةً حينَ تُنزّلُ هذه الأحكامُ على الواقعِ المستجَدِّ، الذي يحياهُ العلماءُ المجتهدونَ؛ إذ لا بدَّ من مراعاة تغيّرِ الزمانِ والمكانِ والأحوالِ والأشخاصِ.
 
وأوضح عامر، أن الإدراكَ العميقَ للأحوالِ والمقاماتِ هو الذي جعلَ علماءَ الأُمَّةِ منذُ عهدِ الصحابة رضوانُ الله عليهم يُفرّقونَ بين ما قامَ بهِ سيدُنا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ باعتبارِه نبيًّا، وما صدرَ منه صلى اللهُ عليه وسلم باعتبارِه إمامًا للمسلمينَ، فبيَّنوا بهذا ما يجوزُ لأيِّ إمامٍ من أئمةِ المسلمينَ ورؤسائِهم وملوكِهم أن يجتهدَ فيه تحقيقًا للمصلحةِ العامة، خاصة وأن علوم حضارتِنا مبنيةٌ على هذهِ المراعاة؛ لأنَّها حضارةٌ عامةٌ لكلِّ البشَرِ، مشيرا أنه من فوائدِ المؤتمرِ التثقيفيةِ أنه يُنبّهُ شبابَنا إلى سبْقِ حضارتِهم الذي لا يُحسَبُ بالأيامِ ولا بالسنواتِ، بل بالقرونِ المتطاولةِ، قائلًا: ليس معنى هذا أننا نَغمِطُ حقَّ الآخرِينَ في السبْقِ إلى بعضِ المعارفِ، فإنَّ مِن خصائصِ حضارتِنا جانبيْنِ؛ جانبًا حضاريًّا وجانبًا خُلُقيًّا؛ أما الجانبُ الحضاريُّ فهو التكاملُ مع غيرِها من الحضاراتِ وإفادتُها لا إبادتُها، وأما الجانبُ الخلُقيُّ فهو حفظُ حقوقِ الملكيَّةِ الفكريَّةِ، فحضارتُنا لا تسطو على تراثِ غيرِها وتَنْسُبُهُ لنفسِها، وها هو «المنطقُ» خير شاهدٍ، لا تَزالُ حضارتُنا تنسُبُه إلى أرسطُو، وكثيرٌ مِن المثقفينَ، بل بعضٌ مِن دارسي المنطقِ الأَرسطِيِّ لا يعلمُ ما أدخلَهُ علماؤُنا عليهِ من تنقيحٍ وتهذيبٍ، وإضافاتٍ لم يتطرقْ إليها أرسطو، مشيرًا إلى أن حضارتنا لم تُنكر استفادتَهَا، ولم تفخرْ بإفادتِهَا؛ لأن هذا بعيدٌ عن هدفِها، فهدفُها إسعادُ البشرٍ كُلِّهِم؛ فقد خلَّدَ القرآنُ الكريمُ وصْفَهُ لأُسوتِنا الحسنةِ سيدِنا رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- بأنهُ رحمةٌ للعالمين فقالَ سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فكانتْ حضارتُنا -وهي وارثةُ هديهِ صلى اللهُ عليه وسلم- حاملةً لهذه الرحمةِ بكلِّ صورِها لكلِّ العَالَمِينَ.
 
 واقترح عامر أن يقومُ علماءُ جامعةِ الأزهرِ -الذينَ هُم منبعُ العِلمِ النافعِ الذي يَقتبسُ منهُ الجميعُ- بدَورِهم في معالجةِ قضايَا المجتمعِ والأُمةِ، وتقديمِ الجديدِ في فهْمِ الكتابِ والسُّنّةِ المشرّفَةِ، وذلكَ من خلالِ مشاريعَ قوميّةٍ واضحة آليات التنفيذ، كما أنه لا بُدَّ من رصدِ القضايا المختلِفة وتقديمِ العلاجِ المناسبِ لها من الكتابِ والسنة؛ فمثلًا لا بدَّ من أنْ يكونَ لنا دورٌ في توعيةِ الناسِ بما عليهم في الأزمةِ الاقتصاديةِ الحالية ممَّا جاءَ به القرآنُ الكريمُ والسُّنةُ المطهرة، ثمَّ إنَّ مراعاةَ المَقَامِ التي أُقيمَ المؤتمرُ من أجلِها تقتضِي أن تَضطلعَ الجامعةُ بمشروعٍ يقدّمُ تكشيفًا علميًّا وفهرسةً موضوعيَّةً جديدَةً للسُّنَّةِ النبويَّةِ، وثَمَّ محاولاتٌ معاصرةٌ لخدمةِ السنةِ النبويةِ المطهرة، فلا بدَّ من أن يكونَ للأزهرِ الشريفِ -باعتبارِهِ قبلةَ العلمِ ذات المنهجِ العلميِّ الوسطيِّ الرصينِ المتكاملِ- إسهام في إعادةِ تكشيفِ وشرحِ السنةِ النبويةِ وتقديمِ كنوزهَا بما يناسبُ الواقعَ المعاصرَ، ومختلِف العلومِ والمجالات، مشيدا بدور ورسالة جامعة الأزهر، وأن عليها دور فعال في تعليمِ الشبابِ إدراكَ الواقعِ،  من خلالِ تقديمِ استراتيجيةٍ وطنيةٍ لتطويرِ التعليمِ والمناهجِ والبحثِ العلميِّ وخدمةِ البيئةِ وتنميةِ المجتمعِ بما يكونُ جِسرًا آمنًا يَعْبُرُ من خلالِهِ الشبابُ إلى مستقبلٍ صحيحٍ يُحقّقُ المقاصدَ الشرعيةَ العليا ويصنعُ حضارةً متميزةً، كما فعَلَ شيوخُنا وعلماؤُنا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق